طبلة صفيح تلقاها الطفل اوسكار كهدية في عيد ميلاده الثالث .. اعتبرها كنزه العزيز، وكان على استعداد لأن يقتل مقابل الحفاظ عليها … عندما سمع والديه يقرران أنه سوف يصبح بقالا … تمنى ان يظل طفلا أو قزما الى الابد حتى لا يلاقى ذلك المصير .. يوما ما ادخلوه فى مستشفى للأمراض العقلية .. بسبب قدراته الخارقة .. اذ كان يصرخ بشدة فيتكسر زجاج النوافذ من حوله .. كان بداخله مشاعر مرتبكة تجمع بين الخوف والغضب والرغبة فى قرع الطبول .. من اجل ذلك انشأ فرقة جاز موسيقية ليمارس هوايته ويفرغ شحناته .. .. يحقق اوسكار شهرة وغنى .. ولكنه فى إحدى جولاته يعثر على أصبع مقطوعة وفيها خاتم، فيعرف أنه إصبع حبيبته السابقة “دوروثا” وأنها قتلت، ثم يدان زوراً بالقتل، ويودع فى مستشفى الأمراض النفسية لمدة عامين حيث يشرع في كتابة مذكراته .. الرواية تترجم حالة الدوشة والاضطراب في اوربا بعد الحرب العالمية الثانية .. هذه القصة ابدعها الروائى الالمانى جونترجراس والحاصل على جائزة نوبل .. كاتب عبقري تمنيت ان اقابله فى زيارة لى الى ألمانيا .. فوجدته يعيش في عزلة شبه تامة فى قرية بعيدة .. وعندما رجوته ان يزور مصر .. تعلل بانه شارف على الثمانين واصبح يحب الهدوء والعزلة.
بعيدا عن الصخب والضوضاء .. كثيرون مثل جونترجراس يحبون العزلة والكمون داخل قوقعة او شرنقة لعله يستطيع اعادة انتاج نفسه .. الروائي اليابانى هاروكى موراكامى له مقولة جميلة بخصوص اعتزال البعض لصخب الحياة اذ يقول: “ليس ثمة من يحب العزلة ، إننا فقط نكره الخيبات” .. عنده حق.. ومن هنا من حقك ان تحمى رأسك وان تعيش أحيانا فى برج عاجى .. فى صومعة .. لكى تتأمل وتنضج وتبدع .. لا تهتم بمن يعشقون الفرقعة والضجة .. هناك حكمة تقول .. البرميل الفارغ عادة يحدث ضجيجا عاليا .. فلا تكترث كثيرا “بالدوشجية” .. دع هذه الجملة اللطيفة ترن بصداها فى دخلك … لا داعى للهتاف ودعونا نعمل فى صمت ..
الصينيون مثلا لا يتحدثون كثيرا وكذلك البدو كل كلامهم فى اطار المختصر المفيد .. المفاجأة هى ان الانطوائية تطال الشخصية الأمريكية ايضا .. فرغم أن أمريكا تصنّف من أكثر البلدان حركة وصوتا حول العالم، إلا أن “سوزان كين” في كتابها “قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام” تؤكد أن نصف الأمريكيين انطوائيون، لكن الناس تتظاهر بخلاف ذلك لئلا توسم بشخصية تعتبر من الدرجة الثانية “لقد قيل لنا إنه أن نكون عظماء يعني أن نكون جريئين، وأن نكون سعداء يعني أن نكون اجتماعيين، إننا نرى أنفسنا كأمة من الانبساطيين، ما يعني أننا فقدنا الاهتمام بمن نكون حقًا”.. روزفلت الرئيس الامريكي كان يعى ذلك جيدا ولذاك قال حكمته الشهيرة ..
تكلم بهدوء وامسك عصا غليظة .. والعلماء يشرحون لنا الفرق بين العزلة والوحدة حيث تشير العزلة إلى السعادة يكون الشخص بمفرده، بينما تشير الوحدة إلي تألمه من كونه بمفرده .. ماذا نفعل نحن اذن ؟ الحل هو ان نكون بين الحالتين هذه وتلك .. لقد قلت شعرا يوما ما .. انت امراة غير نساء الدنيا .. عاقلة جدا .. وبدون لسان .. وانا ثرثار ولسانى ضد الكتمان .. ارايت بانا مختلفان وبانا ضدان جميلان .. ما اروع ان يبقى كل منا ضد الاخر .. ليس جميلا ان يتوحد ضدان … يعنى الدوشة والهدوء . كلاهما يكملان بعضهما بعضا … سيقول لك رجل مثل “ستيفن كوفى “ .. اخرج من الفقاعة .. اخرج من “الكومفورت زون” من الانتخة ومن منطقة الراحة والاسترخاء .. وسوف يقول لك اخرون مثل “سارتر” خليك في البيت .. فالجحيم هو الآخرون .. مقولة صادمة ولكن علاء ولى الدين رددها في فيلم رومانتيكيا بطريقته الظريفة هكذا .. الجحيم هو الآخرون يا زينب. منشورة بالاهرام ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣