العلاقات السعودية السودانية قديمة ممتدة عبر التاريخ، وطوال تاريخ العلاقات بين البلدين ظلَّت المملكة العربية السعودية تقف مع خيار الشعب السوداني، مع اختلاف الأنظمة الحاكمة، وثمن السودانيون دعم المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد ين سلمان عبدالعزيز لبلدهم في أعقاب انتهاء حكم الإنقاذ، وحدوث التغيير بعد ثورة ديسمبر 2018م، مؤكدين دعم المملكة بما يحقق أهداف وتطلعات الشعب السوداني وأمنه واستقراراه، وسلامته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي ظلِّ تعقيدات الأزمة السياسية خلال الفترة الانتقالية سجلت المملكة العربية حضوراً متميّزاً من خلال عضويتها في الآلية الرباعية التي تضم السعودية وأمريكا وبريطانيا والامارات الداعمة للآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية لشرق أفريقيا ( الإيغاد) التي تعمل على تيسيير العملية السياسية بين الأطراف السودانية.
وباندلاع الحرب في 15 ابريل 2023م كانت المملكة العربية من أول المبادرين في متابعة الأحداث ومواجهة التحدِّيات الإنسانية المفاجئة، حينما بادرت بإخلاء أكثر من ثمانية ألف وخمسمئة شخص ينتمون لأكثر من مئة وعشرة دولة عبر مدينة جدة، مع استمرار تواصلها مع طرفي الحرب للبحث عن مخرج من الأزمة.
لقد جاء إطلاق المبادرة السعودية – الأمريكية واستضافتها في مدينة جدة بتاريخ الخامس من يونيو 2023م بهدف وقف إطلاق النار، وإيقاف العدائيات، وتقديم الخدمات الإنسانية، ومن ثم تهيئة الأرضية المناسبة للحوار.
في خطابه بمدينة جدة أمام القمة العربية الثانية والثلاثين بتاريخ 19 مايو 2023م، أكد سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أهمية أن تسود لغة الحوار بين الأطراف بوصفها الأساس، للحفاظ على وحدة السودان، وأمن شعبه ومقدراته، مشيراً إلى أَّن المملكة العربية السعودية ترحب بتوقيع طرفي النزاع على إعلان جدة، للالتزام بحماية المدنيين وتسهيل العمل الإنساني، والتركيز على وقف فعال لإطلاق النار، وأن المملكة بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي، ستبذل الجهود الإنسانية، وتفعل قنوات الإغاثة للشعب السوداني الشقيق.
ولما لدولتي المبادرة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية من وزن إقليمي ودولي وجدت المبادرة الترحيب من الطرفين المتحاربين، ومن القوى السياسية والمدنية السودانية، وجميع الفاعلين الإقليميين والدوليين وضعت المبادرة خارطة طريق واضحة تبدأ من العمل على وقف إطلاق النار، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، واستعادة الخدمات العامة، ووضع جدول زمني لوقف دائم للعدائيات، والالتزام بحماية المدنيين والإجراءات الأمنية التي تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، ومن ثم، السير قدما نحو العملية السياسية التي يجب أن تقود إلى تسوية شاملة.
وفق ما أشارت إليها مساعدة وزير الخارجية الأمريكية مولى في مطلع يونيو 2023م فإن توقف المنبر التفاوضي كانت نتيجة عدم تعاون الطرفين في تنفيذ ما يتفق عليه، ومنذ ذلك الوقت ظل مصير المبادرة طي الكتمان فيما ظلت تشير بعض المعلومات إلى أن أصحاب المبادرة لم يقطعوا تواصلهم مع الطرفين، في ذات الوقت الذي انخرطت فيها دوائرها الدبلوماسية في المراجعة والتقييم وإعادة صياغة المبادرة بشكل جديد يؤمن تحقيق الأهداف المرجوة. وهذا وضع طبيعي ومعلوم لما عرف عن المملكة العربية التي تسلك دبلوماسية الحكمة والتأني لحل القضايا الشائكة لضمان تحقيق الأهداف من خلال تهدئة المواجع والمرارات وسد الذرائع، وربما إضافة أطراف إقليمية أخرى ولو على مستوى المراقبين، وصولاً للحلول الموضوعية وهذا ما أتوقع أن يكون قد حدث خلال فترة تجميد المبادرة.
تتوجه أنظار الشعب السوداني اليوم نحو مدينة جدة في انتظار البشريات بإيقاف الحرب والتوجه فوراً نحو عملية سياسية يعالج جرح الوطن، ونحن على ثقة بأن المبادرة السعودية – الأمريكية عادت لاستئناف دورها في ظل ترتيبات جديدة تمكنها من إنجاز دورها كاملاً لما لهما من ثقل دولي وإقليمي، وما يسندهما من روافع Leveragesسياسية ولوجستية وغيرها. الأمل معقود أيضاً بأن يحدث التئام الطرفين اليوم في جدة في ظل شعور مشترك بمسؤولياتهما الوطنية، وتقدير لمعاناة الشعب السوداني وآلامه ومآسيه وجرح الوطن النازف، كما يجب أن يعلما أنه لم يبق هناك ثمة وقت للمناورات والانتصار للأجندة الخاصة والذاتية، وهي فرصتهما الأخيرة، وعليهما اغتنامها ليبقى السودان وطناً يسع الجميع.
المستشار البشرى عبد الحميد
مقال اكثر من ممتاز قدم قراءة موضوعية و واعية للمبادرة المطروحة و تبعث على التفاؤل في ظل قيادة المملكة للمبادرة.