(حين اسمع تصارخ الحرية والتعبير في أيام الحرب هذه عن الإسلاميين أسأل نفسي إن كانوا هم مصدر الخطر على الأمة المحتربة، أم أن ذلك من قحت حالة “جت لاق”. وهي الحالة التي تستولي على المسافر تحول برمجته على زمن بلد المغادرة في التأقلم على واقع بلد الوصول. فولولة قحت من الإسلاميين يوحي بأنها ما تزال في زمن معارضتها للإنقاذ وكأن الإسلاميين البهزو ويرزوا لم يصيروا فلولاً. ولا أعرف كيف يتكافأ هذا الذعر من جماعة هي عندك فلول. فالفلول خرائب بنيان قوم تهدم. وإذا كان الإسلاميون بهذا الخطر الذي ينتظر الأمة إن عادوا بالحرب بطل وصفهم بالفلول. أو صح السؤال: لماذا هم فلول بهذا الخطر؟ وهذا سبيل للشفافية تقف به الحرية والتغيير في لوم النفس على تفريطها في عدم إحسانها الدوس. ووجدت لجنة تفكيك الإسلاميين في الثورة في مثلي وغيري من هادوها إلى سبل أرشد تحسن به السلخ بعد الذبح. وأعيد هنا نشر بعض حفاوتنا بلجنة تفكيك التمكين ناظرين إلى تجويد أدائها من خلال ممارستها خلافاً لثوريين لم يرفعوا يدهم عنها فحسب، بل ناصبوها العداء البغيض أيضاً. وكان الفشل).
(نشر بتاريخ 2 فبراير 2021)
تتعرض لجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ لهجمة مضادة عنيفة من فلول النظام وزبائنهم بلغت حد اقتحام مقرها في بورتسودان. وضمانة اللجنة في تأمين شغلها ونجاحه ليس فقط في أن تعيد على الناس تخويلها الدستوري وعهدها الثوري أمام الشعب وضحايا ثورته. فهذا مفروغ منه. لكن ضمانتها المؤكدة في تجويد شغلها بعد خبرة هذا المشوار العاصف الذي ضربت فيه فأوجعت، وأقضت مضاجع من خرج لها متحزماً. وأخذتُ على اللجنة منذ شهور عواراً في أسلوب تبليغها قراراتها للناس كان أستاذنا عبد الخالق محجوب يسميه ب”بدائية” الأداء في حزبه. فلاحظت مثلاً أن اللجنة لم تأت بصورة للطائرة التي قالت إنها مملوكة للمؤتمر الوطني على البوربوينت مثلاً. فاللجنة تكسب حتى جمهورها خلال شغلها بالحجة والصورة الحسنة لا بمجرد تكرار تفويضهم الأساسي لها. فالثوريون مؤمنون باللجنة بل أن شرعيتها مما اكتسبته منهم. وتجويد اللجنة لشغلها نابذة البدائية إنما لتطمئن به قلوبهم.
لا أعتقد أن اللجنة سبقت بالتفكير في هيئة المؤتمر الصحفي الذي تعقده لإعلانات قراراتها. ولهندسة مثل هذا المنبر خبراء. وأخذت على الهيئة الحالية للمؤتمر الصحفي حالة القيام واقفاً فيه. وهي الحالة التي يتبادل فيها طاقم اللجنة الإبلاغ وقوفاً واحداً بعد واحد أمام ميكرفون سونا كأنهم في عجلة من أمرهم. وهذه هيئة “سلطوية” لإبلاغ فرمانات سلطانية. فتخلو من الحميمية المنتظرة في أمر سياسي شاغل لأن المُبلغ والمُبلغين ليسوا على استواء واحد. وتوحى الهيئة بصورة مؤتمرها هذا وكأن هذه القرارات قول فصل منزل لا يرى المشاهد والمستمع عن كثب الوجوه التي من ورائها. وكنت نوهت بهيئة انعقاد مؤتمرات أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك الصحفية لتنوير الولاية بموقف جائحة الكرونا فيها كل صباح. فتجده جالساً في صف واحد مع طاقم قيادة الولاية وعلى استواء مع الصحفيين والمشاهدين في منازلهم. فهيئة الجلسة لوحدها توحي بالثقة. فالوقفة خطابية بينما الاستواء رحابة وزمالة.
تنبهت بكلمة أخيرة لجعفر خضر لما بوسع اللجنة الاستعانة بها لتوثيق مصداقيتها. فذكر جعفر القرار رقم ٤٧٤ للجنة إزالة التمكين لولاية القضارف القاضي باسترداد الأراضي شمال خط المرعى ١٤ الذي كفل حفظ مسارات الرحل. وتعرضت هذه المسارات لاعتداءات متوالية من المستثمرين في الزراعة الآلية. فاستحوذوا على الأرض ما بعده إلى عند الخط ١٤،٣٧ ثم ١٤،٤٥ مما قلص مسارات الرحل لصالح حفنة من أثرياء المزارعين مسنودين بالدولة والبنك الزراعي. وخاض الرحل في القضارف وغير القضارف صراعات كثيرة للجم هذا الشره على أرضهم. ومن أشهر هذه الصراعات ما وقع في ٢٠١٦ في ولاية سنار التي قتلت فيه شرطة الاحتياطي المركزي أحد الرعاة المحتجين على استيلاء أحمد كمال جار النبي على أرض لهم بدعم من صلاح النور النائب في المجلس الوطني.
بوسع مؤتمرات لجنة إزالة التمكين أن تكون متعددة الأصوات لا وحدانيتها ليستدير تأثيرها على المشاهد وتكتمل حجتها. فوددت لو جاء مندوب القضارف للمؤتمر الصحفي ببعض المتأثرين من الرعاة بشره المستثمرين ليسمع الناس الغناء من خشم سيدو. وينطبق نفس الشيء على المستثمرين الذين احتلوا ساحات متنفس الأحياء وعسكروا. وعموماً فالمؤتمرات فرصة لتعزيز قرارات اللجان بإعطاء ضحايا التمكين صوتاً يصل شغاف عقل المشاهد وخاطره.
تحتاج اللجنة لتعظيم حجتها على آكلي السحت من الإنقاذيين بأن تستأجر القوي من الإعلاميين لتصميم مؤتمرها الصحفي بصورة أكثر مصداقية مما اعتدنا منها. وأول هذا التعظيم أن يرتبوا لها أرشيفاً من صور وفيديوهات ووثائق للأرض والمنقولات يواكب قرارات الحجز والمصادرة عرض لمفرداتها بالفيديو والبوربوينت. فالصورة مغنية عن فيض من الكلمات. وقد نشأ الجيل على أسرها وحجيتها. فلو عرضنا الخط ١٤ على خريطة وكيف ابتلع دود الأرض ما بعده من أراض كما في القرار رقم ٤٧٤ للجنة إزالة التمكين في القضارف لكان أبلغ وأوجع. ومن ذلك أنني استمعت مؤخراً لأحاديث الدكتور الترابي للجزيرة التي تحدث فيها عن استباحة خصومه في القصر للمال العام بما يقصر عنه كل حديث بما فيه حديث لجنة إزالة التمكين نفسها. وسألت نفسي ماذا لو جعلت لجنة التمكين من مقاطع منه مقدمة ثابتة لمؤتمراتها الدورية. لو فعلت لأفحمت قوماً مكابرين.
بدا لي أن أكثر أداء طاقم موظفي الثورة قائم على أنهم، طالما تمتعوا بالتفويض الثوري بالوثيقة الدستورية، في حل من البذل المر لكسب لا الجمهرة الواسعة من المواطنين لخططهم فحسب، بل كتلة الثوار أنفسهم: ليطمئن قلبهم. وينهض مثل هذا البذل من فوق وعى بأن ثمة ثورة مضادة متربصة أحنت رأسها لعاصفة الثورة لتخرج غليل أثقالها عليها. وبدائية الأداء في شغل الثورة مقتل لها.
IbrahimA@missouri.edu