جاء العوار لدعوة وقف الحرب لما خلت من الشوكة بالانغماس في سياسات ضحايا الحرب وسياساتهم ميدانياً، من جهتين، فمن جهة أفرغت ملكاتها ووقتها في الحجاج مع الإسلاميين، فما ذكرتهم إلا قلبت صفحات تظلمها منهم لعقود خلال الإنقاذ وقبل الإنقاذ، ويبلغ اجترار هذا التظلم من الإسلاميين حداً يدفع المرء للتساؤل عن متى سيتصالحون مع حقيقة أنهم (أي قحت) هزموهم لخمس سنوات مضت هزيمة نكراء.
تقتضي الشفافية من “قحت”، متى اشتكوا مر الشكوى من عودة الإسلاميين للميدان السياسي، أن يتحلوا بالنفس اللوامة، فعودة الإسلاميين بالقوة التي ينسبونها لهم حتى حملوا الجيش ليشعل هذه الحرب تعليق سلبي كبير على أنهم لم يحسنوا إلى ثورتهم.
والعوار الآخر جاء لقحت من حس كثير من الناس أنها جانحة لـ”الدعم السريع” سراً في حين يقف الإسلاميون مع القوات المسلحة جهرة. فهي و”الدعم السريع” متطابقان في تحميل الفلول وزر بدء الحرب لاستعادة حكم دولة الإنقاذ التي أطاحتها ثورة 2018. ومن “قحت” من يرى الجيش طرفاً أصيلاً في بدء الحرب، وهناك من يراه منجراً بلا إرادة بالإسلاميين، وخلافاً لما يقول الإسلاميون عن “قحت” فهو تطابق في الرأي خلا بالتأكيد من التدبير المسبق، لكن تصادف أنهما معاً تخاصما مع الجيش والإسلاميين كل في توقيته الخاص.
خصومة قوى الحرية والتغيير وأسلافها معهما في الساحة السياسة تاريخية بينما استجد “الدعم السريع” عليها، فبدا للأسماع أن عبارة أحدهم هي الصدى للآخر، فإذا استنفر الجيش الشباب للتدريب لحماية أحياءه ومدنه قالا في الوقت نفسه إن هذا مما سيقود للحرب الأهلية لأنه تجييش عرقي يؤلب شباب الشمال على “الدعم السريع” الذي كثيرة من مناطق الغرب. وكأن الحرب تنتظر لا تزال أن تكون حرباً أهلية. وإذا قال الفريق عبدالفتاح البرهان إنه سيقيم حكومة أمر واقع في بورتسودان لتصريف أعمال الدولة قالا إن تلك دعوة لقسمة البلاد كما في ليبيا.
وإذا خرج الفريق البرهان كما فعل أخيراً من الخرطوم قالا ترك “بدرومه” (نفس الكلمة) وهرب من المعركة، وعليه يصعب على المرء ألا يشتبه في جنوح “قحت” لـ”الدعم السريع” طالما كان صوت أحدهم المحكي والآخر الصدى في قول المتنبي.
ومن أوضح مظاهر ضعف شوكة “قحت” في دعوتها إلى وقف الحرب أنها تكاد تكون منقطعة الصلة بالطرفين المتحاربين ورموزهما، وهما من لا يحرص طالب وقف الحرب على شيء مثل أن تكون طرقه لمثلهما لاحبة.
قد لا يستغرب المرء انبتات علاقة “قحت” مع القوات المسلحة المتهمة عندها بإشعال حرب عبثية، لكن تعز الإجابة عن سبب انقطاعها عن “الدعم السريع” الذي لا تزال تثق في ولائه لاتفاقهما الإطاري، فكشف لقاء قريب لياسر عرمان، القيادي بـ”قحت”، مع قناة “الجزيرة” أن صلتهم بـ”الدعم السريع” غير سالكة، كما يتوقع المرء منهما:
- هل تحدثت أنت شخصياً أو أحد قيادات الحرية والتغيير بصورة مباشرة مع الفريق البرهان أو الفريق حميدتي؟
- نعم. تم حديث معهم ومع عبدالرحيم (دقلو) ومع (شمس الدين) كباشي.
- هل أنت شخصياً تكلمت مع الفريق البرهان أو الفريق حميدتي؟ ومتى كان؟
-لا. لم تتح لي الفرصة. ولكني مستعد للحديث إليهما لإنهاء الحرب. - أنت قلت لي هناك من قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي من تواصل مع الفريق البرهان والفريق حميدتي. من منكم تواصل معهم بشكل مباشر؟
- هناك لجنة محددة من قوى الحرية والتغيير لا أعتقد أنه من المفيد الآن، ومن السابق لأوانه، أن أذكر أسماءها لأنها يجب أن تتحدث هي عن نفسها. وستتحدث يوماً ما. نحن لا نريد كتابة التاريخ، ولكن نريد إنهاء الحرب.
- ولكن في الأقل وصل لك فحوى الاتصالات. ماذا عرض البرهان وحميدتي عليكم حين تحدثتم إليهما.
- طبعاً الحديث يدور حول إنهاء هذه الحرب بشكل مشرف في جميع السودان.
- حينما تحدثتم إلى الفريق حميدتي، هل حدثتموه عن اغتصاب يشار إليه ومسؤولة عنه قوات “الدعم السريع” كما جاء في بعض التقارير الدولية. هل حدثتموه عن احتلال منازل الناس وعن التهجير الذي حدث لآلاف السودانيين، بل ملايين؟
-الحديث الذي قمنا به بالتفصيل كان مع وفد “الدعم السريع” (في مفاوضات جدة؟) عن الاغتصابات، عن انتهاكات حقوق الإنسان، وعن الانتهاكات التي قامت بها القوات المسلحة. وكان حديثاً واضحاً. وكانت لديهم رغبة في الخروج من الحرب، وفي وقف العدائيات، وفي معالجة القضايا الإنسانية. - كلام “الدعم السريع” غير منطقي. يقولون ليل نهار إنهم يريدون السلام، ولكن لا يتفق قولهم مع ما يحدث على الأرض. الانتهاكات لا تزال متواصلة. هل حدثتم وفد “الدعم السريع” بهذا الأمر؟
- تحدثنا معهم وناقشناهم. وأنت أيضاً حاورتهم وأجهزة الإعلام حاورتهم. وهذا ليس بسر. أنا شاركت في مفاوضات سلام عديدة، وحضرت حروباً هذه هي الثالثة. الحرب الأولى كنا مع الدكتور قرنق لأكثر من 20 عاماً. وانتهت الحرب باتفاق سلام، ثم أيضاً اتفاق سلام جوبا في 2020. وهذه الحرب الثالثة. خبرتنا تقول إن حركات أقل من “الدعم السريع” لا يمكن القضاء عليها. ولذلك سيكون “الدعم السريع” قوة موجودة يجب التعامل معها ويجب الوصول إلى حلول لأزمة السودان على أساس برنامج وليس العودة إلى النظام القديم.
تجمل ياسر في هذا الحوار وإن لم تفت على المستمع حقيقة عدم وجود صلة مؤسسية بين “قحت” و”الدعم السريع” بعد نصف عام من الحرب. وهي الصلة التي لا غنى عنها لداعية لوقف الحرب لأنها تأذن لهما، ضمن أشياء أخرى، مدارسة مسألة تصعيد الحرب التي أثارتها السيطرة على ود عشانا مما أشفق بريطانيا على مهجري الخرطوم فيما بين النهرين في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة.
IbrahimA@missouri.edu