هل نبدأ بكلمات شاعرنا الراحل صديق مدثر حين كتب لكابلي وتغني بها ..
كان بالأمس لقانا عابراً
كان وهماً كان رمزاً عبقرياً؟
فقد ضجت الوسائط منذ مساء امس واشتعلت كل منصات التواصل الاجتماعي وأخبار الفضائيات .. ليس بمضامين خطاب قائد الدعم السريع حميدتي .. بل بظهوره هو شخصياً علي شاشات الفضائيات ووكالات الانباء، وذلك بسبب ما ظلت تتناقله الوسائط في مجملها ومنذ عدة شهور بأن الرجل قد أُصيب إصابات مميتة وأُجريت له عدة عمليات جراحية بمستشفي شرق النيل بالخرطوم بحري، وأنه قد تم دفنه بشرق الحاج يوسف .. وقد تطوع آخرون يؤكدون انهم اشتركوا في التشييع قبل خمسة شهور أي في الأيام الأولى لبداية الحرب العبثية (لعب عيال) والتي وصفها الإعلام الاسلاموي السوداني بانها معركة كرامة .. بالرغم من أنهم هم الذين أنشأوا هذا الجيش الجرار من الدعم منذ العام ٢٠٠٣م في حرب دارفور ثم أتوا بهم الي الخرطوم لحماية النظام، وأنهم أجازوا تقنين وجود الدعم عن طريق المجلس الوطني(برلمان الإنقاذ) في العام ٢٠١٧م مما أدى إلى الاعتراف السياسي بهم، بل فتحوا المجال لتجنيس وتحشيد آلاف المجندين من دول غرب أفريقيا كالنيجر وتشاد وغيرها من الذين لا أخلاق ولا أعراف لهم، وقد رأيناهم كيف فعلوا في بيوت أهل العاصمة وممارسة سرقات ممتلكات المواطنين بما في ذلك سرقة آلاف السيارات وإدخالها الي النيجر وتشاد ومالي( بوكو سودان) .
وبرغم ذلك، فإن إعلام المؤتمر الوطني لا يعترف بأن قياداتهم ارتكبت تلك الأخطاء، ولا يزال إعلامهم الذي ظل يسوق عضويتهم الساذجة ( بالخلاء) .
كل تلك الأخطاء القاتلة التي ظهرت آثارها الآن لا نرغب في الإسهاب فيها لأن الأمر مفهوم ومعلوم لأبناء شعبنا ولا يتطلب كثير إضافة.
ولكن نعترف هنا كواحد من الأقلام المستقلة المشحونة حباً لهذا البلد ولمستقبل أبنائه ونقول إن أعلام وتكتيكات قيادات الدعم السريع كانوا أكثر ذكاء من حيث النشر الالكتروني والوجود الفضائي في نقطة مهمة، وهي مسألة وفاة قائدهم محمد حمدان دقلو .. فقد كان يؤكدون أنه على قيد الحياة ويناقشونه من وقت لآخر .. وفي ذات الوقت كانت هناك قيادات سياسية ذائعة الصيت ظلت تؤكد من وقت لآخر بأن الرجل قد شبع موتاً.. للدرجة التي تحدي فيها سفير السودان بليبيا في حوار الجزيرة مباشر معه بأن حميدتي مات منذ عدة أشهر، وأنه إذا ظهر الي الوجود إلا يكون (بعاتي ) حسب وصفه .. فما رأي سعادته وهو برتبة فريق مهندس وقد كان مشرفاً على بناء كبري الدباسيين وأيضاً مشرفاً على إنشاء المطار الدولي الجديد غرب ام درمان .. فلم تقم للاثنين قائمة( لا الكبري ولا المطار ) فترقى إلى سفير من خارج إطار الدبلوماسية كما تفعل الإنقاذ دائماً، وفي حالات عديدة سابقة.
المهم في القول إن حكاية السواقة بالخلاء والتي لا تعرف قوانين مرور حيث لا توجد طرق مسفلتة أو إشارات ضوئية تتحكم في المرور قد أصبحت سمة في إعلام الوسائط . إلى أن فاجأ دقلو الدنيا كلها بخطابه المسجل والذي تم بثه وفقاً لترتيبات محددة مع الفضائيات في ذات وقت انعقاد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية والتي يحضرها قادة الدول حيث سبق بث الخطاب قبل خطاب السودان الرسمي الذي ألقاه الفريق أول عبدالفتاح البرهان في مبنى الأمم المتحدة.
ولذلك حينما قلنا إن الدعم السريع لديه ذكاء إعلامي كان موجوداً خلال أشهر الحرب، وكان توقيت بث خطاب قائدهم حميدتي بالأمس بعد ان اقتنع الناس بأن الرجل أصبح في رحاب الله منذ منتصف أبريل الماضي، فقد وجدنا العديد من الانتقادات في حساباتنا بالوسائط وصلت لدرجة الاستفزاز وأحيانا ( الشتائم) لكننا لا نرمي لها بالاً، لأن رسالتنا التنويرية تجاه شعبنا تتطلب القفز فوق مطبات النقد الهادم.
وفي تقديرنا الشخصي والاستقرائي بأن بقاء دقلو علي قيد الحياة سيساعد كثيراً في احتواء هذه الحرب العبثية والتي تعتبر الأولى في تاريخ البشرية أن يتم حرق عاصمة دولة حيث لم يسبقها غير حرق ( نيرون) إمبراطور إيطاليا في التاريخ القديم حين قام بحرق عاصمته ( روما) .
فهل يتحوّل إعلام المؤتمر الوطني إلى إعلام وطني حقيقي وصادق، ويحاول تغيير خططه الإعلامية بتغذية اوردة صحافته وكوادره الفاعلة وأجهزة أمنه بثقافة وطنية عالية المقام تساعد في إقرار السلام وأن يعترفوا بثورة الشباب السوداني التي أذهلت البشرية كلها منذ اشتعال شرارتها الأولى في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م في كل المدن وامتدت لستة شهور حيث كان المهر غالياً فسالت دماء شبابنا جراء عنف كتائب الظل والأمن الشعبي تطبيقاً لتوجيهات علي عثمان (منظر الحركة الإسلامية) حين كان يخاطب البرلمان ذات يوم بعبارة ( Shoot to kill)
والتي رددها مرتين وقد كان نوابه حزبه وقتذاك في حالة وجوم وصمت رهيب فلم يجرؤ احدا للاعتراض او فرملة الرجل الذي يهوي دائما استخدام لغة القتل والابادة .. والنائب الوحيد الذي تحدث بكل جرأة هو السيد علي ابرسي في نقاط محددة بالبرلمان حينذاك.
وكيف ننسى فتوي شيخ عبدالحي يوسف للمخلوع بإبادة ثلث الشباب المعتصمين بالقيادة ( ويؤجر الرئيس علي ذلك) أي إن الله تعالي سيكافيء المخلوع علي قتل الشباب المسالم الثائر .
وهنا نؤكد مرة أخرى بأن وجود حميدتي على قيد الحياة سيكون له القدح المعلى في توافر الحلول عبر منبر جدة التفاوضي جنباً إلى جنب مع الرئيس البرهان تماماً مثلما حدث بين دكتور جون قرنق وعلي عثمان في نايفاشا الكينية.
فكل الحروب تنتهي دائماً باتفاق سلام متى ما نجح الوسطاء في تذليل الصعاب وإزالة ما احتقن في الصدور من قتل وتشريد ونهب واغتصاب وتدمير لبنية عاصمة البلاد وتشريد أهلها بالملايين إلىداخل السودان وخارجه مع توقف كامل لدولاب العمل والاقتصاد المنهك أصلاً.
فقد كانت لنا في اتفاقية السلام في نايفاشا أسوة حسنة حين أنهت أطول حرب أفريقية وهي حرب الجنوب التي اندلعت منذ العام ١٩٥٥م حتي العام ٢٠٠٥م برغم أن نتائجها كانت فصل الجنوب.
ولا بد من اختفاء عبارات فلول وكيزان وقحت وعملاء ومرتزقة وسفارات من قاموس الاحتكاك السياسي الحالي عبر منصات التواصل الاجتماعي ليحل محلها روح السلام والنظرة الوطنية الثاقبة من أجل استقرار مستقبل هؤلاء الشباب بعد أن أدى الكبار أدوارهم في تفتيت وحدة البلاد، وسرقة ثرواته، والهروب بها إلىالخارج عبر سنوات طويلة حتي قبل انطلاقة الثورة الديسمبرية.
والله المستعان.
bashco1950@gmail.com