مدار أوّل:
“سلامٌ لأرضٍ خُلقت للسلام .. وما رأت يوماً سلاما….” ((محمود درويش))
-1-
بالأمس، احتفل العالم، شعوباً وحكومات، ومنظمات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني، باليوم الدولي للسلام – (21 سبتمبر) – وهو اليوم الحادي والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام، اليوم الذى خصصته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى عام 1981، كيوم لوقف إطلاق النار عالمياً وعدم العنف، وإشاعة ثقافة السلام، من خلال التعليم والتثقيف والتوعية الجماهيرية، وليصبح يوماً للتعاون العالمي للتوصُّل إلى وقف إطلاق النار “فى كل بقاع العالم”، وليكون هذا اليوم التاريخي، يوماً لصون السلم والأمن الدوليين، ويوماً عالمياً لتعزيز الوعي بقضايا السلام، وليُكرّس عالمياً، يوماً ومناسبة خاصة لتحفيز العمل العالمي الجماعي، من أجل تحقيق الهدف السامي الذي من أجله أُختير – هذا اليوم بالتحديد – ليصبح يوماً أُممياً لإلقاء الضوء على دور الأمم المتحدة، ودور وكالاتها المختلفة، ودورنا نحن فى المجتمع الحقوقي والصحفي، فى حفظ السلام والأمن العالميين، لمصلحة البشرية جمعاء!.
-2-
ولنا أن نتخيّل عالم بلا سلام، عالم، يسبح فى دماء وأشلاء حروب واقتتال شنيع بين الشعوب والدول والجماعات المختلفة.. عالم تسوده النزاعات المسلحة وحتى “غير المسلحة”، عالم يعيش فيه الجميع، فى خوف ورُعب وتهديد بالعنف والدمار، والأذي المادي والمعنوي والنفسي، الذي يُلازم ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، أينما وقعت، وحيثما حلّت وفُرضت على الناس !.
-3-
نعم، لنا – وعلينا – أن نتخيّل، عالم يواجه فيه الناس خطر الحروب وويلاتها اللعينة.. عالم يعيش فيه الجميع، بلا أمان، ولا إطمئنان، على أغلى ما يملك الإنسان، وهو حياته “الحق فى الحياة”، عالم يعيش إنسانه خوف تعرضه لإصابات جسيمة، وعجز جسدي ونفسي، نتيجة القتال والمعارك الحربية، والعنف، والعنف المضاد، والتعرض للقصف بالطائرات والمدافع والمُسيّرات، عالم، يواجه فيه الفرد – ثمّ الجماعة – خطر التقتيل، والتهجير والإختفاء القسري، أو تُفرض فيه على الناس، مخاطر الإضطرار للنزوح والتشريد من الأوطان، والإقتلاع القسري من الجذور، والاٍبعاد والتهجير من مراتع الطفولة، والصِبا، وديار الأهل والأحباب؟!.
-4-
للأسف، مرّ – ويمر – اليوم الدولي للسلام، هذا العام 21 سبتمبر 2023- وبلادنا – السودان – ترزح تحت نيران الحربٍ الكارثية العدمية، بين قوات الدعم السريع والجيش، تلك الحرب التي دمّرت – ومازالت تدمر – منذ اندلاعها بين قوات الدعم السريع والجيش، فى صباح يوم السبت 15 أبريل 2023، واستمرارها دون رأفة أو إشفاق على حياة الناس الأبرياء، حرب تدمر كل خيرات الوطن وثرواته المادية والمعنوية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وفى مقدتها الناس أجمعين !.
-5-
قد يتساءل البعض، تُري ماهو سر تصاعد المعارك – هذه الأيام – بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش، فى الخرطوم الكُبري (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، فى المركز والأطراف، لتصبح كل أحياء عاصمة البلاد – جميعها – مضافاً إلى دارفور وكردفان، جبهات قتال ساخنة، بين مقاتلي الطرفين؟!.
-6-
الإجابة الموضوعية والمنصفة على هذا السؤال تؤكّد – بما لا يدع مجالاً للشك – أن قادة الجيش وقادة الدعم السريع، لا يأبهون – البتة – بمصير السكان المدنيين، ولا بحياتهم، وقد رأينا – مع العالم أجمع – أبشع مناظر ومشاهد من الدمار الشامل للمباني والمنشآت المدنية، إذ لم يسلم منها الناس الأبرياء، كما لم تسلم العديد من المباني والأعيان “المدنية” من الإحتراق بسبب القصف المدفعي أو بالطائرات، أو المُسيّرات التي دخلت مؤخراً كل ميادين المعارك العبثية بين طرفي الإقتتال، دون مُراعاة لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، التي تحث على تجنيب المدنيين، والأعيان المدنية الإستهداف العسكري، وهذا بالضرورة يعني أنّهم لا يأبهون بالقانون الدولي الإنساني، الذي يحرّم ويجرّم استهداف الأعيان المدينة، ولا يهمهم لا حاضر – وبالطبع – ولا مستقبل الوطن، الذي سيصبح ركاماً وحطام، بسبب حربهم الكارثية، وتعنّتهم العجيب على مواصلة القتال، بإفتراض تحقيق نصر خاطف، هو فى الحقيقة وهم كبير من قادة وجنود الطرفين!.
-7-
أكتب اليوم – 22 سبتمبر 2023- وكما أسلفت، بعد يومٍ واحدٍ فقط، من مرور اليوم الدولي للسلام، وفى القلب حسرة على مصير الوطن، فيما يزداد قلقي وخوفي على مصائر الناس – كل الناس – الذين دمّرتهم هذه الحرب اللعينة، مادياً ومعنوياً، وشرّدتهم ويلات الحرب اللعينة، وما زال – وللأسف والأسي الشديد – مصير الوطن – بأكمله – فى “كف عفريت” الحرب “المليجيشية” الخاسرة، ومازالت مسألة بقاء السودان “الفضل” موحّداً وآمناً ومطمئناً وعزيز الجانب، تواجهها تحديات كبيرة، ومازالت مخاطر الاحتفاظ بوطن يعيش فيه أهله فى تعايش سلمي حقيقي، ينهلون – جميعهم – من خيراته الوفيرة، من أكبر التحديات، وهي تحديات أن يبقي السودان، او لا يكون!.
-8-
كل هذا وذاك، يستدعي رفع الصوت عالياً ضد الحرب، كما يجعل المطالبة بالوقف الفوري للحرب فرض عين على الجميع.. فلنواصل جهودنا لتشكيل أكبر جبهة ضد الحرب، ولحماية حقوق الإنسان، ولنواصل جهود استمرار العمل الجماعي من أجل تحقيق السلام، دون تفريط فى مبدأ تحقيق العدالة والمساءلة وجبر الضرر والإنصاف لضحايا الحرب، حيثما كانوا وأينما يكونون، وهذا يعني بالضرورة، تأكيد وضمان عدم الإفلات من العقاب، لمرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي أصبحت كل مناطق الحرب “المليجيشية” فى السودان، مسرحاً ومرتعاً لها.
-9-
الواجب المقدّم على كل محبي ومحبات السلام، هو أن نُسخّر كل قدراتنا وطاقاتنا ومعارفنا ومواهبنا لوقف الحرب، ولنكرّس – نحن فى جبهة حقوق الإنسان والصحافة الحساسة تجاه النزاع، أقصى جهودنا فى النضال من أجل تحقيق السلام واحترام وتعزيز مُثله العليا، ومناهضة خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية والعرقية الذي، تبثه – وبكثافة – هذه الايام أبواق طرفي الحرب “المليجيشية”، وقد تعددت منصاتها الإعلامية، لتصب المزيد من زيت العنف، فى نيران الحرب، وهاهي تنشط فى المزيد من التعبئة للحرب، بتكثيف خطابات التحشيد للحرب، على أُسس جهوية ومناطقية وعنصرية بغيضة، لضرب التعايش السلمي بين كل مكونات المجتمع السوداني.. أوقفوا الحرب – اليوم ، قبل الغد – يا هؤلاء!.
جرس أخير:
“أنا الريح .. تأخذني الاِتجاهات إلى غيرها .. كي أردُّ احتمال المنافي.. إلى الأمكنة… أنا الريح .. تأسرني ثنية الكم فى ثوبها .. فأغازلُ أطرافه بالهفيف .. وبالدوزنة… أنا الريح .. لا أعرف الاِلتجاء .. إلى ركن بيتٍ .. تراني هناك .. كما قد تراني هُنا” ((محمد مدني))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com