• هذه الحربُ الجاريةُ الآن بين (الدعم السريع) من جهة (والكيزان الذين يجرُّون الجيش من أُذنيهِ) من جهةٍ أخرى ليس هناك فرق بينها وبين حرب الجنوب الأولى أو الثانية، اللتين أدتا إلى انفصاله في النهاية سوى أن هذه بدأت في الخرطوم مباشرةً وتمددت إلى الأقاليم، وحربا الجنوب بدأتا في الأقاليم ولم تصلا إلى الخرطوم أبداً حتى أفضتا إلى الإنفصال !!
• وهذه الحرب لا تختلف كثيراً، من حيث المسببات، عن كل التمردات الطرفية الأخرى، التي عايشناها جميعاً، كتمرد عبدالعزيز الحلو بجبال النوبة الطرفية، وكتمرد مالك عقار بالأنقسنا، وتمرد فصيل رياك مشار بالجنوب قبل الإنفصال، وتمرد مناوي وخليل إبراهيم بدار فور..كلها تمردات على الجيش السوداني إنتهت بتفاوضات، في كل حال، بغض النظر عن نتائج تلك المفاوضات!!
• الكيزان الذين هم الآن بالجيش وطوابيرهم خارج الجيش يُصِرون على وصف الحرب الدائرة الآن (بالتمرد على الدولة وعلى جيشها) الذي يقودونه، ويقولون إنَّ حلها أن يبيدوا (الجنجويد) عن بكرة أبيهم بالخرطوم، ثم يزحفوا على الأقاليم الأخرى لإبادتهم وإراحة شعب السودان منهم، ولكن من تجربة الستة أشهر الماضية، ومع تسلل قادة الجيش لِواذاً من الخرطوم، يبدو هذا الحلُّ كذوباً وتهريجاً معتاداً (وخماً للناس) لا غير..فإنهم -أي الكيزان- في حرب الجنوب (الجهادية) كانوا يقولون نفس الشئ حتى فصلوا الجنوب في النهاية، وصوروا ذلك إنجازاً وإنتصاراً، فنحروا الذبائح وإبتهجوا أيما إبتهاج،
وهذه عادتهم، يصرخون (ويتنبرون) ويشحنون أذهان الناس بآلتهم الإعلامية الجبارة، بأحلام الإنتصار، ثم في النهايةِ يفاوضون!!
• ومن الفهم القاصر وصف حرب الكيزان مع الدعم السريع الراهنة بأنها تمردٌ وحسب، وأنه سيتم حسمه بالخرطوم وبالأقاليم، وأن الأمر سينتهي بذلك !
فهذه الحرب، كغيرها من حروبنا الأخريات، هي إحدى تبديات الفشل المتوارث لحل إشكالية كيف يُحكم السودان، وما (إستيلاد) الدعم السريع نفسِه، كجسمٍ شبه عسكري، إلا إحد تبديات هذا الفشل المتطاول..فشلٌ لعدم وجود دولةٍ ناضجة، وفشلٌ في الرؤية الناضجة للقوات المسلحة الوطنية، ودورها في الدولة الوطنية !!
وحربُ الجنوب كانت واحدةً من أوجه الفشل المتطاول.. فشلٌ في عدم وجود الفهم الصحيح لإدارة الدولة، وتنوعها وتحسس ومقاربة مطالب شعوبِها !!
وإبادات دار فور المريرة هي واحدةٌ من أبشع تبديات الفشل المتطاول في إدارة التنوع والدولة، وهي فشلٌ لوجود فهمٍ متخلف ومُريع لدور القوات المسلحة الوطنية كما قلنا، أدى إلى (بروز) أجسام عسكرية خطيرة، موازية أو معادية للقوات المسلحة !!
• إنَّ الفهم الصحيح لهذه الحرب، والتي ربما لا تكون الآخيرة، هو أنها تمظهرٌ من تمظهرات مشكلة كبيرة قديمة، وهي النمو المشوَّه للدولة الوطنية السودانية، وعجزها -من ثم- عن قيادة البلاد إلى فهم متواضَع عليه بين شعوبها لكيفية حُكم البلاد، وإدارة تنوعها، بدستور محترم متواضَع عليه، تقدسه الدولة ومؤسساتها بلا إستثناء..
• إننا عندما ندعو إلى (توقيف) هذه الحرب، وفوراً، ليس لأن توقيفها هو معالجةٌ لجذورها، وإنما لأنه إستنقاذٌ فقط لبقايا الدولة، ولمقدرات الأمة، وحقناً لدماء أبنائها في هذا الراهن..وأما معالجة جذورها الآن، وقبل إيقاف الحرب، كما يقول (البلابسة) المستهبلون، فلا الدولةُ (المتبقية) التي يقودها الكيزان الآن قادرةٌ على ذلك، ولا هي مقبولةٌ لهذا الدور بالأصالة!!
• إننا يجب أن نعمل إلى إيقاف هذا الدمار الماحق أولاً، وفوراً، وبأعجل ما تيسر، ثم نتداعى، لا تحت دوي البنادق، ونجلس معاً لوضع الفهم المشترك لإدارة دولتِنا، ثم لإدارتها فعلاً به بعد ذلك، وهذا هو الفرق بيننا وبين (بلابسة) قروبات الواتساب والأسافير !!!