أوَّلاً
رغم الحديث المُعاد والمكرور عن وجوب إيلاء الأولويَّة، فقط، للقضيَّة العسكريَّة، بحثاً عن سبيل لوقف إطلاق النَّار، ووقف الحرب، وأن الوقت غير مناسب، إطلاقاً، لطرق أيِّ موضوعات سياسيَّة أخرى، فقد ورد:
(1) في “البيان الختامي”الصَّادر عن اجتماع القوى المدنيَّة الموقِّعة على “الاتِّفاق الاطاري للحريَّة والتَّغيير”، والذي انعقد بأديس أبابا، خلال يومي 14 ـــ 15 أغسطس 2023م، ضمن “مبادئ إنهاء الحروب وتأسيس وإعادة بناء الدَّولة السُّودانية الجَّديدة”، مبدأ “التَّأسيس لنظام حكم مدني ديموقراطي .. يختار فيه الشَّعب من يحكمه عبر انتخابات حرَّة ونزيهة”.
(2) وفي خطاب مالك عقار إير، نائب رئيس مجلس السَّيادة الانتقالي، الذي ألقاه عبر التلفزيون في 16 أغسطس2023م، التَّشديد على أن “طريق الانتخابات التي تقوم على أساس الدُّستور، واختيار الشَّعب السُّوداني لقيادته، يجب ان يكون هو الطَّريق الوحيد لتولِّي مقاعد الحكم، ومسؤوليَّة البلاد”.
(3) هكذا اتَّفق النَّصَّان على:
أ/ آليَّة “الانتخابات”، دون تحديد نوعيَّتها، لاختيار مَن يتولَّى الحكم عقب “الفترة الانتقاليَّة”، في ما هو واضح، بينما جرى تجاهل أيَّة آليَّة للتَّوافق على مَن يتولَّى إدارة “الفترة” ذاتها!
ب/ إغفال الاشارة إلى “الدِّيموقراطيَّة البرلمانيَّة”، باعتبار أنها هي، وحدها، المعرَّفة بـ “الألِف واللام”، في لغة تطوُّرنا السِّياسي، وأنها، بهذا المعنى، ظلَّت هدفاًً دائماًً لشعبنا، لم يكفَّ، يوماً، عن التَّطلُّع إليها، أو المطالبة بها، سواء عبر جميع منازلاته مع الاستعمار الاجنبي، منذ فجر الحركة الوطنيَّة، والاستقلال الأبلج، أو مِن خلال المعارك الملحميَّة ضد الشُّموليَّات، في أكتوبر 1964م، وأبريل 1985م، وديسمبر 2018م، وسائر الانتفاضات، والهبَّات، والتَّعبيرات الاحتجاجيَّة، بمختلف مستوياتها، وما أهرق فيها، على رؤوس الأشهاد، مِن الأرواح الطَّاهرة، والدِّماء الزَّكيَّة، وكلَِّ ما بقي شعبنا يحفر لأجله، بالأظافر، في الصَّخر.
(4) فطلب شعبنا للحرِّيَّة ما كان طلباً لمحض أن يحكم نفسه بنفسه، كيفما اتَّفق، بل، بالأساس، وفي المقام الأوَّل، لنشر مناخات هذه “الدِّيموقراطيَّة” المعرَّفة بـ “الألِف واللام”!
ثانياً
(1) وعلى الرُّغم مِن أن “الانتخابات” هي مِن آليَّات “الدِّيموقراطيَّة” المشهودة، عموماً، فإن مَن يطلبها، مكتفياً بشكليَّاتها، وإجراءاتها، وفنيَّاتها، متوهِّماً أنه يبلغ بذلك ما ينشده الشَّعب، كما تهرِّج بذلك عناصر الثَّورة المضادَّة، فإنَّه لا يخادع، في الحقيقة، إلا نفسه!
(2) المحكُّ، إذن، ليس هو، كما قد يتراءى، خطأ، للوهلة الأولى، وجود أيِّ تناقض بين “الانتخابات” وبين “الدِّيموقراطيَّة”، بل المحكُّ هو ماهيَّة هذه “الانتخابات” التي تتَّسق مع نوعيَّة “الدِّيموقراطيَّة” المنشودة. بمعنى أن المخرج الحقيقي مِن الأزمة التي ما انفكَّت تحتوش حياتنا السِّياسيَّة منذ نيل بلادنا استقلالها عام 1956م، ليس في ممارسة أيِّ “انتخابات” والسَّلام! إذ لو كان الأمر كذلك، لكُنُّا عبرنا ذلك المخرج قبل زهاء السَّبعين عاماً، يوم مارسنا أوَّل “انتخابات” عام 1954م، تطبيقاً لاتِّفاقيَّة “الحكم الذَّاتي وتقرير المصير للسُّودان” عام 1953م، ولما تواترت هبَّاتنا، منذ ذلك التَّاريخ، ثورة بعد ثورة، وانتفاضة إثر أخرى. حيث بقي مطلب شعبنا الثَّابت هو “الانتخابات” القائمة على نموذج “الدِّيمقراطيَّة” المتعاقد عليها، اجتماعيَّاً، أو ما يُصطلح على تسميتها، تحديداً، بـ “الدِّيموقراطيَّة التَّوافقيَّة” التي يكون البرلمان المترتِّب على “انتخـاباتـهـا” هـو، وحده، لا غيره، الأقـرب لإرادة الشَّـــعـب، والأصــدق في التَّعـبـيـر عنـهــا.
(3) وفي تاريخ خبراتنا الانتخابيَّة، منذ أولاها عام 1954م، دروس وعِبَر يجدر استصحابها في المستقبل أيضاً، حيث قام الخبير الهندي، الباكستاني لاحقاً، سوكومار سن، والذي كلِّف بذلك الأمر، بوضع قانون لأولى تلك الخبرات، كان مِن أهمِّ ملامح استجاباته للأوضاع الخاصَّة ببلادنا، مثلاً، بالمفارقة لقواعد “وست منستر”:
أ/ عدم الاقتصار على الدَّوائر الجُّغرافيَّة، بل إضافة دوائر لخرِّيجي المدارس الثَّانويَّة إليها، على الأقلِّ كخطوة ابتدائيَّة، ما جعل لخرِّيج الثَّانوي صوتين: أحدهما للدَّائرة الجُّغرافيَّة، والآخر لدوائر الخرِّيجين المبتدعة؛
ب/ توسيع الدَّائرة الجُغرافيَّة في مناطق الرِّيف، وتضييقها في مناطق الحضر، الوعي، الانتاج الحديث، ضماناً لقدوم عدد أكبر منِن النُّوَّاب مِن الأخيرة؛
ج/ عدم إشراك المواطنين المراحيل في عمليَّة التَّصويت فرادى، وبدلاً مِن ذلك تكوين “كليَّات انتخابيَّة Electoral Colleges” تتولَّى اختيار مَن يصوِّت عن المرحال.
(4) ومِن نافلة القول إننا لسنا بالغي مثل ذلك النَّموذج إلا عبر قانون، كقانون سوكومارسن، يقوم على قاعدة تستجيب لخصوصيَّة تجربتنا السِّياسيَّة. فلئن كان مِن أكثر ما تذُمُّ به الثَّورة المضادَّة تطلعات شعبنا “الدِّيموقراطيَّة”، زوراً وبهتاناً، أنَّها محض استنساخ لنموذج “وست منستر” البريطاني، فإن من أبسط ما يفي للرَّدِّ على هذا التَّخرُّص:
أ/ أن “وست منستر” مؤسَّسة على القاعدة القانونيَّة الانتخابيَّة “صوتٌ واحدٌ لكلِّ شخص One Man One Vote”،
ب/ بينما القاعدة القانونيَّة الانتخابيَّة التي ننشدها، جذريَّاً، والتي سعى سوكومار سن للتَّعبير عنها، تكفل، ليس، فقط، انتخاب نوَّاب في البرلمان، فحسب، بل، وبالأساس، ضمان تمثيل، إن لم يكن تغليب، مَن يتواضع قاموسنا السِّياسي على تسميتهم بـ “القوى الحديثة”!
(5) لذا، من الغفلة بمكان، لدى انتخابات نهاية “الفترة الانتقاليَّة”، عدم توقّع أن تطالب فئات وشرائح طبقيَّة بعينها، كالمهنيِّين، والشَّباب، والنِّساء، ولجان المقاومة، مثلاً، بتخصيص دوائر معيَّنة لهم، كأبرز “القوى الحديثة” الأكثر فاعليَّة في تشرُّب الوعي، ونشره، والأكثر تضحية، وتأثيراً، في تفجير الثَّورات، والإطاحة بالشُّموليَّات، والمستحقين، مِن ثمَّ، للتَّمثيل المخصوص ضمن أيَّة هيئة تشريعيَّة/ رقابيَّة.
(6) ومع أن هذا التَّوقُّع قد يحصد، للوهلة الأولى، بحسب خبرة تاريخيَّة متراكمة، موافقة الكثير حتَّى مِن الأحزاب التَّقليديَّة، إلا أنه سرعان ما يصطدم، في المحكِّ العمليِّ، ومِن واقع نفس هذه الخبرة، بنكوص نفس هذه الأحزاب، وتَّنصُّلها عن هذه الموافقة، جرياً على عادة قديمة مرذولة!
ثالثاً
(1) توفَّرت تلك الخبرة المرتبكة، بالأمس القريب، مِن بين ملابسات انتفاضة إبريل 1985م التي أطاحت بنظام النِّميري الشُّمولي. غير أن الكثير من النَّماذج السَّابقة عليها شهدت بأن ميلاد «القوى الحديثة»، كإرهاص تاريخي ببزوغ الفجر الباكر لتيَّار الاستنارة، سواء في حركة الخرِّيجين، مثلاً، أو الاتِّحادات والجَّمعيَّات الفئويَّة، أو عمليَّات الإنتاج الاقتصادي، أو تسيير دولاب الإدارة الحكوميَّة، جاء، إمَّا ملازماً لميلاد الأحزاب، أو لاحقاً لها، أو سابقاً عليها، ولكن بادِّعاء المباركة المعلنة لمشاركتها، أغلب الأحيان، قبل الانقلاب على تلك المباركة، لاحقاً، إلى نقيضها، بفعل تعارض المصالح الذي يعكسه التَّناقض بين “الحداثة” وبين “النَّزعة التَّقليديَّة”!
(2) وعند وضع أوَّل قانون لانتخابات 1954م في البلاد، بين يدي الحكم الذَّاتي، كان منطقيَّاً التَّعبير عن الدَّفع الحداثي لميلاد ومشاركة تلك القوى. غير أن أقصى محاولة جادَّة على ذلك الصَّعيد، لم تتجاوز تخصيص 5 دوائر لخرِّيجي المدارس الثَّانويَّة. ورغم ضآلة ذلك التَّمثيل فإن الحكومة ما لبثت أن أقدمت، في انتخابات 1956م، على إلغاء تلك الدَّوائر. لكن، لدى تغيُّر ميزان القوى، في انتخابات 1965م، بُعَيْدَ ثورة أكتوبر، أعيد العمل بها، مع زيادة عددها إلى 15 بدلاً من 5، وتخصيصها لخرِّيجي الجَّامعات بدلاً من المدارس الثَّانويَّة.
(3) سوى أن اكتساح الحزب الشِّيوعي لتلك الدَّوائر، ضمن عوامل أخرى، دفع القوى التَّقليديَّة، بقيادة الأخوان المسلمين، إلى حلِّ الحزب، وطرد نوَّابه من الجَّمعيَّة التَّأسيسيَّة، وإلغاء دوائر الخرِّيجين في الانتخابات التَّالية عام 1967م.
(4) أما الخطَّة الأكثر اعترافاً بدور «القوى الحديثة» في المشاركة البرلمانيَّة، فقد كادت ترد، للمفارقة، ضمن القانون الانتخابي الذي اجترحه النِّظام المايوي (1969م ـ 1985م)، بعنوان «تحالف قوى الشَّـعب العاملة: العمَّال ـ المزارعين ـ المثقَّفين ـ الرَّأسماليَّة الوطنيَّة ـ الضُّبَّاط والجُّنود»، لولا العوار الأساسي لتلك الخطَّة، والذي تمثَّل في كون تطبيقها جرى تحت سلطة شُّموليَّة مطلقة!
رابعاً
(1) ولدى انفجار انتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت بتلك السُّلطة، كان نموذج «الخرِّيجين»، في حدِّ ذاته، أضيق من أن يستوعب القوى الفاعلة في قطاعات ومناطق الإنتاج الحديث والتَّنمية كافَّة، مثلما كان نموذج «تحالف قوى الشَّعب العاملة» مقيَّداً، أصلاً، بالتَّغوُّل الشُّمولي، قبل ذلك، على النَّشاط المستقل، بحيث لم يكن من الممكن تجاوز ذلك الواقع إلى ديموقراطيَّة النَّشاط خلال ما لا يزيد عن عام واحد، عقب الإطاحة بالنِّظام الشُّمولي وحتَّى إجراء الانتخابات النِّيابيَّة.
(2) ورغم أن القوى الطَّبقيَّة الغالبة في كلٍّ مِن مجلس الانتفاضة العسكري ومجلس وزرائها تنكَّرت، ليس فقط لحق “القوى الحديثة” في التَّمثيل البرلماني، بل ولمفهوم تلك القوى نفسها، حيث ادَّعت أنها “مصطلح غامض” لا تدري كنهه، أو ما المقصود به. مع ذلك فإن قوَّة المطلب أرغمت القوى التَّقليديَّة، ومن ورائها مجلس سوار الدَّهب العسكري الانتقالي، إلى «تمرير» خيار «الخرِّيجين»، على الأقل، وإن بضمان تجييره لمصلحة «القوى التَّقليديَّة»:
أ/ ففي بداية عام تلك الفترة الانتقاليَّة (1985م ـ 1986م)، لم يكن ثمَّة خلاف يذكر، في الظَّاهر، بين النقابيِّين والمهنيِّين، من جهة، وبين الأحزاب السِّياسيَّة، من جهة أخرى، حول «مبدأ» مشاركة «القوى الحديثة» في الانتخابات.
ب/ لذا، عند إعداد قانون الانتخابات، شكّل مجلس الوزراء لجنة وزاريَّة عهد إليها باستطلاع آراء الاحزاب والقوى السِّياسيَّة المختلفة حول تمثيل تلك «القوى الحديثة»، فعملت اللجنة على حصر موضوعات تلك الآراء، وعلى رأسها كيفيَّة تمثيل «القوى الحديثة».
ج/ وطوال أربعة أشهر اجتمعت اللجنة بكل الأحزاب، والنقابات، والتَّنظيمات، ورفعت تقريرها إلى مجلس الوزراء الذي ناقشه، وأجازه، ثم رفعه إلى المجلس العسكري لتحديد موعد لاجتماع مشترك بين المجلسين لإصدار قانون الانتخابات وفقه.
د/ لكن مجلس الوزراء بدا كمن فوجئ، لدهشته، بأن المجلس العسكري قرَّر، بدلاً من ذلك، تكوين لجنة سياسيَّة أخرى، من داخله، تقوم بإجراء «المزيد!» من استطلاعات الرأي بين الأحزاب، والنقابات، والتَّنظيمات، دون أن يفصح عن دوافعه الحقيقيَّة لذلك!
هـ/ وفي المستوى الشَّخصي، إن جازت لي الاستعانة بالتَّجارب الشَّخصيَّة، أذكر أنني كُلِّفت، مع المرحوم الزَّميل الطَّيِّب ابو جديري، بإبلاغ رأي الحزب الشِّيوعي إلى “لجنة المجلس العسكري السِّياسيَّة”، وكانت برئاسة اللواء أركان حرب/ عثمان الأمين، وتجتمع بمقر “المجلس الوطني بأم درمان”. وعندما احتدم الخلاف بيننا وبينهم، لإنكارهم المعرفة بأيِّة دلالة لمصطلح “القوى الحديثة”، اضطررت لأن أستدعي لهم، للمفارقة، خبرة الانتخابات المايويَّة مع “قوى الشَّعب العاملة”، لكن بعد تنبيههم، بطبيعة الحال، إلى الطبيعة الشُّموليَّة لتلك الخبرة، والفارق المائز بينها وبين مطلب تمثيل “القوى الحديثة” في نظام انتخابي ديموقراطي، ففوجئوا .. أو هكذا زعموا! ومع ذلك أصرُّوا على موقفهم!
خامساً
(1) إذن، وبقدر ما يصحُّ توقُّع ألا تتخلَّى «القوى الحديثة» عن حقِّها بالمشاركة في اتِّخاذ القرار السِّياسي، تشريعاً ورقابة، يصحُّ، أيضاً، توقُّع ألا يتخلَّى تحالف القوى التَّقليديَّة عن مناوأته لذلك الحق! لذا، فإن ألزم ما يلزم «القوى الحديثة» هو ألا تركن لتلك الخطَّة القديمة التي أثبتت عدم جدواها، حيث لا تبلغ، في كلِّ مرَّة، أبعد من «دوائر الخرِّيجين»، وأن تتحوَّل، منذ الآن، نحو خطَّة أقوى مضاءً، تتمثَّل في المطالبة بغرفتين two chambers، خصوصاً لبرلمان ما بعد المرحلة الانتقاليَّة، إحداهما للدَّوائر الجُّغرافيَّة، والأخرى لـ «القوى الحديثة»، بحيث لا تحسم القرارات إلا بالتَّصويت عليها في المجلسين. ويقتضي ذلك حملة ضارية، لا للتَّوافق، فحسب، بشأن قانون للانتخابات على هذا النَّحو، وإنما لتضمين الأمر كي تتمَّ مناقشته، وإقراره، قبل ذلك، داخل «المؤتمر الدُّستوري» المزمع عقده قبل نهاية المرحـلة الانتقاليَّة.
(2) أخيراً، استطراداً، ولأغراض التَّمييز بين البرلمان بنظام “الغرفة الواحدة”، والبرلمان بنظام “الغرفتين”، نذكر أن الأوَّل:
أ/ هو نظام المجلس التَّشريعي/الرَّقابي الواحد المعتاد، حيث لا ضرورة لتعدُّد المجالس. ومن الدُّول التي تتَّبع هذا النِّظام في المستوى العربي: مصر، والعراق، ولبنان، وتونس؛ وفي المستوى العالمي: السُّويد، وإيطاليا، واليابان، وتركيا، وأوكرانيا.
ب/ يتمُّ إنشاء المجلس الواحد إمَّا بتأسيسه، منذ البداية، على هذا النَّحو، أو بإلغاء أحد المجلسين،لاحقاً، إنْ تبيَّن ألا ضرورة لوجودهما معاً، أو بدمج المجلسين في واحد كما هو الحال في السُّويد مثلاً.
ج/ وتتلخَّص ميزة البرلمان بنظام “الغرفة الواحدة” في انخفاض كلفته، وبساطة إجراءاته، بالإضافة إلى سهولة إصدار التَّشريعات والقرارات فيه. أمَّا ضعفه الأساسي، فضلاً عن احتمال أن تكون قطاعات اجتماعيَّة مهمَّة غير ممثلة فيه بمستوى كافٍ، فيكمن في الإغواء الذي قد يتملَّك الأغلبيَّة داخله، بحيث تنحو للتَّعويل على ميكانيكيَّة قوَّتها في تمرير التَّشريعات والقرارات، خاصَّة وهي تدرك هيمنتها على السُّلطة التَّنفيذيَّة!
(3) أمَّا نظام الغرفتين، أو ما يُعرف، أيضاً، بالنِّظام التَّشريعي الثُّنائي:
أ/ فيكون، عادة، في الدُّول التي تقتضي “ضَّرورة الطَّبيعة الخاصَّة” أن تُمثَّل في برلماناتها قطاعات اجتماعيَّة، أو مصالح طبقيَّة، أو إثنيَّة، أو جهويَّة متعدِّدة ومتنوِّعة،
ب/ ويتطلَّب تمرير أيِّ تشريع، أو قرار رقابي، وفق هذا النِّظام، موافقة متزامنة من أغلبيَّة الغرفتين/المجلسين، الأعلى والأدنى، بنسب متساوية، حيث يطلق على هذه النِّسب «الثُّنائيَّة المثاليَّة»، ج/ ويلاحَظ أن أقلَّ من نصف برلمانات العالم، اعتباراً من 2015م، تتَّبع هذا النِّظام، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة، والمملكة المتَّحدة، ونيوزيلندا، والدَّنمارك، على سبيل المثال.
kgizouli@gmail.com