مرّت ستة شهور على الحرب اللعينة، وما زال مشعلوها يتمترسون في مواقفهم، وأياديهم على فوهة البندقية، يوجهونها إلى صدور الشعب الأعزل، ومعاول هدمهم تعمل في البنى التحتية المهترئة أساساً، وفي بيوت المساكين، الذين دفعوا سنين حياتهم من أجل أقامتها.
ولا يزال الموتورون يتهمون كل من يقول “لا للحرب” بالعمالة وعدم الوطنية، فما الحل في رأيهم، إذا كانت الأيام تثبت أنه لا مجال للحسم بالشكل الذين يريدون.
وهناك قصر نظر من هؤلاء حين يصرون على أن تدين القوى السياسية الدعم السريع، ويلصقون به كل مصائب الحرب وأدرانها، وهذه الرؤية قاصرة؛ لأن أي موقف جازم كهذا يخرج القوى السياسية من المشهد، ويجعلها غير قادرة على أداء أي دور سياسي مستقبلاً بشأن هذه الحرب العبثية.
والمنطق يقول إن انتهاكات الدعم السريع وخروقات منتسبيه لا تحتاج إلى شهادة من أحد، فهي واضحة للعيان، وتأثر بها الجميع، وهي بالتأكيد موجبة للمحاكمة والإدانة لا من السودانيين فحسب، وإنما من المنظمات المتخصصة في المجتمع الدولي المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان، ومحاربة جرائم الحرب.
ومن قصر النظر الادعاء أن قوى الحرية والتغيير يمكن أن تكون الظهير السياسي للدعم السريع؛ لأن هذا ببساطة يعني أن هذا التحالف السياسي، بمكوناته ذات الإرث في العمل السياسي، أو قواه الحديثة التي لها منظورها المتقدم لا يمكن أن تقع في خطأ إستراتيجي قاتل كهذا، ومن ثم، لا معنى لاتهام فطير، لا يصمد أمام التحليل الواعي للموقف.
وفي إطار تحليل الوضع السياسي، أعجبني حوار سعد الكابلي مع الدكتور الوليد مادبو الذي وضع تحليلاً جيداً من وجهة نظره، ولكن أعيب عليه إصراره على أن يضع والده آدم مادبو في موقف متفرد على مستوي الفكر والممارسة، وأظن الرجل أدى ما عليه، والتاريخ كفيل بالحكم عليه، فلا داع لهذا الانحياز الذي ينال من مصداقية باحث جاد مثل الوليد.
كما استغربت تأييده لقرارات البرهان الانقلابية في 25 أكتوبر، وتبريره أنه كان يظن أنها تهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة، وأعتقد أن موقفه من الحرية والتغيير أفقده موضوعيته، وجعله ينحاز لقرار فيه فوقية واضحة، وانقلاب على وثيقة حاكمة بين الطرفين المدني والعسكري.
وهاتان الملاحظتان توضحان مقدار الأزمة التي نحن فيها، وهي انعدام الموضوعية في التحليل والنظر للأمور، وغلبة القبلية والجهوية والأسرية على حكمنا، وتجنينا على التحول الديمقراطي الذي أساسه الأحزاب، لاتفاق معظمنا على شيطنته.