جاء في بيان رسمي أن الجيش السوداني أعلن اليوم (25 أكتوبر 2023م) قبول دعوة للسفر إلى جدة السعودية لاستكمال المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الصراع المستمر منذ عدة أشهر.
وهذا أمر كان متوقعاً، لأن حسم الحرب بالضربة القاضية يبدو بعيداً، كما أن استمرار الحرب نتائجه كارثية في ظل النزوح واللجوء اللذين يلازمان الشعب السوداني، فلم تنج أسرة من هذا الوضع، حتى أولئك الذين يعيشون في مناطق آمنة يعانون الأمرين، بسبب العبء الذي يشكله النازحون، والضغوط المادية الشديدة في ظل انفلات الأسعار، وحالة (اللادولة) التي تعيشها كل ولايات السودان بلا استثناء.
أدّت الحرب إلى إفقار الشعب السوداني، فأهل الصناعة فقدوا مصانعهم، والمزارعون لا معين لهم على ملاحقة الموسم الزراعي، والموظفون يعيشون بلا رواتب، والنازحون لا مأوى ولا مال، ولا مرافق وخدمات تلبي احتياجاتهم.
ألة الحرب تحصد أرواح المدنيين في مناطق الحرب، والبيوت تنهار على ساكنيها، والميليشيا تعيث في الأرض فساداً، وتستبيح الأرواح والأعراض والأموال، ولم ينج بيت من مظاهر النهب والسلب، بل التخريب المعبر عن نفسية مأزومة، وحقد دفين.
في ظل هذه الأوضاع ارتفعت الأصوات العاقلة تنادي بإيقاف الحرب، وتحمل أصحاب هذه الدعوة الاتهام بعدم الوطنية، والتشكيك في انتمائهم وولائهم لبلدهم، ولكن هذه الأصوات استطاعت اختراق جدران الصمت، ونجحت في تجاوز دعاة الحرب، وكشف أهدافهم الخبيثة المتمثلة في بلوغ السلطة بأي ثمن، حتى لو كان دمار البلد، ومنهم من نادى علانية بأهمية القضاء على الأخضر واليابس، والبدء من نقطة الصفر.
وبدأ الداعون إلى السلم خطواتهم في الاصطفاف من خلال منابر ومبادرات، منها وحدة القوى المدنية، ومبادرة سودانيي المهجر لإيقاف الحرب، وغيرهما من المبادرات التي تنادي بالحل السلمي الذي يحقن الدماء، ويعيد الاستقرار.
وقد رجح كثيرون المبادرة السعودية الأمريكية على سواها، بسبب وجود تحفظات على المبادرات الأخرى، بسبب عدم ثقة أحد طرفي الصراع في الجهة التي تتبنى المبادرة، أو لوجود مواقف تؤكد عدم حياديتها، وخصوصاً أن أغلب الدول المشاركة في المبادرات هي دول حدودية لديها علاقات متشابكة ومصالح متقاطعة مع السودان، وهذا ما يجعل الغرض حاضراً في كثير من الأحيان في مبادراتها.
أما المملكة العربية السعودية فتتمتع بمصداقية عالية لدى أغلب قطاعات الشعب السوداني وقواه الحية، ولديها رصيد وافر من المواقف الإيجابية، التي تعبر عن تغليبها مصلحة السودان، وحرصها على مد أياديها بيضاء في كثير من الأزمات وأوقات الضيق التي تظهر الدول والشعوب على حقيقتها.
والولايات المتحدة لاعب رئيس في المشهد السياسي العالمي على الرغم من مواقفها السلبية نحو كثير من القضايا العربية، ولكن العلاقة معها تنبني على المصلحة المشتركة، والوضع السوداني يثير مخاوفها، ويجعلها تخشى من انزلاقه إلى حد لا يمكنها من المحافظة على مصالحها، إلى جانب امتلاكها قدرات الضغط على طرفي الحرب.
ويتطلب الجلوس على طاولة المفاوضات من الجانبين التحلّي بالحكمة، وتغليب المصلحة الوطنية، ولا مراء أن أي مواطن سوداني يحرص بشدة على أن تأتي النتائج على النحو الذي لا يمس هيبة الجيش السوداني، مع أهمية رفض أي تعددية في الأجهزة الأمنية، ومعالجة التجاوزات التي جرت في الأشهر الماضية، والتي لا شك أنها مرصودة من الجهات الوطنية والإقليمية والدولية ذات الاختصاص.
والأهم أن يكمل هذا المنبر مهمته ويعمل على إعادة الأمور إلى نصابها باستئناف مسار لانتقال الديمقراطي، وإقامة الدولة المدنية التي تمثل العلاج الناجع لأوجاع السودان، الملازمة له منذ الاستقلال، حتى أدخلته الحرب غرفة الإنعاش، في انتكاسة لثورة عظيمة نادت بالحرية والسلام والعدالة.