منذ أن أطلق القائد العام للجيش السوداني عبارته التي سارت بها الركبان ( الدعم السريع من رحم الجيش ) ورغم أن البعض قد اعاد إنتاج العبارة على طريقة( خُم صر ) بعد تمرد (المولود على الوالد) وفقاً لزعم البرهان واشتعال الحرب العبثية .. الا أنني ظللت اترقب واطالع الاسافير صباح مساء عل (واحداً ) من اهل الجيش يتصدى ويبرىء رحم الجيش من هذا المولود المزعوم ..!
ولما لم يحدث هذا .. حتى يوم الناس هذا.. وددت وللتاريخ فقط .. ولا دافع غيره .. ان ابين حقائق من حق الناس ان تعرفها ..ربما هي حقائق معروفة للبعض ولكن التذكير بها وتنشيط الذاكرة مهمان ايضا .. في زمان اصبح فيه طمس الحقائق و تغبيش الوعي مهنة تبذل دونها الاموال ..!
ابدأ فأقول :
اول محاولة لمراجعة تجربة حرس الحدود .. اكرر حرس الحدود وليس الدعم السريع …
كانت منتصف ٢٠١٣ .. فتمهيداً لعمليات الصيف كانت هيئة قيادة القوات المسلحة عاكفة على معالجة سلبيات عمليات دارفور و اتخاذ تدابير جديدة ..
كانت في الواقع محاولة من السلطة الإنقاذية لمعالجة العلاقة مع مواطني الإقليم الذين دفعوا ثمناً باهظاً جراء حرب استمرت نحو عقد من الزمان في ذلك الحين ..وكان من ضمن تلك التدابير قرار هيئة القيادة بنزع سلاح وتسريح ٧ آلاف من قوات حرس الحدود التي كانت بقيادة الشيخ موسي هلال .. ففي ذلك الاجتماع نقل وزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين لهيئة قيادة القوات المسلحة اقتراحاً من الرئيس البشير بتشكيل قوة خاصة محدودة على أن تكون تحت قيادة القوات المسلحة لتكون منظمة ومنضبطة .. هيئة القيادة رفضت الفكرة بحجة أنهم يناقشون الآن حل حرس الحدود فلا يمكن ان يؤسسوا لقوة جديدة مشابهة ..!!
وزير الدفاع الذي اقتنع بتحفظات هيئة القيادة .. فيما بدا .. اجتهد في عكسها للرئيس البشير ..!
عقب ذلك حدثت ثلاث خطوات مهمة:
الأولى: تحويل مهمة تنظيم وادارة وتدريب القوة الجديدة لجهاز الامن.
الثانية: التخلص من الشيخ موسى هلال الذي كان حميدتي قد رفض العمل تحت قيادته.
اما الخطوة الثالثة والاخيرة والاهم فهي تكليف حميدتي بقيادة القوة الجديدة التى لم يتجاوز عددها الخمسة آلاف مقاتل في ذلك الحين .. المفارقة ان اول مهمة لتلك القوات كانت (ايضاً) في الخرطوم .. حيث كلفت بقمع تظاهرات انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣م، ويذكر الناس كيف كان القتل بالذخيرة الحية.. وربما يقتضي العدل القول هنا إن ذلك العنف المفرط قد حمله الناس كله لهيئة العمليات الشيء الذي لم يكن دقيقاً ..!
اذن فشلت المحاولة الاولى لوضع الدعم السريع في رحم القوات المسلحة ..نقول الاولى لأننا بصدد عرض المحاولة الثانية ايضا ..اولاً من المهم الاشارة الى أن ثمة تفاصيل كثيرة بين المحاولتين .. بعضها مثير وبعضها مريب وبعضها محير ..
ولكن كل هذا ليس بموضوعنا الآن ..ما يهمنا الان كيف تطورت الأحداث حتى وصلت إلى المحاولة الثانية ..؟! بايجاز فجهاز الامن الذي احتفى بإنجاز القوة الجديدة وقمعها لتظاهرات سبتمبر في زمن قياسي ..
فوجيء بعد مضي زمن وجيز أنه امام ( تل من الرمال لا يشبع من المال ) .. وواجه الجهاز لاول مرة عجزاً في ميزانيته ..فسعى بكل ما أوتي من قوة للتخلص من هذا العبء ..ظن الجهاز لأول وهلة أن الطريق مفروش بالورود لإعادة هذه القوة إلى حيث ظنها قد أتت منه .. رحم القوات المسلحة .. ولكن إصرار قيادة الجيش مرة أخرى قد سد رحمه أمام إيلاج الدعم السريع .. ولكن يبدو ان الله ولحكمة يعلمها وحده .. قد هيأ للدعم السريع رحماً أرحب و أرغد .. فبدأت رحلة قوات الدعم السريع الجديدة من القصر الجمهور، بل و ممسكة قانوناً بيمينها .. ثم توالت الأرحام الرحبة .. بدءاً من الاتحاد الاوروبي (مشروع مكافحة الهجرة غير الشرعية)، ومرورا بالإمارات و عاصفة الحزم .. وحتى عاصفة الذهب .. !!
اما آخر حبل سري كان يربط الدعم السريع بالجيش، فقد قطعه القائد العام بيده حين أصدر مرسوماً بإلغاء تلك المادة الشهيرة في قانون الدعم السريع ٢٠١٧.. وننتهي من حيث بدأنا .. الدعم السريع لم يدخل رحم الجيش قط حتى يخرج منه!!!!
محمد لطيف