مقدمة
الولاية الشمالية هي الأكبر مساحة بين ولايات السودان، والأقل سكاناً؛ إذ تبلغ مساحتها 348,76 كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها مليون وخمسون ألف نسمة؛ وفق آخر الإحصاءات، ويجرى فيها نهر النيل بطول 650 كيلومترًا، وتبلغ المسافة من قرية إمرى في الحدود الجنوبية للولاية إلى مدينة وادى حلفا شمالها 584 كيلومترًا. تتاخم الولاية الشمالية من الجنوب ولايات الخرطوم وشمال كردفان، ومن الشرق ولاية نهر النيل، ومن الجنوب الغربي ولاية شمال دارفور، ومن الشمال جمهورية مصر العربية وليبيا.
السكان الأصليون في الولاية هم الشايقية والبديرية والقبائل النوبية ممثلة في الحلفاويين والسكوت والمحس والدناقلة، إلا أنَّ تغييرات كبيرة حدثت في التركبية السكانية عبر التاريخ، نتيجة للهجرات والحروب والغزوات القادمة من الشمال، وكذلك الهجرات والنزوح القادم من الولايات الأخرى لأسباب مختلفة، أهمها الجفاف والتصحر والمجاعات التي فرضت الهجرة من الغرب في اتجاه نهر النيل؛ لذا نجد بجانب السكان الأصليين مجموعات من القبائل السودانية التي قدمت إليها؛ ممثلة في قبائل الهواوير والكبابيش والكواهلة والبديرية ودار حامد والشويحات والعبابدة والبشارية والشكرية وغيرها، كما نجد في مدن مثل أرقو ودنقلا والدبة مجموعات ذات أصول مصرية وتركية، وبالتزاوج والتمازح أصبح جميع هؤلاء جزءاً من التركيبة السكانية المتماسكة في الولاية لا تفصلها القبليات والإثنيات.
مقابل الهجرات الوافدة، حدثت هجرات عكسية من سكان الولاية الذين هاجروا في سبيل كسب العيش إلى مدن السودان المختلفة، منهم من اندمج في تلك المجتمعات، ومنهم من أتخذ موقعه الجديد مكاناً لمعاشه مع استمرار اتصاله وارتباطه بموطنه الأصلي في الولاية الشمالية.
نشطت – كذلك – الهجرات الخارجية لسكان الولاية منذ القدم إلى جمهورية مصر العربية ومنطقة الشام في المرحلة الأولى، ثم إلي المملكة العربية السعودية ودول الخليج في المرحلة الثانية، وأخيراً امتدَّت الهجرات الحديثة إلى أوربا وأمريكا وكندا.
نتناول في هذه الورقة التحدِّيات التي تواجه الولاية في ظروف الحرب، وانعكاساتها وتداعياتها الماثلة، وكيفية مواجهتها، والكيفية التي يمكن من خلالها مواجهة تحدِّيات ما بعد حرب (15 أبريل 2023م) لتحقيق الاستقرار والتنمية. ثم إن كمال المشهد للمآل، وما يجب عمله لتجاوز مشكلات الولاية يستوجب استصحاب القضايا والمشكلات والتحديات التي ظلَّت ماثلة من قبل اندلاع الحرب، وشكلت العقبة الكؤود أمام الاستقرار والتنمية وتأمين العيش الكريم لسكان الولاية.
أولاً: الحرب وتداعياته
1- النزوح وبداية المأساة
مع اندلاع الحرب وتوسع مخاطرها في الخرطوم وامتدادها إلى بعض الولايات، وقفل الطرق المتجهة إليها، أتجهت أنظار النازحين من جحيم الحرب نحو المناطق الآمنة في ولايات الجزيرة ونهر النيل والشمالية وولايات الوسط والشرق. سجلت ولايتا نهر النيل والشمالية أكبر نسبة من النازحين من الذين اتجهوا للإقامة مع أهلهم، ومن غير مواطنيهما الذين اتجهوا إليها ملاذًا آمنًا أو للسفر إلى جمهورية مصر العربية عير الطريق البري (شريان الشمال).
بدأت مأساة الفارين من الخرطوم نحو الشمال من البحث عن كيفية الخروج من منازلهم في أحياء الخرطوم المحاصرة بواسطة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والارتكازات المنتشرة على طول الطرق، وفي مداخل جميع الكبارى في العاصمة المثلثة، حتى يتمكّنوا من الوصول الي مواقف البصات السفرية المتجهة للشمال، التي لم تعد تصطف في مواقفها المعروفة، حيث يقوم أصحاب البصات السفرية بالإعلان عن الانطلاق من مواقف في بعض الأحياء، وعلى المسافرين ترتيب أوضاعهم للوصول لتلك المواقف.
فتحت الظروف والمخاطر المحيطة بالحركة في الخرطوم الباب أمام أصحاب سيارات المواصلات والسيارات الخاصة التي تعمل بالأجرة داخل العاصمة الباب لاستغلال المسافرين في توصيلهم للمواقف السفرية، وارتفعت تكاليف النقل للمواقف المختلفة من 200 إلي 500 ألف جنيه وفق المسافة ومخاطر الطريق، كما ارتفعت أسعار تذاكر السفر من الخرطوم إلى الولاية الشمالية من 12 ألف قبل الحرب الى مبلغ 50 الي 70 ألف جنيه للراكب الواحد، مع الصعوبة التي ظلَّ يواجهها المسافرون لسداد قيمة التذاكر نتيجة لعدم توافر المبالغ النقدية والمشكلات المتعلِّقة بسحب المبالغ من البنوك عبر التطبيق الالكتروني، وإصرار بعض أصحاب البصات على ضرورة سداد قيمة التذاكر نقداً. شكلت تكاليف السفر للقاهرة عبئًا ماليّاً ثقيلاً، بخاصة على الأسر الكبيرة، إذ بلغت التكلفة الكلية لسفر الشخص الواحد مبلغ من 400 إلى 500 ألف جنيه.
استقبلت الولاية القادمين إليها بالترحاب وتم ترتيب استضافة الأغلبية مع الأسر، مع استقبال نسبة ضئيلة منهم في مراكز الإيواء، بينما واصل المواطنون والأجانب ممن كانت وجهتهم جمهورية مصر نحو معبري أرقين وأشكيت في حلفا على الحدود السودانية – المصرية.
السفرية من أم درمان الي المعابر تستغرق في الظروف العادية من 10 إلى 12 ساعة تقريبًا، إلا أن ظروف الحرب الاستثنائية جعلت مدة السفرية تمتد أكثر من عشرين ساعة؛ نتيجة لتعدد ارتكازات التفتيش الدقيق للسيارات العابرة والركاب، ولتكرر توقف البصات لوجود عدد كبير من المرضى والمسنين والنساء والأطفال والحاجات الإنسانية التي تتطلّب الوقوف، وما صاحب ذلك من قيام المواطنين على الطريق بقفلها أمام حركة السير في معظم المدن والقرى للترحيب بالقادمين، وتقديم الأطعمة والمشروبات.
2- معبر أرقين ومعاناة النازحين
يقع معبر أرقين البري الذي افتُتح في عام 2016م لخدمة مرور الركاب والبضائع بين البلدين على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد 850 كيلومترًا شمال مدينة أم درمان و350 كيلومترًا شمال مدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية. بعد الرحلة الطويلة ومعاناة السفر، يصل المسافرون للمعبر لمواجهة ظروف أقل ما يمكن وصفها بأنَّها ظروف صعبة وقاسية، ذلك أنَّ المعبر يفتقد لأبسط مقوّمات الحياة الإنسانية من مأكل ومشرب وخدمات طبية، كما تفتقر حتى لأماكن قضاء الحاجة.
يطول انتظار المسافرين للعبور التي قد تمتدُّ لأيام، ونتج عن هذه الأوضاع وفاة عدد من المرضى والمسنين في المعبر، وتسير المعلومات بموت ثلاثة إلى أربعة أشخاص يوميّاً يضطر معها أهلهم للعودة الى القرى جنوب حلفا أو الى مدينة دنقلا لإكمال مراسم الدفن.
في ظل هذه الظروف القاسية عبر خلال الأسبوعين الأولين لمصر نحو 5 آلاف شخص من المصريين والمواطنين والجنسيات الأخرى، استقبلتهم السلطات المصرية برحابة صدر، وقدمت تسهيلات كبيرة من خلال سماحها للسودانيين بالدخول دون تأشيرات مسبقة، وبجوازات غير مجددة، كما ظلَّ الهلال الاحمر المصري يقدم خدماته الطبية والإنسانية.
تغيَّرت الأمور بشكل مفاجئ بعد أقل من شهر؛ لارتفاع نسبة عدد النازحين للعبور إلي مصر، فقد أصدرت السلطات المصرية قراراً يقضي بضرورة استخراج تأشيرات دخول للسودانيين العابرين من سن 16 إلي 50 عامًا، تبعت ذلك مجموعة من القرارات شملت إلغاء السفر بالوثيقة الاضطرارية، وعدم اعتماد التأشيرات الصادرة من الخرطوم وحلفا، حتى وإن لم تنته صلاحيتها، واعتماد فقط التأشيرات الصادرة في شكل إستيكرات من حلفا وبورتسودان، وإلغاء الدخول بالجوازات المنتهية الصلاحية في عامي 2021م و2022م.
هذه الترتيبات الجديدة خلقت أزمة، وفرضت على الأعداد الكبيرة من الموجودين في أرقين السفر الى مدينة حلفا بالضفة الشرقية، حيث معبر أشكيت؛ لمعالجة أوضاعهم رغم صعوبة الأمر، إذ تبلغ مسافة السفر بين المعبرين 800 كيلو، إذ لا خيار للمسافر غير العودة لمدينة دنقلا، ومن ثم السفر بطريق الشرق وصولاً إلى حلفا، الأمر الذي يسبب للنازحين مزيدًا من رهق السفر، والمعاناة والتكاليف المالية الإضافية.
يرجع بعضهم ما فرض من ترتيبات وإجراءات جديدة من الحكومة المصرية لأسباب أمنية ارتبطت بدخول عناصر غير مرغوب فيها لجمهورية مصر، وبجوازات مزورة، وما إلى ذلك.
3- معبر أشكيت وتعقيدات العبور
يقع معبر أشكيت بالضفة الشرقية للنيل، وعلى بعد ثمانية كيلومترات من مدينة حلفا، وهو المعبر المفضل لأغلب المسافرين للعبور، لقربها من المدينة التي تتوافر فيها الخدمات الأساسية، وتتيسر سبل الحياة من مساكن وخدمات عامة، بجانب ما يقوم به المواطنون من استضافة لبعض المسافرين، وتقديم مساعدات لأسر أخرى. ومما يجعل هذا المعبر خياراً أفضل وجود الإدارات الحكومية ممثلة في إدارة الجوازات، والإدارات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة بتسهيل السفر وغيره، ووجود مكاتب القنصلية المصرية التي تصدر التأشيرات.
هذه الميزات المتوافرة في مدينة وادي حلفا جعلت أعدادًا كبيرة من المسافرين الذين وصلوا لمعبر أرقين أن يغيروا وجهتهم نحو معبر أشكيت، بخاصة بعد صدور القرارات الخاصة بوقف تأشيرات الدخول لبعض الفئات.
4- الأوضاع في مدينة وادي حلفا
بلغ عدد النازحين الموجودين بمدينة حلفا بنهاية سبتمبر 2023م بانتظار استكمال إجراءات العبور نحو 17 ألف نازح، منهم 8 آلاف بين مستضافين ومستأجرين، و9 آلاف يقيمون في مراكز إيواء، وعدد آخر في حدود 3 آلاف تقريباً يسكنون في الميادين، وبعض المناطق المفتوحة.
تشكّل هذه الأعداد الكبيرة عبئاً ثقيلاً على المدينة، بخاصة أنَّ أغلبهم من الأسر الفقيرة التي لا تملك مصادر دخل، ولا تملك خيارات أو بدائل تتجه إليها، وتنشط السلطات المحلية في ترتيب مراكز الإيواء، كما تنشط المنظمات الخيرية في توفير الغذاء والخدمات لهؤلاء في مراكز الإيواء.
إنَّ المشكلة الأساسية الآن تتمثّل في أنَّ هذه الاعداد الكبيرة، وما يضاف إليها باستمرار من النازحين قد تطول إقامتهم في انتظار تأشيرات الدخول لمصر، فوفقاً للإجراءات المتبعة الآن، فإن على النازح تقديم طلب التأشيرة والانتظار لمدد تراوح بين أربعة إلى ستة أشهر لحين صدور التأشيرة، والاستثناء لذلك هو منح التأشيرات للحالات المرضية الحرجة (الساخنة) فقط بشكل سريع؛ بناءً على تقارير طبية موثوق بها.
ولطول مدة الانتظار يضطر بعضهم إلى العودة من حيث أتوا، أو الانتقال لإحدى القرى القديمة ليعود مرة أخرى للسفر بحلول موعد منحه التأشيرة.
وجود الأعداد الكبيرة من المواطنين وتكدسهم في المدينة أثر بشكل كبير في إيجارات العقارات، التي كانت تراوح ما بين 50 الى 150 ألف جنيه كأعلى سقف للمنزل، لترتفع بعد الحرب ليكون الحد الأدنى مبلغ 250 ألف جنيه، وتتدرج الأسعار حسب مواصفات المنزل، حتى تبلغ المليار وخمسمئة ألف جنيه في الشهر.
هذا الأمر شكل عبئًا ثقيلاً على المستأجرين من النازحين، كما انعكست سلبياتها أيضًا على عدد لا يستهان بهم من الموظفين والعمال الذين كانوا قد اضطروا لمغادرة مساكنهم بناءً على طلب ملاك العقارات، لتأجيرها بالأسعار الجديدة، ولم يكن أمام هؤلاء المستأجرين من خيار غير إخلاء مساكنهم، وإعادة أسرهم لأهلهم أو ترحيلهم لقرى مجاورة.
أما بالنسبة إلى الحياة المعيشية، فإنَّ البضائع والسلع بأنواعها متوافرة من السوق المصري، إلا أن أسعارها ارتفعت بنسب كبيرة تتفاوت من 100% إلى 300%، ويلاحظ ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأسعار زيت الطعام والصابون والمواد الغذائية بشكل أخص.
كما أنَّ هناك زيادات لحقت بالوقود؛ مما رفع تكلفة النقل والترحيل بدرجة كبيرة، وأنعكس ذلك على الاسعار بشكل عام.
تتوافر الخدمات الصحية الأولية في المدينة إلى حد كبير مع عودة عدد كبير من الأطباء والمعاونين الصحيين، إلا أن المشكلة تكمن في عدم توافر الأجهزة المتطوّرة للتشخيص، وكذلك الشح في الأدوية، وارتفاع أسعارها إن وجدت، وتقوم بعض المنظمات بتوزيع أدوية مجانية من وقت إلى آخر للمرضى في مراكز الإيواء.
أما المشكلة الأساسية في الجانب الصحي، فهي عدم وجود مستشفيات لاستقبال الأعداد الكبيرة من المرضى، إذ أن هناك مستشفى وحيد سعته 30 سريرًا، إضافة إلى غرفة عناية بسعة 12 سريرًا، وجميعها مشغولة بشكل مستمر.
من المشكلات التي تواجه المدينة أيضاً عدم توافر المياه الكافية نسبة للضغط السكاني العالي، الذي أصبح فوق طاقة محطات المياه المصممة لتغطية الكثافة السكانية الطبيعية، أما بالنسبة إلى خدمات الكهرباء فإنها متوافرة ومستقرَّة؛ نتيجة لربط شبكة المدينة بالشبكة المصرية.
ومن التعقيدات التي تواجهها السلطات المحلية ازدحام حركة المرور في المدينة، والفوضى الناتجة من قيام أكشاك وطبليات وصاجات أطعمة عشوائية؛ مما يشكّل مخاطر صحية، وخطراً على البيئة؛ في ظل غياب النظافة العامة في كثير من المواقع، إلى جانب عدم وجود ترتيبات لإصحاح البيئة.
4- معبر التهريب في مدينة أبو حمد
هناك ثلاثة طرق في البلاد ظلت تنطلق منها قوافل تهريب الإبل من السودان إلى جمهورية مصر العربية، الأول تبدأ من بورتسودان إلى أبورماد وحلايب وشلاتين، والثاني من العبيدية الي شلاتين عبر وادي الحمار، والثالث من كريمة وأبو حمد الي شلاتين.
بالنسبة إلى تهريب البشر إلى مصر، كان يحدث عبر الحدود الشمالية من منطقة أرقين في الغرب وبحيرة النوبة في الشرق، إلا أنَّ السلطات المصرية تمكَّنت من تشديد المراقبة في هذه المناطق وضبطها أمنياً، انتقلت على إثرها وجهة المهربين إلى مناطق في الاقليم الشرقي ونهر النيل، بخاصة منطقتي العبيدية وأبو حمد في ولاية نهر النيل.
كانت الطرق المخصصة للتهريب في تلك المناطق قبل الحرب وجهة للسوريين الذين قدموا للسودان بعد الحرب، من الراغبين في السفر إلى مصر وعبرها الهجرة إلى أوربا، إضافة إلى أعداد قليلة من المواطنين السودانيين ومجموعات قادمة من الدول الفقيرة المجاورة، مثل: تشاد والصومال واريتريا، الذين يجري تهريبهم مقابل مبلغ يراوح بين300 إلي 500 دولار للفرد، حيث يتم التسليم والتسلم بين المهربين السودانيين ونظرائهم المصريين على الحدود السودانية – المصرية.
والآن مع الحرب والمخاطر التي تواجه المواطنين الذين يبحثون عن المخرج من الأزمة اتجهت أنظار كثيرين من المواطنين ممن لا يملكون القدرة على السفر من خلال المعابر الرسمية بتكلفتها العالية، وما يصاحب إجراءاتها من تعقيدات إلى بوابة التهريب في أبوحمد من كل مدن السودان كمخرج، وبجانب هؤلاء فإن أعدادًا لا يستهان بها خاصة من الشباب الذين لم يتمكنوا في الحصول على تأشيرات الدخول في المعابر في الشمال اتجهوا الى بوابة التجمع الرئيسية للتهريب في مدينة أبو حمد حيث تنشط عصابات تهريب البشر هذه الأيام بشكل كبير. خلال الشهور الماضية تم تهريب أعداد كبيرة من البشر عبر هذه البوابة منهم من تمكن من الوصول للقاهرة وسجل في كشوفات طالبي اللجوء، أما الغالبية العظمي الذين تقدر أعدادهم بثمانية آلاف شخص فقد تم القبض عليهم، وإعادة ثلاثة ألف منهم مرحلين للسودان، وتسليمهم لإدارة الجوازات في مدينة حلفا، بينما لايزال البقية في السجون في انتظار ترحيلهم. هذا ويتم تسليم المرحلين لإدارة الجوزات في حلفا التي تطلب منهم كتابة تعهد، ومن ثم تطلق سراحهم، ليعودوا وينضموا لمراكز الإيواء، ويشكلوا عبئاً إضافيّاً على المدينة.
5- أعداد النازحين للولاية
وفقًا لآخر إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة التابع للأمم المتحدة، بلغ عدد النازحين خارج مناطقهم نتيجة للحرب حتى بداية شهر ديسمبر 2023م 5.25 مليون، وتتركز النسبة الأعلى منهم في الاقليم الشمالي، حيث يمثل النازحون لولاية نهر النيل 15%، والولاية الشمالية 11%، تليهم ولايات شمال دارفور والنيل الأبيض بنسب متساوية تبلغ 9% لكل منهما.
بلغ عدد المستضافين والنازحين للولاية الشمالية حتى منتصف سبتمبر 2023م ما يقارب المليون ونصف المليون مواطن، وهو رقم يفوق عدد سكان الولاية البالغ عددهم مليون وخمسون ألف مواطن.
يشكّل هذا التزايد في عدد السكان ضغطًا كبيرًا على الخدمات المهترئة أصلاً وازدحامًا في القرى والمدن والأسواق. هذا العدد موزع على جميع محليات الولاية السبع بنسب متفاوتة.
6- الأوضاع المعيشية في الولاية
يحرص مواطنو الولاية الشمالية وأغلبهم من المزارعين على تدبير أمور معاشهم بشكل مرتب، وتحرص الأسر على الاحتفاظ بجزء من كل نوع من منتوجاتهم كمعونه غذائية تكفيهم حتى موسم الحصاد التالي، إضافة إلى لاحتفاظ بما يكفي من التقاوي المطلوبة لزراعة محصول الموسم الجديد. ويحرص – كذلك – غير المزارعين على شراء ما يكفيهم من معونة؛ لذا لم تكن ثمة مشكلات فيما يتعلّق بتوفير معايش الناس بسهولة ويسر.
تدفق هذه الأعداد الكبيرة من النازحين الذين تجاوز عدد سكان الولاية بنسبة بلغت 110% تسبب في مشكلة أساسية في الوضع المعيشي، فقد استهلكت معظم الأسر – إن لم يكن جميعها خلال الخمسة شهور الماضية – مخزونهم الأسري من المحاصيل، وبدؤوا في البحث عن شراء المزيد من السوق، كما استهلك بعضهم مخزون التقاوي لزراعة الموسم. كما لا يخفى أيضًا أنَّ شراء المحاصيل والأغذية ليس بالأمر المتاح لكثيرين من السكان، مع عدم دفع رواتب العاملين بالدولة، وتوقف الأعمال، ومصادر الإنتاج؛ لذا فالولاية تواجه وضعًا مأساويّاً ربما يقود إلى مجاعة ما لم يُعالج تمويل الموسم الزراعي بشكل عاجل.
7- أعمال الإغاثة
هناك مجموعة من الجهات العاملة في مجال الإغاثة والأعمال الخيرية من بينها الهلال الأحمر السوداني، ومنظمة قطر الخيرية، والمنظمة التركية للإغاثة، والبصر الخيرية، ومساعدون الخيرية، وفوانيس الخير، ومنظمة درء الكوارث، إضافة إلى الجمعيات الخيرية الشعبية التابعة للمدن والقرى، وروابط وجمعيات الولاية في المهاجر.
قدمت هذه الجهات خدمات كبيرة لمراكز الإيواء في مناطق الولاية المختلفة، ولعلنا نشير هنا – على سبيل المثال – ما جرى من عمل إنساني في عيد الأضحى، إذ وفرت الجهات العاملة في المجال الخيري والإنساني الأضاحي لثلاثة عشر مركزاً في محلية دنقلا، وسبعة وأربعين مركزاً في محلية حلفا، ومركزين في محلية مروي.
معظم أنواع السلع والأغذية المتوافرة في أسواق الولاية واردة من كل من مصر السعودية، مع بعض السلع السودانية ولكن الأسعار مرتفعة بشكل كبير، إذ زادت قيمة جميع السلع بنسب تراوح بين 50 الى 100% وربما أكثر في بعض السلع.
المواد الغذائية التي يجري توزيعها عبر منافذ التوزيع تشمل أنواعاً رديئة من الذرة الحمراء ( الفتريتة) الممتلئة بالشوائب، والمعبأة في أكياس كبيرة عليها علم أمريكا، كما يجري توزيع زيت شحوم أمريكي ذي رائحة نفاذة شبيهة برائحة السمك تتجمد بشكل سريع، حتى تحت درجات الحرارة العادية، كما تشمل مواد التوزيع البازلاء المطحون والعدس وملح اليود.
هناك شكاوى من المواطنين بأنَّ هناك كميات كبيرة من المواد الإغاثية المكوّنة من الذرة والعدس التي ظلّت تحت الشمس، ومعرضة للأمطار، من دون أن يتم توزيعها، وربما يكون ذلك لعدم قيام الجهة المشرفة على التوزيع بتوفير وسائل النقل؛ لذا تضطر بعض لجان الخدمات التواصل مع الهلال الأحمر والجهات الأخرى ذات الصلة لتحمل المصاريف الإدارية، وتكاليف النقل لمراكز الإيواء.
8- الخدمات الصحية
يوجد على مستوى الولاية عدد 28 مستشفى عامًا بإمكانات وقدرات محدودة في القوى البشرية والإمكانات التقنية والمعينات الطبية والأدوية، كما يوجد بها عدد من المركز الصحية التي لا تتعدى قدراتها تقديم الخدمات الإسعافية الأولية.
بالرجوع لما تقوم به المستشفيات في ظروف الأزمة الحالية يتضح الآتي:
أ- جميع المؤسسات الصحية تستقبل المرضى، ولكن هناك نقص في الأدوية والمحاليل المعملية، وزيادة كبيرة في أسعار الأدوية، التي ارتفعت أسعارها بنسب تراوح بين 300% إلى 400%، مع انعدام بعض الأدوية المنقذة للحياة، وهذا ما نتج عنه ارتفاع في نسبة الوفيات بدرجة ملحوظة.
ب- هنالك زيادة كبيرة في عدد المرضي في المستشفيات بنسب زيادة تراوح بين 200% إلي 300%، معظمهم من النازحين من المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين يصلون إلي المستشفيات في حالة متأخرة؛ مما يرفع معدل الوفيات.
والملاحظ أنَّ عددًا كبيرًا من هؤلاء المرضي من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة العائدين من المعابر بعد فشلهم في الحصول على تأشيرة الدخول الى مصر، ويعاني بعضهم بجانب المرض من مؤثرات نفسية جراء النزوح والحرب، وفقدان الأقارب؛ مما يضاعف من حرج أوضاعهم
ج- هنالك زيادة كبيرة في عدد الكوادر الطبية من الاستشاريين والاختصاصين في الولاية؛ مما كان عليه الحال قبل الحرب، ولهم دور مقدر في تقديم خدمة طبية متخصّصة، إلا أن رسوم الكشف لدى الأطباء لم تنخفض.
د- عدم توافر مستهلكات غسيل الكلى أدَّى إلى تقليص عدد الغسلات للمرضى في مراكز الكلى من ثلاث غسلات وهو المعدل العالمي والطبيعي إلى غسلة واحدة أو غسلتين، مما أدى إلى وفاة عدد من المرضى وحدوث مضاعفات صحية لبعضهم الآخر.
ه- تعطل جهاز الأشعة المقطعية في مستشفى دنقلا نسبة لعدم توافر صيانة، وعدم إمكانية استجلاب قطع الغيار مع توقف الشركات عن العمل في الخرطوم، وعدم إمكانية توريدها من الخارج، في ظل فشل وزارة المالية توفير التمويل اللازم؛ استوجب تحويل المرضى إلى مستشفى الضمان الاجتماعي في مروي، مع ما في ذلك من معاناة للمرضى وأقاربهم، وما يتبع ذلك من زيادة في التكاليف المالية للعلاج.
و- رغم توفر الكوادر العاملة في مجال التشخيص العلاجي بأنواعه، فإنَّ المستشفيات تفتقد المعامل المرجعية والأجهزة التشخيصية بمختلف أنواعها.
ز- يعاني الأطباء والكوادر الطبية والصحية في مستوياتهم المختلفة من عدم دفع الرواتب بانتظام، ومع ذلك لم يتوانوا في الاستمرار في أداء رسالتهم الإنسانية، وهم يستحقون الإشادة على ذلك.
9- الأوضاع الاقتصادية في ظل الحرب
أ- المجال الزراعي
لا توجد في الولاية مشروعات قومية ذات جدوى يعتمد عليها اقتصاد الولاية، والمشروع القومي الوحيد الذي كان من المؤمل أن يغيّر في اقتصاديات الولاية ويدعم الاقتصاد السوداني هو مشروع سد مروي، الذي بلغ تكلفته ما يقارب الثلاثة مليارات دولار، إلا أن نتائجه جاءت مخيبة للآمال.
لم يحقق المشروع أهدافه في توفير الكهرباء للولاية، وعلى المستوى القومي، كما لم يتم تنفيذ أي من مشروعات التنمية المصاحبة لها التي وعد بها نظام الإنقاذ، بخاصة مشروعات الترع الزراعية.
المحصلة النهائية أنَّ الولاية لم تحصل على الطاقة الكهربائية المطلوبة لتغطية الاستهلاك، والمتوفر منها في الولاية الآن جاء من خلال الربط بكهرباء مصر، كما أنَّ ضعف الشبكة القومية تمت معالجته من خلال ربطها بالشبكة الأثيوبية.
تعتمد الولاية في اقتصادها بشكل أساسي على المنتجات الزراعية المتنوّعة، التي تشمل القمح والفول المصري والتمور والفواكه والتوابل والبقوليات بأنواعها، ويجري انتاجها من مشروعات استثمارية يملكها القطاع الخاص، بجانب ما ينتجه المزارعون من المشروعات التجارية والتعاونية والملكيات الصغيرة. ويتم تسويق هذه المنتجات في أسواق المتخصصة في أم درمان، كما يتم نقلها وتسويقها في ولايات السودان الأخرى.
مع المستجدات الناتجة عن الحرب، فإنَّ الولاية مواجهة بنذر فشل الموسم الزراعي الشتوي، لعدم توافر كميات الوقود الكافية وارتفاع أسعارها، وكذلك عدم استقرار التيار الكهربائي، وارتفاع أسعاره، بجانب ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية من البذور والأسمدة وغيرها، التي ارتفعت إلى نحو عشرة أضعاف من أسعارها قبل الحرب.
أصابت ظروف الحرب المجال الزراعي بشلل تام، ولم يتمكّن معظم المزارعين من توفير الوقود والمدخلات الزراعية للعروة الصيفية، ومن تمكّن تجاوز التحدِّيات المذكورة في بداية الموسم، وجد نفسه مواجهًا في نهاية الأمر بمشكلة أكبر، لعدم توافر الوقود وارتفاع أسعاره؛ ليموت ما زرعه عطشًا، ولتكون النتيجة أنَّ تكلفة الزراعة كانت بالنسبة لهؤلاء أعلى من تكاليف الإنتاج.
يبدأ الموسم الزراعي الحالي في ظل ظروف أكثر تعقيدًا؛ لعدم قيام الحكومة بعمل أي ترتيبات لتمويل الموسم، وتوفير البذور والسماد والمدخلات الزراعية والوقود؛ مما قد يؤدِّي لفشل تام للموسم، ولا يظهر في الأفق أي ترتيبات لاستدراك الوضع، بخاصة زراعة القمح الذي يشكل قوت الناس.
استمرار الحرب مع تعقيدات التمويل الزراعي ينذر بكارثة محققة فد تؤدِّي إلى مجاعة عامة، الأمر الذي حذرت منه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بأن هناك أكثر من خمسة وعشرين مليون مواطن سوداني يمثلون أكثر من 50% من عدد السكان بحاجة إلى مساعدات فورية وإلّا تعرضوا للمجاعة، وأن دولتى السودان وجنوب السودان ضمن خمسة عشرة دولة تعدَّان من المناطق الساخنة، ومن البؤر المرشحة لخطر الموت بالمجاعة، ما لم تتخذ إجراءات إسعافية عاجلة لمعالجة الموقف.
ب- تجارة المحاصيل
تجارة المحاصيل بخاصة التمور والفول المصري والقمح والتوابل من أحد الدعائم المهمَّة لاقتصاديات الولاية. وصول عدد كبير من النازحين للولاية واستقرار الأحوال الأمنية بدرجة كبيرة مع وجود بعض الطرق السالكة بينها وبين ولايات أخرى فتح الباب لقدوم عدد من تجار تلك الولايات؛ لكونها إحدى النوافذ القليلة المفتوحة للتسوق لمواجهة بعض متطلّبات ولاياتهم، بخاصة أنَّ الحركة التجارية بين الولاية وجمهورية مصر العربية مفتوحة.
هذا الوضع خلق نشاطاً كبيرًا وازدحامًا في الأسواق وحركة تجارية واسعة، إلا أنَّه مع كل ذلك، فإن مظاهر الكساد للسلع التجارية الأساسية لا تخطئه العين، في مقدمتها سوق التمور والقمح، وهذا ناتج عن توقف الطرق وحركة النقل للأسواق خارج الولاية، حيث جرت العادة نقل التمور والقمح لسوق التمور وسوق المحاصيل في أم درمان حيث تباع بأسعار مجزية للمزارعين، وتنقل من هناك للتوزيع على جميع الولايات.
وكساد سوق التمور الذي يعتمد عليه السكان مصدراً أساسيّاً للدخل، وبيعها بقيمتها الحالية التي هي أقل بكثير من تكلفة الإنتاج، سيكون لذلك نتائج كارثية على المزارعين، بخاصة وإنَّ الانتاج الجديد قد بدأ الآن.
ج – قطاع التعدين
من القطاعات الاقتصادية المهمة في الولاية التنقيب عن الذهب في مناطق التعدين الأهلي في محليتي دلقو وحلفا على بعد 165 كيلومتر شمال مدينة دنقلا عاصمة الولاية، حيث توجد في المنطقة عدد كبير من آبار التنقيب والطواحين خاصة في المنطقة المعروفة بجبل البوم. مع اندلاع الحرب توقف الإنتاج بشكل كامل في مجال التعدين الأهلي كما توقفت الشركات الاستثمارية العاملة في المجال نتيجة للظروف الأمنية في البلاد وتناقص العمالة ورحيلهم بشكل كامل إلى مناطقهم، كما حدث كساد في السوق مع توقف الحركة التجارية. ومن الظواهر السالبة في مناطق التعدين السرقات التي استهدفت الآبار والأسواق والطواحين، إضافة لمظاهر السلب والتهب بواسطة أفراد ومجموعات مسلحة بدأت تظهر بكثافة في ظل محدودية وجود قوات الشرطة في المنطقة وبعدها من مواقع الأحداث، وحتى في بعض الحالات التي تتم فيها بلاغات قإن هناك حديث عن حالات قامت فيها تلك العصابات بتصفية المبلغين عنهم
10- بروز الظواهر الاجتماعية السالبة والمخاطر الأمنية:
تعدُّ الولاية الشمالية من الولايات المحافظة ذات التقاليد والأعراف العريقة الراسخة في حركة المجتمع، وتقلُّ فيها نسب ارتكاب المخالفات والجرائم التي تهدد أمن المجتمع. بعد الحرب وتوافد أعداد كبيرة من النازحين بدأت ظواهر اجتماعية سالبة وارتفاع واضح في نسب ارتكاب الجرائم تتلخص في الآتي:
أ- ازدحام الشوارع والطرقات والأسواق بوجود أعداد كبيرة من الناس، بخاصة الشباب من الجنسين طوال اليوم وحتى ساعات متأخرة من الليل، مع ممارسة بعض التصرفات الدخيلة على المجتمع، بشكل لم تألفه المدن في الولاية.
ب- انتشار ستات الشاي وصانعي وصانعات الأطعمة من طعمية وأقاشى وغير ذلك، وكثرة الباعة المتجولين في معظم الشوارع، وبطريقة عشوائية ودون تراخيص، وبشكل مخالف للقوانين المحلية، بما في ذلك من انعكاسات بيئية وإزعاج، وتعدٍ على خصوصية السكان، وبعض أصحاب المحال التجارية
ج- بروز ظاهرة التسول والاحتيال التي يمارسها عدد من الجنسين من مختلف الأعمار، وبشكل ملفت للأنظار ومزعج للمارة.
د- ارتفاع نسبة الجرائم بخاصة جرائم النصب والاحتيال، ووفق إفادات عاملين في المجال الشرطي والأمني، فقد ارتفع عدد البلاغات في الجرائم التي كانت تسجل في مدينة دنقلا من 15 الى 20 بلاغًا في اليوم إلى أكثر من 100 بلاغ أي بنسبة تجاوزت ال 80%.
هـ- هناك حالة من السيولة الأمنية مع توافد أعداد من الشباب دون هويات؛ لضعف مراكز الارتكازات في مداخل المدن، ومخارجها؛ ولغياب التدابير الأمنية الصارمة بدأت تنتشر ظاهرة حيازة الأسلحة غير المرخصة، وانتشار تجارة المخدرات بأنواعها، وتعاطيها، حتى وصل الأمر إلى الاطفال في بعض القرى، وتنتشر أخبارها في مواقع التواصل الاجتماعي.
و- مع طول مدة إقامة المستضافين مع مضيفهم مع اختلاف ثقافات القادمين وأساليب حياتهم عن الأسر المقيمة وضيق المعايش والأوضاع النفسية للبعض ظهرت خلافات بين المضيفين والمستضافين، وصلت حد المواجهات العنيفة، وتسبيب الأذى لبعضهم، وفي حالات قليلة أدت إلي مغادرة بعض المستضافين لأماكن مستأجرة أو إلي مراكز الإيواء، أو العودة لمنازلهم في المناطق التي وفدوا منها على الرغم من خطر الحرب.
بالرغم من الظاهر السالبة التي أشرنا إليها فإن تجربة الحرب عكست بعض المظاهر المجتمعية الإيجابية تؤكد أصالة وحميمية الشعب السوداني تتلخص في الآتي:
أ- كرم وأصالة السودانيين، وهم يقطعون الطريق على السيارات في كل المدن والقرى على امتداد شارع شريان الشمال مرحبين للقادمين للولاية، ومواسين ومستضيفين لهم بمختلف أنواع الأطعمة والمشروبات.
ب- فتح سكان الولاية أبواب منازلهم لاستضافة القادمين إليها من أبناء السودان من مختلف الولايات، ولا أدل على ذلك من أن تكون نسبة المستضافين أكبر من عدد سكان الولاية.
ج- الدور المهم الذي قام به المهجريون بتقديم المساعدات المالية واللوجستية لمواجهة تحدِّيات الحرب، والعمل على استقدام أعداد لا يستهان بها من أسرهم وأقاربهم للإقامة معهم بالدول المضيفة.
د- ظهور عدد من المبادرات المجتمعية والشبابية لخدمة القادمين للولاية في مختلف المجالات، من توفير أماكن للايواء، وتقديم خدمات إغاثية وصحية وإنسانية.
ثانيًا- قضايا الولاية والتحدِّيات قبل الحرب
هناك عدد من القضايا والمشكلات المستمرة التي عطلت استقرار الولاية وتنميتها طوال الأعوام الماضية نسبة لعدم استقرار أوضاع الحكم في الولاية، وعلى مستوى الدولة، وستظلُّ هذه القضايا عائقاً أمام مسيرة الولاية وتنميتها وإيجاد وضع مستقر وآمن؛ لذا فإن على حكومة الولاية بجانب التصدِّي لتحدِّيات الحرب العمل على وضع خطة إستراتيجية متكاملة للوصول إلى حلول دائمة ومستدامة للقضايا الملازمة للولاية طوال الأعوام الماضية، لتكون قيمة إضافية لتقدم الولاية وتنميتها.
ولا شك أنَّ شمولية التناول لتحديِّات الحرب وما سبقها من قضايا سيكون هو الطريق الصحيح لحسن المآل وتحقيق الأهداف، وتتلخص القضايا والمشكلات في الآتي:
1- مشروعات السدود (كجبار – دال ):
في الوقت الذي لم يغب فيه عن ذاكرة الوطن مأساة إغراق مدينة وادي حلفا لبناء السد العالي وتهجير أهلها قسرًا، ونتائج ذلك الكارثية على الوطن، لم تستفد حكومة الإنقاذ من دروس التاريخ في إقامة مشروعات السدود وإغراق المدن.
كانت نقطة البداية للنظام السابق من سد مروي وإغراق قرى الحماداب وأمري، ومن ثم ظهور فكرة بناء سد كجبار التي بدأت إجراءات تنفيذها دون علم الأهالي ومشورتهم؛ مما أدى إلى مناهضة الفكرة عبر لجان شعبية تم تكوينها لهذا الغرض.
في يوليو 2007م، حدثت مواجهة عسكرية مسلحة مع المواطنين، راح ضحيتها برصاص الغدر أربعة من الشباب تراوحت أعمارهم بين الثامنة عشر والرابعة والثلاثين من العمر، خرجوا للاحتجاج السلمي.
استمرت لجان المناهضة لسدى كجبار ودال طوال الأعوام الماضية في مناهضتها إنشاء هذه السدود؛ لأسباب حضارية وبيئة وثقافية واقتصادية وطبوغرافية، ووجود بدائل أحدث وأقل تكلفة لتوفير الطاقة، وغير ذلك من الأسباب.
مشكلة بناء السدود المقترحة في الولاية من القضايا المؤرقة التي يجب أن تكون في مقدمة القضايا التي يبدو التعاطي معها بعد الحرب ملحًا، ويحتاج إلى اهتمام وأسلوب علمي وموضوعي، حتى يمكن حلها بعيداً عن أية مصالح حزبية أو ذاتية، من خلال إعداد دراسات الجدوى بواسطة بيوت خبرة عالمية متخصصة، وبما يضمن حقوق إنسان المنطقة الذي بشكل هدف التنمية بشفافية تامة ومشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات الخاصة ببناء السدود وصولاً للهدف المنشود.
كما أن تجاوز محطة المرارات بالنسبة إلى المواطنين أمر مهم، ما يستوجب على الحكومة كشف الحقائق للرأي العام بشأن مقتل شهداء أحداث كدن تكار في كجبار واستكمال التحقيقات في تلك الأحداث، وكشف الحقائق للرأي، العام وتقديم الجناة لمحاكم عادلة.
2- قضية أيلولة الأراضي الحكومية
من القضايا والتحدِّيات ذات الأهمية حل مشكلات الأراضي وما يتصل باستثماراتها، ومن بين القضايا التي تركت جرحًا غائرًا لدى مواطني الشمالية صدور القرار الجمهوري رقم 206 لسنة 2005 بتاريخ 18/9/2005م القاضي بأن يتم نزع ” أراضٍ ” بالولاية الشمالية – وفق إحداثيات حددها القرار – على أن تؤول ملكيتهـا لوحـدة تنفيذ مشـروع سـد مروي، وأن النزع يأتي لغرض قومي عـام.
نسبة لأنَّ القرار تم دون مشورة وعلم حكومة الولاية حينها، ومع مخالفات واضحة للدستور وقوانين الأراضي، فقد ناهض مواطنو الولاية القرار حتي تم إلغاؤه بتاريخ 6 يناير 2021م بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (3) لسنة 2021م، الذي قضى بإلغاء القرار الجمهوري رقم (206) لسنة 2005م، وأيلولة ملكية الأراضي المشمولة بالقرار إلى حكومة السودان ( الولاية الشمالية) وفق أسس حددها القرار، بحيث تعود الأراضي التي تم نزعها ولم يتم تخصيصها للوضع الذي كانت عليه قبل صدور القرار الجمهوري رقم (206) لسنة 2005م، وإلغاء تخصيص الأراضي التي تم نزعها ولم تستثمر، وكذلك نزع المساحات غير المستثمرة من الأراضي التي تم تخصيصها واستثمار جزء منها، على أن يتم إشراك حكومة الولاية والجماعات المحلية في معالجة القضايا الناشئة عن تخصيص الأراضي.
وقد وجه القرار وزارات شؤون مجلس الوزراء والحكم الاتحادي (حكومة الولاية الشمالية ومسجل عام الأراضي والجهات المعنية الأخرى) لاتخاذ إجراءات تنفيذ هذا القرار. ورغم صدور هذا القرار إلا أنَّه لم يتم تنفيذه، والواضح من القرار أنَّ الأمر يحتاج إلى ترتيبات وإجراءات واسعة لتنفيذ هذا القرار بشأن إلغاء تخصيص الأراضي المنزوعة، والتي لم تُستثمر، وتحديد كيفية التعامل مع المساحات غير المستثمرة، أو التي اُستُثمر جزء منها، وأن يتم كل ذلك بإشراك حكومة الولاية والجماعات المحلية. لذا يظل موضوع معالجة أيلولة الأراضي قائماً حتى تكتمل إجراءات التنفيذ، والذي يتطلّب جهدًا كبيرًا من حكومة الولاية للعمل على تنفيذه.
3- مشكلات التعدين
هناك مواقع للتعدين عن الذهب في محليتي دلقو وحلفا تخضع للتعدين الأهلي، إلى جانب بعض الشركات ذات الامتياز، التي تعمل جميعها تحت إشراف الشركة السودانية للثروة المعدنية.
ظلَّت هوية الشركات الاستثمارية العاملة في المجال غير واضحة، ويشوب ملكيتها كثير من التعتيم؛ نتيجة تبعية ملكية بعضها لأشخاص نافذين في حكومة الإنقاذ كما يرى كثيرون لديهم معتقد أنَّ الإنقاذ ما زال يمسك بتلابيب الدولة.
كان يتمُّ توزيع موارد التعدين في الولاية بموجب لائحة تنظيم التعدين التقليدي لسنة 2016م مناصفة بين الوزارة من جهة والولاية والمحلية ذات النشاط من الجهة الأخرى، بنسبة 50% لكل منهما. هذه النسب تم تعديلها بموجب القرار الوزاري رقم (90) لسنة 2021م الصادر من وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بتاريخ 10 نوفمبر 2021م برفع نسبة الوزارة والشركة السودانية للتعدين الي 60% بزيادة قدرها 10% على حساب المحلية والولاية، ليصبح نصيبهما 40% بدلاً عن 50%، ويعدُّ ذلك قسمة غير عادلة إذ أن عدالة التقسيم أن تكون النسبة الأعلى من الإنتاج للولاية، وعلى الأقل المناصفة، كما كان الأمر من قبل.
من القضايا والمخاطر التي تواجهها مناطق التعدين الأسلوب البدائي لطريقة التعدين، الذي يشكّل خطرًا على الإنسان والحيوان والبيئة، إذ تُمنح تراخيص التنقيب على مقربة من القرى المأهولة بالسكان، ويتم استخراج وتنقية المعدن بواسطة مواد سامة ومضرة من بينها السيانيد والزئبق والمواد المتفجرة المضرة بالإنسان والحيوان والبيئة. هذا الوضع نتج عنه ظهور أنواع من الأمراض غير المعروفة وارتفاع واضح في زيادة نسب أمراض السرطان والربو والفشل الكلوي وانتشار الكوليرا، وارتفاع نسبة الأمراض الوبائية؛ نتيجة للتلوث الذي يتم من خلال جرف مخلفات التعدين والإنسان إلى نهر النيل والخيران، بخاصة في حالات نزول الأمطار على قلتها.
خطورة الزئبق والسيانيد لم تعدّ خافية، وأصبحت مسألة استعمالاتهما مجال اهتمام إقليمي ودولي؛ نتيجة لانتقال هذه المواد بسرعة كبيرة، وبعيد المدى، في الجو إضافة إلى إثباتها في البيئة، وقدرتها على التراكم في الطبيعة؛ لتصبح مصدر خطر كبير، وهو الأمر الذي جعل مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة يطالب باتخاذ إجراءات دولية لإدارة الزئبق، لما يمثّله من أخطار تهدد صحة الإنسان والبيئة، بخاصة في البلدان النامية، وما قد تتعرض له الفئات السكانية الضعيفة خصوصًا الأطفال والنساء، وامتداد أثر ذلك إلى الأجيال المقبلة، ومن ثم عملت الأمم المتحدة على مواجهة هذه المعضلة من خلال إصدار الأمم اتفاقية ميناماتا بشأن استعمالات الزئبق، وتم التوقيع عليها في أكتوبر 2013م من أكثر من 140 دولة، من بينها السودان.
ووفق دراسة أعدها الخبير الإداري محمد عثمان داود المستشار بديوان الحكم المحلى يتضح أنَّ هناك مواقع تعدين في منطقة سمنة جنوب وادي حلفا بها بواخر مصنعة من الصين؛ لسحب الطين من قاع النيل، وطرده مركزيّاً لفصل الذهب عن بقية الرواسب، مما ينتج عنه تدمير قاع البحيرة الذي يعدُّ أساس السلسلة الغذائية لتغذية الأسماك والحيوانات النيلية، وهذا ما يسبب تدميرًا للثروة السمكية. كما أنَّ استخدام عنصر الزئبق يجعله يتحوّل إلى زئبق عضوي (ميثيل الزئبق) شديد السمية يدخل في السلسلة الغذائية للأسماك، ويسبب تناولها الأمراض السرطانية، وغيرها من الأمراض.
وإضافة إلى كل ما ذكر، فإنَّ الشركات العاملة في التعدين لا تقدم أي خدمات في المنطقة، وفق ما تفتضيه المسؤولية المجتمعية نحو المواطنين، كما لا تقوم بتوفير الخدمات الأساسية للمعدنين، أو توعية المواطنين للمخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها، بما يمكنهم من العمل على تجنبها، وينطبق الأمر ذاته على الحكومة التي لا تقوم بمسؤولياتها تجاه مواطنيها. كذلك أصبحت مناطق التعدين ملاذًا آمنًا للهاربين من العدالة، ومعتادي الإجرام، ومروجي ومتعاطي المخدرات، وظهرت جرائم مروعة تهدد الأمن المجتمعي.
4- مشكلات الزحف الصحراوي
يشكل الزحف الصحراوي أحد أكبر مهددات الوجود البشري على وجه الأرض من خلال طمره للأراضي الزراعية الخصبة والمنازل والمزارع، ووفق بعض الدراسات، فإنَّ الزحف الصحراوي يهدد 14 ولاية، واجتاح ما يساوى 3% من مساحات الأراضي في البلاد.
تعدُّ الولاية الشمالية من أكثر الولايات التي تواجه مخاطر الزحف الصحراوي، بجانب الهدام، وذلك لطبيعة موقعها الجغرافي، فمع منحنى النيل على مقربة من مدينة أبو حمد تتغيَّر اتجاهات نهر النيل حيث تتحوّل ضفتها الشرقية بشكل طبيعي لتصبح شمالية في الوقت الذي تتحول فيه الضفة الغربية إلى جنوبية، وبذلك يصبح النيل تحت رحمة صحراء العتمور في ضفته الشمالية، وصحراء بيوضة في ضفته الجنوبية.
هذا التحوّل في اتجاه النهر جعلت مجموعة من قرى مناطق مروى والدبة تحت رحمة الزحف الصحرواي، وتأثرت بها مجموعة من القرى وبشكل خاص قرى أرقى ، والسدر، وكورى، والهو، والعفاض، حيث غطى الزحف الصحراوي مساحات من الأراضي الزراعية والمنازل، وتستمر مخاطر هذا الزحف على طول قرى ضفاف النيل في شرق الولاية؛ لتهدد منطقة حوض السليم الزراعية؛ نتيجة لقطع الأشجار والرعي الجائر متسببة في تقلّص الأراضي الزراعية في مساحتها بشكل واضح، ويتواصل الزحف شمالاً ليغطي أراضي زراعية واسعة على ضفة النيل، ويهدد القرى والمزارع، كما يمتدُّ في بعض الحالات إلى قلب النيل؛ مما يزيد من احتمالية تاثيره في مجرى النيل مع مرور الزمن.
وفي المقابل، فإنَّ الضفة الجنوبية الواقعة على أطراف صحراء العتمور، امتد الزحف الصحراوي فيها إلى قرى أوسلي والغابة والباجا؛ لتغطي أجزاء واسعة من تلك القرى، كما تهدد كل القرى شمالاً حتى مدينة دنقلا وما بعدها من القرى.
في ظلِّ هذه المعطيات، فإنَّ الزحف الصحراوي من التحدِّيات الكبرى التي تهدد مستقبل التنمية والحياة في كامل الولاية، إضافة إلى انعكاساته السالبة على المستوى القومي؛ لذا يبقى هذا الأمر في مقدمة التحدِّيات التي يجب أن تتم مواجهتها من خلال إعداد الدراسات الاستراتيجية بواسطة بيوت خيرة متخصصة، والعمل على تنفيذ مشروع إيقاف الزحف، وحماية المساكن والمنازل والأراضي الخصبة في جميع أنحاء الولاية؛ بتوفير الدعم الحكومي والدعم الإقليمي والدولي؛ لأنَّها من القضايا التي تهتم بها وكالات الأمم المتحدة.
5- حرائق النخيل
أصبحت حرائق النخيل في قرى المنطقة النوبية تشكّل وضعًا مقلقًا، وظاهرة لا تنقطع، إذ لا يمر عام إلا وهناك عدد من الحرائق المتكررة التي تلتهم أعدادًا كبيرة من النخيل، بخاصة في القرى التي تجاور مواقع تنفيذ السدود المقترحة، حتى أصبح الشعور السائد أنَّ الأمر مخطط له؛ لكون هذه المناطق هي التي يتوقع أن تغمرها المياه التي تمتد من الشلال الثالث عند قرية دال جنوبا بمسافة 97 كيلومتر، أما المنطقة التابعة لسد كجبار، فإنَّها تمتدُّ إلى مسافة 125 كيلومترًا جنوبًا. ورغم تكرار الحرائق بشكل منتظم لأكثر من عشر سنوات، وقيام لجان المناهضة، ولجان القرى بالمتابعة والشكاوى لدى السلطات الرسمية، إلا أنه لم يحدث حراك بالمستوى المطلوب من جانب تلك السلطات، ولم تبذل أي مجهودات تبدد مخاوف المواطنين بمعرفة الأسباب، أو حتى مجرد توفير إدارة مطافئ مقتدرة لإطفاء الحرائق، وتقليل آثارها، والعمل على توعية المواطنين للتعامل مع مثل هذه الحرائق، أو توفير معينات لهم للقيام بهذه المهمة
لقد سبق أن ًصدرت تقارير شعبية تفيد بنشوء 94 حالة حريق في المنطقة في الفترة من عام 2005م حتى عام 2014م وبلغ عدد النخيل التي شملها الحريق خلال فترة التقرير 185,032 تبلغ قيمتها ملايين الدولارات. ومن المهم أن ننوه هنا بأنَّ الحرائق لم تتوقف ومازالت تحدث بشكل متقطع في كل محليات الولاية.
النتائج
1- الأوضاع في معبري أرقين وأشكيت على الحدود السودانية – المصرية في الجانب السوداني مأساوية؛ لافتقادهما أدنى مقوّمات الحياة من مأكل ومشرب، وأماكن للراحة، وخدمات عامة وتسهيلات إدارية؛ مما يعرض حياة العابرين بخاصة كبار السن والمرضى والنساء، وذوي الاحتياجات الخاصة لمخاطر تصل إلى احتمال فقدان الأرواح.
2- ضعف التنسيق بين الحكومتين السودانية والمصرية بشأن تطبيق اتفاقية الحريات الأربع، أو الاتفاق على ترتيبات خاصة لحركة العبور في ظروف الأزمة؛ أدى إلى صدور قرارات وترتيبات مفاجئة من وقت إلى آخر، وهذا ما خلق أزمة إنسانية لراغبي العبور.
3- هناك منافذ لتهريب البشر في الشمال عبر مدينة أبو حمد بولاية نهر النيل، ومن الشرق عبر بورتسودان، مع ما في ذلك من مخاطر على المسافرين، وعلى الأمن والسلامة، ويمثل هذا الوضع مهددًا خطيرًا من مهددات الأمن القومي للبلدين.
4- هناك مهددات اقتصادية ومعيشية في ظل الكساد السائد في الأسواق، وعدم الاهتمام من جانب الحكومة بتوفير التمويل المطلوب للتحضير للموسم الزراعي الشتوي؛ بتوفير المدخلات الزراعية من تقاوٍ وسماد وجازولين الكهرباء بأسعار معقولة، مما قد يؤدِّى إلى عزوف كثير من المزارعين عن زراعة الموسم الذي يعتمد عليه المواطنون.
5- في ظلِّ ظروف الحرب ومحازاة الولاية بحدودها المفتوحة على أربع ولايات وعلى الحدود الليبية والمصرية من دون وجود ترتيبات لمراقبة وتأمين الحدود يشكّل خطرًا أمنياًّ على الولاية، وعلى جميع الولايات الحدودية، والأمن القومي.
6- في ظلِّ الوجود المكثف للمستضافين والنازحين في الولاية، وما بدا من مظاهر اجتماعية ومخاطر أمنية وزيادة في معدلات الجرائم، وانشغال المواطنين بتأمين ضرورات الحياة، مع قلة وضعف الأجهزة الأمنية ومحدودية انتشارها، ذلك كله يشكل خطراً حقيقيّاً على أمن الولاية واستقراره، وسلامة مواطنيها والمقيمين فيها.
7- هناك مظاهر اجتماعية وممارسات بدأت تطفو على السطح، وهي لا تتوافق مع عادات وتقاليد سكان الولاية والمقيمين فيها، وعدم مواجهتها وعلاجها سيؤدِّي إلي تعقيدات مجتمعية.
8- اكتظاظ المدن والقرى ومراكز الإيواء مع عدم توافر مرافق قضاء الحاجة، وانعدام النظافة، والخدمات البيئية المستمرة يشكل خطراً بيئيّاً وصحيّاً للسكان، ومدخلاً لكثير من الأمراض المعدية، بل الأوبئة أيضًا.
9- عدم توافر الغذاء بالتنوع والكميات المطلوبة في مراكز الإيواء بخاصة ما يتصل باحتياجات النساء الحوامل والأطفال وكبار السن والمرضى من ذوي الاحتياجات الخاصة، قد يؤدي في نهاية الأمر إلى مشكلات صحية، وارتفاع نسبة الوفيات الناجمة من هذا النقص الحاد في المواد الغذائية.
10- افتقاد المستشفيات الرئيسة في المنطقة المعينات الطبية، وقلة الأيدي العاملة في المجال الطبي عمومًا، وقلة وجود اختصاصيين في المجالات المختلفة، وبخاصة مع عدم وجود خيارات للعلاج خارج الولاية، ومع أنّ هناك لجان شعبية للعناية بالمستشفيات إلا أنها تفتقد إلى الدعم الرسمي اللوجيستي، الذي يسهم في نقل المعينات والأدوية من خارج السودان، وكذلك عدم توصيل أي دعم طبي لهذه المستشفيات من المساعدات الطبية التي تأتي للبلاد من الدول الشقيقة والصديقة.
11- هناك مظاهر إيجابية عكستها ظروف الحرب تمثلت في استقبال القادمين للولاية بالترحيب، واستضافة عدد من المواطنين تجاوز عدد سكان الولاية، كما أسهم المهجريون بشكل مقدر في تخفيف حدة المعاناة، وتقديم خدمات أساسية للمجتمع.
12- بجانب التحدِّيات الماثلة نتيجة للحرب، هناك مشكلات وقضايا أساسية عالقة تتصل بالتنمية والاستثمار، تشمل قضايا السدود، وأيلولة الأراضي، والتعدين العشوائي، والزحف الصحراوي وحرائق النخيل، وكلها قضايا يجب التصدي لها وحلها بشكل مستدام.
التوصيات:
1- ضرورة تأهيل معبري أرقين وأشكيت وفق المعايير الدولية للمعابر؛ بتوفير كامل الخدمات والتسهيلات اللازمة للمسافرين، ولعبور البضائع؛ إذ أنَّ هذه المعابر يجب أن تشكل واجهة حضارية واقتصادية للبلدين، مع سد جميع منافذ التهريب.
2- مراجعة أسباب عدم الالتزام بتنفيذ اتفاقية الحريات الأربع، وغير ذلك من المشكلات مع الحكومة المصرية، وضرورة الوصول إلى اتفاقيات واضحة وملزمة للطرفين؛ بشأن ترتيب حركة عبور المواطنين والبضائع بين البلدين؛ بما يحقق مصلحة الطرفين، وبما يناسب متطلبات الأزمة الحالية التي تتفاقم بسبب عدم وجود مفاهمات تلبي الاحتياجات الضرورية.
3- ضرورة اهتمام حكومة الولاية والحكومة المركزية بالمسألة الأمنية من جوانبها المختلفة، التي تشمل دون حصر تأمين المرور على الطرق السريعة، وتأمين الطرق والحدود بين الولايات المتجاورة، ومع دول الجوار، وكذلك زيادة قوة الأجهزة العسكرية والشرطية المدربة في الولاية؛ لمواجهة التحدِّيات الأمنية، ومحاربة شتى أنواع الجرائم.
4- على حكومة الولاية التواصل مع الحكومة المركزية للضغط عليها حتى توفي بمتطلبات تمويل زراعة الموسم الشتوي؛ تفادياً لمخاطر المجاعة المتوقعة.
5- ضرورة قيام وزارة الشؤون الاجتماعية وإدارات المحليات بالتعاون مع لجان المدن والقرى بمحاربة جميع المظاهر التجارية غير المقننة، والمظاهر السالبة التي تصادم قيم المجتمع وتلك المخالفة للقوانين واللوائح والعادات والتقاليد المعروفة.
6- تشجيع رجال الأعمال من أبناء الولاية والمستثمرين، وتقديم تسهيلات متميِّزة لهم للاستثمار في مختلف المجالات، وبصفة خاصة المجال الزراعي، ومجال الصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية وغيرها.
7- مراجعة السياسات الخاصَّة بالتعدين الأهلي، وما يتصل بها من ممارسات خاطئة في طرق التنقيب واستعمال المواد المضرة للإنسان والحيوان، ومراجعة الشركات الاستثمارية العاملة في المجال بما يضمن أحقية وقانونية عمل تلك الشركات في المجال وإعادة النظر في الفوائد الناتجة لكل من الولاية والمركز وإعادة تقنينها
8- على حكومة الولاية، بجانب مواجهتها التحدِّيات الماثلة نتيجة للحرب، أن تعمل على إعداد خطة إستراتيجية وبرامج لحل المشكلات والقضايا الأساسية العالقة التي تتصل بالتنمية والاستثمار، وقضايا السدود، وأيلولة الأراضي الحكومية، والتعدين، والزحف الصحراوي، وحرائق النخيل؛ لحل جميع هذه المشكلات بشكل مستدام.