أعلن فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان أنه سيتنحى من منصبه موضحا في الوقت ذاته أنه طلب من الأمين إعفائه من هذا التكليف.
وقال بيرتس خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي في (13 سبتمبر 2023م) لقد حظيت بشرف العمل كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان لأكثر من عامين ونصف. وأنا ممتن للأمين العام على هذه الفرصة وعلى ثقته بي، ولكني طلبت منه إعفائي من هذا الواجب. ولذلك ستكون هذه إحاطتي الأخيرة في هذه الوظيفة.
وأضاف لقد عرفت السودان كبلد يتمتع بإمكانات هائلة وروح لا تقهر وثراء ثقافي وتنوع، ولقد ألهم الشعب السوداني العالم أجمع عندما قلب بشجاعة ثلاثة عقود من الحكم الديكتاتوري في عام 2019، وتابع بالقول إنه يحتاج إلى دعمنا وتضامننا أكثر من أي وقت مضى، ويحتاج إلى دعمنا وتضامننا في الضغط على القيادات العسكرية لإنهاء هذه الحرب ومحاسبتها، وفي تمكين المدنيين من أجل الانتقال في نهاية المطاف نحو الحكم الديمقراطي.
وقال بيرتس مازال الشركاء الدوليون، بمن فيهم الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والإيغاد، والاتحاد الأوروبي، والدول المجاورة، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة يضغطون على الأطراف لإيقاف القتال.
وأكد أن بعثة اليونيتامس ظلت على اتصال لصيق بالطرفين لحثهما على الالتزام بوقف إطلاق النار بصورة جادة.
فيما يلي نص خطاب الإحاطة:
إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، السيد فولكر بيرتس، لمجلس الأمن الدولي 13 سبتمبر 2023
السيد الرئيس، السادة أعضاء مجلس الأمن،
أشكركم على هذه الفرصة لإحاطتكم مرة أخرى بشأن الوضع في السودان. مضت قرابة الخمس أشهر على اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. ولا يظهر القتال أي مؤشر على التراجع بينما لا يبدو أي جانب من الجانبين قريبا من إحراز نصر عسكري حاسم.
يتواصل القتال العنيف داخل العاصمة حول المنشآت الاستراتيجية مع محاولات متكررة للقوات المسلحة لطرد قوات الدعم السريع من الأحياء السكنية. وقد قتل ما لا يقل عن 5000 شخص منذ اندلاع الصراع فيما أصيب أكثر من 12000 شخص بجراح. ونورد هذه الأرقام بتحفظ، وهذه أرقام متحفظة، فمن المحتمل أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير. وفي دارفور، فقد تفاقم العنف بصورة كبيرة وأبدى الطرفان المتحاربان تجاهلاً واضحاً لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وتم استهداف المدنيين على أسس اثنية وطردوا من الجنينة ومواقع أخرى في دارفور.
كما أن استنفار القبائل العربية من خارج الحدود يفاقم النزاع ويؤثر على الاستقرار الإقليمي. وأدى القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال/الحلو في جنوب كردفان إلى نزوح العديد من الناس مع وجود إصابات في أوساط المدنيين.
على الرغم من الهدوء النسبي في الشرق إلا أن التوترات بدأت تتصاعد وسط التعبئة القبلية المستمرة. كما أن تعبئة عناصر النظام السابق، الذين يدعون لاستمرار الحرب، تثير القلق بصفة خاصة. وتزيد كل هذه التطورات من خطر تجزئة البلد. إذ أن ما بدأ كنزاع بين تشكيلين عسكريين قد يتحول إلى حرب أهلية واسعة النطاق.
السيد الرئيس،
بينما تدخل الحرب شهرها السادس، دعوني أعود للوراء في شيء من التأمل. كان يمكن تفادي الانزلاق نحو الحرب يوم 15 أبريل لو استمع الطرفان المتحاربان لدعوات متعددة من الجهات الفاعلة السودانية والدولية لخفض التصعيد، واستمرّا في الحوار. وقد بذلنا كلنا -المدنيون السودانيون وبعثة يونيتامس مع شركائنا الإقليميين والدوليين، جهوداً جبارة لمساعدة لطرفين لتسوية خلافاتهما عبر التفاوض. وقد حدد الاتفاق الإطاري، الذي تم التوصل إليه عبر التفاوض بين القيادات العسكرية والمدنية دون ضغوط خارجية، الأطر العامة لاتفاق سياسي يقود البلاد نحو الحكم المدني. وقد حدد ذات الاتفاق المزيد من المشاورات بشأن المواضيع المستمرة، مثل العدالة الانتقالية وإصلاح القطاع الأمني. وبناءً على الطلب الذي تقدم به (الشركاء) الموقعون على الاتفاق- العسكريون والمدنيون على حد سواء-، قامت الآلية الثلاثية – المكونة من الاتحاد الإفريقي وإيغاد ويونيتامس – من تيسير تلك المشاورات عبر سلسلة ورش العمل شارك فيها طيف واسع من مختلف قطاعات المجتمع السوداني.
وبينما كانت المشاورات تجري باتساق كانت كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تحشدان قواتهما، بدون أدنى مسؤولية، داخل العاصمة بينما تؤكدان للمجتمع الدولي وللسودانيين التزامهما بالسلام. وحتى آخر لحظة حذرنا، أنا وشركاؤنا في الآلية الثلاثية، من أن الأمر لن يتطلب سوى شرارة لإشعال مواجهة مسلحة، وهذا ما حدث للأسف”.
وللتاريخ، دعوني أكون واضحاً، أنه وبغض النظر عمن أطلق الطلقة الأولى، فإنه كان واضحاً أن كلا الطرفين كانا يعدان العدة للحرب. فقد اختار الجانبان المتحاربان تسوية نزاعهما عبر القتال، ومن واجبهما تجاه الشعب السوداني أن يضعا حدا له”.
أصحاب السعادة أعضاء المجلس،
تصر قيادة القوات المسلحة السودانية ووزارة الخارجية على أن هذا النزاع هو حرب بين الحكومة من جهة والمتمردين من جهة أخرى. ونستمر نحن والأطراف الفاعلة الدولية والإقليمية الأخرى، في الحديث عن طرفي الصراع، أو عن الطرفين المتحاربين، اللذين يحتاجان إلى إنهاء الحرب. ومما يجدر ذكره أن هذين الطرفين كانا يشكلان ما كان يعرف بالمكوّن العسكري للشراكة المدنية العسكرية بموجب الوثيقة الدستورية للعام 2019. وقد أنهيت هذه الشراكة بانقلاب أكتوبر 2021 الذي قاده شراكة كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. تقع المسؤولية على عاتق قيادتي هذين التشكيلين لوقف القتال. هناك حاجة للقادة العسكريين في كلا الجانبين من أجل التفاوض على وقف الأعمال العدائية وتنفيذه. لكن ينبغي إلا يستمر القادة العسكريون في حكم البلاد.
ما زال الشركاء الدوليون، بمن فيهم الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والإيغاد، والاتحاد الأوروبي، والدول المجاورة، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة يضغطون على الأطراف لإيقاف القتال. وظلت بعثة اليونيتامس على اتصال لصيق بالطرفين لحثهما على الالتزام بوقف إطلاق النار بصورة جادة مع الانتقال لوقف دائم للأعمال العدائية. وعلى الرغم من أن مفاوضات جدة قد أوقفت بصورة رسمية إلا أن اتفاق جدة، الذي قبله الطرفان، يظل سبيلاً مهماً للطرفين للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. غير أن اتفاقات وقف إطلاق النار في المرات السابقة ظلت مرعيةً بصفة جزئية وكثيراً ما أستفيد منها في عمليات إعادة التمركز وإعادة الإمداد، بيد أن وقفا مستداما للأعمال العدائية يتطلب إرادةً سياسية وآلية مراقبة لصيقة وقدرة على محاسبة الطرف المسؤول عن عدم الالتزام.
شجعني موقف الاتحاد الأفريقي والإيغاد في توحيد ومواءمة خارطتي طريقيهما وجهودهما لتيسير حل سياسي. كما أثني أيضا على قمة دول جوار السودان وما نتج عنها من آلية وزارية. غير أننا ما نزال بحاجة لمواءمة الجهود الإقليمية والدولية.
وتحتاج الجهود الدولية والإقليمية أيضاً لتنسيق السبل والوسائل الكفيلة بالتأثير على الأطراف لقبول وقف مستدام للأعمال العدائية. وأهم ما في هذا السياق، فإنني أحث الدول الأعضاء على وقف تدفق الأسلحة نحو السودان والامتناع عن إعادة إمداد أي طرف من الأطراف.
ودعوني في هذا السياق أن أشيد بحركات الكفاح المسلح، الموقعة على اتفاق جوبا للسلام وغير الموقعة على نحو سواء، التي قررت أن تظل على الحياد وأن تستخدم قواتها في حماية المدنيين في دارفور. ودعوني أعرب عن تقديري لكل أولئك المدنيين والمبادرات المدنية التي لم تنحاز لأي من الطرفين، والتي ظلت تدعو لوقف الحرب والتي تعمل من أجل السلام محلياً.
السادة أعضاء المجلس،
لا يزال كل جانب ينتظر إضعاف الطرف الآخر ودفعه إلى الاستسلام. وهذا أمر لا طائل منه. فالحرب تدمر حياة السودانيين، رجالا ونساء، وتنتهك حقوقهم الأساسية وتحرمهم من المستقبل الذي يستحقونه.
ستقدم زميلتي من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) إحاطة بشأن تطورات الأوضاع الإنسانية، لذا فإنني لن أدخل في تفاصيل هذا الأمر.
ولكن دعوني أقول إن هذا النزاع يترك إرثاً مأساوياً من انتهاكات حقوق الانسان. تشكل الهجمات العشوائية التي يرتكبها الطرفان المتحاربان ضد المدنيين انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويعيش مجتمع المساليت، على وجه الخصوص، في خوف دائم من التعرض للهجوم بسبب أصلهم العرقي في أعقاب القتل البشع لوالي ولاية غرب دارفور وغيره من زعماء المساليت في منتصف يونيو. فقد قتل المئات، على الأقل، في الجنينة وغيرها من المناطق في غرب دارفور.
تلقى مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان تقارير موثوقة حول وجود ما لا يقل عن 13 مقبرة جماعية في الجنينة والمناطق المحيطة بها نتيجة لهجمات قوات الدعم السريع والميليشيات العربية على المدنيين، غالبية هؤلاء المدنيين من مجتمع المساليت. وتقوم يونيتامس وزملاؤها في الأمم المتحدة بتوثيق هذه الانتهاكات ويذكّرون بأن هذه الأفعال، إذا تم التحقق منها، فإنها قد تشكل جرائم حرب.
ولا أزال أشعر بالفزع إزاء انتشار أعمال العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف ضد المرأة. نحن بحاجة إلى تحقيقات ذات مصداقية، بجانب المساءلة عن هذه الجرائم، فضلا عن الخدمات المقدمة للناجين. إن المجموعات النسائية السودانية تدعو بحق إلى إدانتنا الجماعية، وكذلك إلى الوقاية والعدالة.
السيد الرئيس،
على الرغم من الافتقار إلى الحماية للمدنيين على الأرض، فإن النساء السودانيات ومجموعات الدعم المجتمعية، مثل غرف الطوارئ ولجان المقاومة، ما زلن يضعن حياتهن على المحك لتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة.
يبذل النشطاء المدنيون، بما في ذلك النساء، جهودا جديرة بالثناء من خلال قيادة العديد من المبادرات المناهضة للحرب. إنهم يختارون السلام. وتحث هذه المبادرات الطرفين على وقف العنف وتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وإعادة إطلاق الحوار السياسي.
وعلى الرغم من مجموعة الصعوبات اللوجستية والمخاطر الأمنية، فإنهم يكثفون جهودهم للتجمع حول منصة مشتركة.
إن تعدد هذه المبادرات المدنية يعكس تنوع المجتمع السوداني. إنهم بحاجة إلى دعمنا الجماعي وتشجيعنا لإنشاء منصة مشتركة.
وقد أكدت المبادرات التي تقودها النساء على وجه الخصوص على أهمية مشاركة المرأة في مفاوضات وقف إطلاق النار وأي عملية سياسية مستقبلية.
أصحاب السعادة،
لن تظل الأمم المتحدة محايدة أبدا عندما يتعلق الأمر بالحرب وانتهاكات حقوق الإنسان. فإننا نقف إلى جانب المدنيين السودانيين والنساء والأطفال والسكان المستضعفين الذين يتحملون وطأة الصراع. ليس هناك شك (حول) من المسؤول عن ماذا: في كثير من الأحيان يتم تنفيذ القصف الجوي العشوائي من قبل أولئك الذين لديهم قوة جوية، وهم القوات المسلحة السودانية. تحدث معظم أعمال العنف الجنسي والنهب والقتل في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وتنفذها أو تتغاضى عنها قوات الدعم السريع وحلفاؤها. يقوم كلا الجانبين بالاعتقال التعسفي والاحتجاز وحتى تعذيب المدنيين، وهناك تقارير عن عمليات القتل والاحتجاز خارج نطاق القضاء. ويتعين علينا أن نقنع الأطراف المتحاربة بأنها لا تستطيع أن تعمل في ظل الإفلات من العقاب، وأنه ستكون هناك مساءلة عن الجرائم المرتكبة.
وتواصل يونيتامس الحفاظ على اتصالاتها مع جميع الأطراف، بما في ذلك من خلال اللجنة الدائمة لوقف إطلاق النار في دارفور، وتدعم الجهود السودانية والإقليمية والدولية لإعادة إحلال السلام، لأن السودان لا يستطيع ولا يجب عليه أن يتحمل تكاليف هذه الحرب إلى أجل غير مسمى.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المجلس،
اسمحوا لي أن أنهي إحاطتي بملاحظة شخصية: لقد حظيت بشرف العمل كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان لأكثر من عامين ونصف. وأنا ممتن للأمين العام على هذه الفرصة وعلى ثقته بي، ولكني طلبت منه إعفائي من هذا الواجب. ولذلك ستكون هذه إحاطتي الأخيرة في هذه الوظيفة.
لقد عرفت السودان كبلد يتمتع بإمكانات هائلة وروح لا تقهر وثراء ثقافي وتنوع. لقد ألهم الشعب السوداني العالم أجمع عندما قلب بشجاعة ثلاثة عقود من الحكم الديكتاتوري في عام 2019. إنه يحتاج إلى دعمنا وتضامننا أكثر من أي وقت مضى، ويحتاج إلى دعمنا وتضامننا في الضغط على القيادات العسكرية لإنهاء هذه الحرب ومحاسبتها، وفي تمكين المدنيين من أجل الانتقال في نهاية المطاف نحو الحكم الديمقراطي.
أود أن أشكر موظفي الأمم المتحدة في السودان على التزامهم الثابت وتفانيهم في دعم الشعب السوداني، وأود أن أشكركم، أعضاء مجلس الأمن، على مشاركتكم ودعمكم لعملنا.