رغم ان عيالي ولله الحمد دخلوا الحياة العملية، إلا أنني أعقد اجتماعات مع نفسي بين الحين والآخر لمساءلتها: اين فشلت وأين نجحت في تنشئهم، وهل يعتبرونني أبا سيئا ام طيبا ام نص، نص؟ واعترف في تلك الجلسات بأنني مثل معظم الآباء والأمهات ربما أكون قد ظلمت الطفل الأول، ويقع الظلم على الطفل الأول لأن الوالدين يكونان بلا خبرة في التربية، فإما أن يمارسا تدليعه ع الآخر، وفي هذا ظلم له، وأما كان هناك تقصير في أمر من الأمور التي كانت تخصه في مراحل النمو الأولى، وشخصيا كنت أحس بأنني مظلوم في بيتنا، لأنني في الوسط بين ستة أشقاء، و”الوسطاني” في العيال كما لاعب خط الوسط في كرة القدم الذي يسند الدفاع ويغذي المهاجمين بالكرات المقشرة، ويحرز مهاجم الهدف من هدية تلقاها من لاعب خط الوسط، فينهال عليه الثناء والجوائز، وكنت في البيت ولسنوات طويلة “صبي المراسيل” ولا كلمة لي فوق كلمة أختي حفصة وأخي عابدين
وأسأل نفسي كثيرا وأنا متمسك بمعظم أساليب التربية المتوارثة عن الآباء والأجداد: هل أنا اب ديمقراطي ام ديكتاتوري ام بين بين، ابي لم يكن ديكتاتوريا، ولم يضربني في حياتي سوى ضربة واحدة، مرة واحدة، وكان يكفي ان أرى شنبه الجورسيه يرتجف كي ادرك أنه غاضب فأقوم بتصحيح خطئي أو أزوغ من البيت الى حين يهدأ، أما أمي آمنة، فقد كانت ديمقراطية أحيانا وتسمح لنا بمناكفتها، وعنيفة أحيانا وتستخدم سلاح الشبشب او سير المحفظة، واليوم اثنان من عيالي ينادونني أبو الجعافر، ولكن ليس أمام الضيوف، ومروة في صغرها “نجضتني”، وإذا نادتني “جعفر عباس” كنت أعرف أن ذلك مشروع “شكلة”، أما اذا كان لديها طلب قابل للرفض فقد كانت تناديني “جعفر عباس سيد الناس”، وإذا رفضت الطلب متعللا ب”ما عندي فلوس”، التفتت الى أمها متسائلة: ليه ما تزوجتِ واحد غني؟ وذات مرة كنت قد رفضت ان اشتري لها “كريم” معين، فوقفت امام المرآة ثم صاحت في أمها: ليه تزوجتِ الراجل الأسود دا؟ ويبدو انها اكتشفت في تلك اللحظة انها سمراء “زيادة عن اللزوم”، ولم اغضب لتساؤلها ذلك ولكن رد أمها جاء صاعقا لي: لما أبوكِ تقدم لي أهلي ما حبو يكسروا خاطره، واللي كان كان.. يا بتي نصبر ونحتسب (مع إن معلوماتي تشير الى أنها كتبتني ببخرات من النيجر ومالي)
اعتقد ان ظروفا كثيرة جعلتنا كآباء وأمهات أكثر ديمقراطية و”مرونة” مع عيالنا، وأتباهى امام عيالي كي يحسوا بالذنب والتقصير بأنني أعرف استخدام الإبرة لترقيع الفتق في الملابس، ومارست كي الملابس بمكواة الفحم، وحلب الغنم، واستخدام المسطرين ل”تلييس” الجدران قبل الخريف، فيستمعون الى دون كثير مبالاة، ثم وفي ذات يوم او لحظة أنادي واحدا منهم: تعال شوف تلفوني دا ملخبط مالو. فيقول على الفور: أكيد الملخبط ما التلفون، فأقول له: لحسن حظك ما عندي شنب عباس سيد احمد، عشان ما تشوف وتحس برجفة تزلزل كيانك
حفظكم الله وعيالكم أيها المتزوجون، و”كفارة” للعزاب لأن عزوبيتهم ستطول و”شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم”، (ولحسن حظكم فهذا حديث ضعيف)