بدلا من السؤال البديهي، الذي يطرحه اكتمال ستة اشهر على بدء الحرب، اليوم،وفي غياب اية ارهاصات لسلام وشيك، من الممكن فعل العكس،بالتساؤل عما اذا كانت الحرب ستستمر ستة اشهر اخرى،ليحول عليها الحول؟ الامر الذي قد يساعد ،كفرضية ،في معاينة واعادة فحص العوامل المرجحة لاحتمال استمرار الحرب، وتطاولها في الزمان،والتي يمكن اجمال اهمها في الاتي:-
*غياب ارادة السلام لدى طرفي الحرب ،وتباعد احتمالات الحسم العسكري للنزاع من قبل اي من الطرفين.
*فشل الوساطات الاقليمية والدولية ،حتى الان ،في تصميم مشروع مقبول لوقف الحرب وانهاء العدائيات.
*ضعف الضغوط الداخلية والخارجية ،ما اكسب طرفي الحرب مناعة ضدها،واوجد، بالمقابل، حالة من التعايش مع الحرب كامر واقع . فمع تراجع النشاط السلمي المدني المعارض، بتمدد الاقتتال في كل الساحات، التي ظلت تشغلها قوى الجبهة المناهضة للحرب، وفي مقدمتها لجان المقاومة والقوى الديموقراطية الاخرى،فان خروج غالب قيادات القوى السياسية والمدنية من البلاد ،وانتقال مركز النشاط المناهض للحرب وللانقلاب ،للخارج ،قد ادى الى ترجيح احتمال الرهان على التسويات والحلول الخارجية،
*انحسار احتمال تهديد الوضع السوداني،للامن والسلم الدوليين،وللامن القومي الامريكي ،خاصة، وتلاشي احتمالات اضراره بمصالح دول الاقليم،ومن ثم ايلولته الى حرب منسية شان الحروب والنزاعات المنخغضة الدرجة،في الكنغو الديموقراطية وافريقيا الوسطى والصومال واليمن،من جهة. ومن الجهة الاخرى، بدا المجتمع الدولى اقل حساسية تجاه المأساة الانسانية، التي خلفتها، وتخلفها الحرب يوميا،فيما بدا المجتمع السوداني ينزع للتعايش والتكيف مع واقع الحرب كقدر مسطور.
- وفي ظل توقف المفاوضات، بين طرفي الحرب في منبر جدة ،مباشرة وغير مباشرة ،منذ نهاية يوليو الماضي،تظل الحرب،وما يرتبط بها من معاناة انسانية، هي الواقع الذي يفرض نفسه،وهي الحقيقة الوحيدة في هذا الواقع. لا يغير من ذلك، اهم حدثين في مجرى الحرب،وقعا في الشهر الماضي :
اولهما ،خروج الجنرال عبدالفتاح البرهان من القيادة المحاصرة،ومع اهمية الحدث في حد ذاته، فانه لم يظهر له اي اثر في صيرورة الحرب وتطوراتها. خصوصا لجهة الدفع باتجاه انهاء الحرب. اذ ان خروج البرهان،بحسب الاتحاد الافريقي،قد تم بتوافق اقليمي ودولي، لذات الغرض.
وثانيهما ،هو فرض عقوبات امريكية على امين عام الحركة الاسلامية ( كيان غير المؤتمر الوطني المحلول، فهي سوبر تنظيم يضم قيادات الاسلاميين، ،ومع انه كتنظيم غير شرعي،غير مسجل بموجب اي من القوانين التي تنظم التوالي السياسي وغير السياسي،الا انه ظل يعتاش على موارد الدولة.) ففي مقابل شركتين تتبعان لقوات الدعم السريع ،طالتهما العقوبة ، اختارت الخزانة الامريكية على كرتي ،من معسكر البرهان ،هدفا لها، ما يسلط الضوء على دور الحركة الاسلامية في التطورات التي ظلت تشهدها البلاد،وفي علاقتها بقيادة الجيش ،ممثلة في الجنرال البرهان.
ومع ذلك ثمة ضوء في نهاية نفق الازمة السودانية يتمثل في مبادرات المجتمع المدني والقيادات الاهلية بالجنينة ،بلد ابو ،والتي لم تنقطع، رغم عنف الاقتتال وتعدد جولاته واطرافه ،وما خلفه من خسائر بشرية ومآس.فالمجتمع المدني ،في الجنينة،لازال يقدم نموذجا للمثابرة والتصميم الدءوب على مغالبة الحرب وظروفها وتداعياتها،وفض النزاعات وفك الاشتباك بين الاطراف المتحاربة ،وانهاء العدائيات وترسيخ السلام والتعايش بين مكونات الجنينة وولاية غرب دارفور،وهو ما يحفز القوى المدنية في بقية مدن وولايات البلاد لاستعادة زمام المبادرة لاعلاء صوت السلام ونبذ الحرب.