رحب د. عبد المحمود أبو، الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار بقرار العودة للمفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم.
وأكد أبو في رسالة وجهها للمتفاوضين في جدة على أن قرار العودة للمفاوضات هو القرار الأصوب، مشيرا إلى أن الحرب الحالية الخاسر فيها أولا وأخيرا الوطن.
وأضاف القتلى من الطرفين مواطنون سودانيون، وأي يوم تستمر فيه الحرب تتضاعف فيه الخسائر، وتتعمق المآسي.
وفيما يلي نص الرسالة:
د. عبدالمحمود أبّو
يوجه رسالة للمتفاوضين في جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في بريد قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع والمتفاوضين في جدة
الحمد لله الذي كرم الإنسان وحمله أمانة التكليف التي عجزت السموات والأرض والجبال عن حملها، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما
لقد تجاوزت الحرب التي اشتعلت في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شهرها السادس، وخلفت آثارا كارثية إنسانية واقتصادية يندي لها الجبين، وبمناسبة قراركم بالعودة لمنبر جدة نقول الآتي:-
أولا:نشكر قيادة دولتي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، على جهودهما وصبرهما ورعايتهما للتفاوض بين القوات المسلحة والدعم السريع لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في السودان
ثانيا:نرحب بقرار العودة للمفاوضات فهو القرار الأصوب، فالحرب الحالية الخاسر فيها أولا وأخيرا الوطن، فالقتلى من الطرفين مواطنون سودانيون، وأي يوم تستمر فيه الحرب تتضاعف فيه الخسائر، وتتعمق المآسي
ثالثا:تذكروا أن الأرواح التي أزهقت، والإنتهاكات الإنسانية التي وقعت، والموارد التي أهدرت، والدمار الذي طال المرافق العامة؛ كل هذه الخسائر تقع على عاتق من أشعل الحرب، ومن يغذيها، ومن يصر على استمرارها، وهي مسئولية تنوء بحملها الجبال وتلاحق أصحابها يوم (( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ))
رابعا:مهما كانت مبررات الحرب وتقديراتكم، فإنها حققت خلاف مقصودها، وكل أمر حقق خلاف مقصوده فهو باطل، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن تحاسب، والحكيم من اتعظ بغيره، فالحروب المشابهة التي قامت في بلدان سبقتنا، لا زالت شعوبها تعاني ويلات الدمار، والتشرد، والضياع؛ علينا أن نتعظ بغيرنا،ونتبع نهج الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعندما منعته قريش من دخول الكعبة والمسلمون في أشد الغضب؛ انحاز للسلام وقال عن أهل مكة الذين منعوه دخولها:((والذى نفسى بيده لايسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها))
خامسا:هذه الحرب أظهرت هشاشة الدولة، وضعف مؤسساتها، وخلل التماسك القومي، مما يوجب إنهاءها فورا، والالتفات لبناء دولة قوية تعالج العلل التي أظهرتها هذه الحرب، وتسد الثغرات التي ظهرت، ولا يكون ذلك إلا بتأسيس مشروع قومي متماسك، يتجاوز النظرات الضيقة، ويبني دولة المواطنة التي تدير التنوع بالعدل، وتصون الحقوق، وتحترم كرامة الإنسان، وتلتزم التزاما صارما بالدستور الذي يقره الشعب عبر مؤسساته المنتخبة
سادسا:تذكروا أن سلفكم قدموا أرواحهم الزكية فداء للوطن، وصونا لكرامة المواطن، وتصدوا للاستعمار ببسالة منقطعة النظير، فحرروا الوطن مرتين بوحدة الكلمة وصدق التوجه والتجرد والإخلاص، فرفعوا اسم السودان عاليا شهد له الجميع بعلو الكعب، وصار السوداني مضرب المثل في الكرامة والإباء ومكارم الأخلاق، حافظوا على هذا الإرث وصونوا هذه القيم وكونوا خير خلف لخير سلف
سابعا:نتطلع أن تضعوا أمامكم وأنتم تتفاوضون صور الأمهات الثكالى، والنساء الأرامل، والأطفال اليتامى، والمشردون في معسكرات اللجوء والنزوح، والعالقين في المعابر، والجرحى، والمرضى الذين فقدوا العلاج، ومئات الآلاف من المواطنين الذين فقدوا مصادر كسب العيش، وغيرهم من ضحايا هذه الحرب، لا تستمعوا إلى تجار الحروب والمنتفعين من الأزمات، والذين ماتت ضمائرهم، هؤلاء طبع الله على قلوبهم فصارت(( كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً))، وهؤلاء لن يفيدوكم في (( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ))، تذكروا ذلك وأنتم تتفاوضون، فأنتم مسئولون عن مواقفكم وقراراتكم أمام شعبكم وأمام التاريخ وأمام الذي يعلم السر والنجوى، (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ))
نسأل الله أن يلهمكم الرشد، ويذهب عنكم كيد الشيطان، ويجعلكم مغاليق للشر مفاتيح للخير
قال تعالى:(( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا))
عبدالمحمود أبّو
الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار
26 أكتوبر 2023م