أحقا غادرتنا؟! أحقا غابت شمس حضورك الآسر في منابر الفكر الحر والنضال السياسي الحقوقي! احقا لن نلتقيك في أماسي امدرمان الثقافية المفرهدة باحاديث الفكر والسياسة و الأدب والفن والتاريخ فتفتح نوافذ بيتنا السوداني الكبير على شوارع المدنية وميادين الاستنارة! أحقا لن نر مجددا وقفتك المهيبة في المحاكم مترافعا بجسارة واقتدار مهني رفيع في قضايانا ضد السلطة الغاشمة!
احقا لن نراك مجددا في ساحات التضامن والدفاع عن حقوق الانسان والعمل المدني والنضال الديمقراطي!
احقا ما عاد بالامكان المزيد من الكتب والقصائد والروزنامات الفخيمة والأحاديث الشيقة التي تطوف بنا في تعاريج تجربتنا الوطنية وتستدعي احداثا وشخوصا ومعاني بفرادة في التعبير وسلاسة في الحكي ورصانة في الفكر!
هل من الان فصاعدا سنتحدث عن كل ذلك بضمير الغائب وصيغة الماضي!
كم كانت مراثيك التي تكتبها وفاء لمن رحلوا من رموزنا الوطنية مدرسة في تحويل الرثاء الى حياة جديدة للراحلين وضياء يكشف ما كان غائبا من سيرتهم!
ما احوجنا اليوم لجزالة لغتك وشاعرية تعابيرك لكي ننظم كلماتنا في وداعك كما يليق بمقامك السامي وبحزننا عليك!
يا له من فقد أليم لمناضل جسور قاوم بصلابة كل النظم الدكتاتورية وعلم وطني سيظل خفاقا في سماء بلادنا المكلومة!
لا حول ولا قوة الا بالله، تغمدك الله بواسع رحمته واسكنك فسيح جناته!
حرمتنا الحرب من ان نودعك الوداع الذي يليق بك! وحرمتك انت من ان ترقد في أرض وطنك متوسدا ارض السودان التي تغنيت لها شعرا ونثرا ، وفي سبيلها دخلت المعتقلات وقدمت التضحيات، وكنت ثمرة من ثمارها وتجليا لما هو كامن في شعبها من بذور العقلانية والاستنارة والشجاعة في مواجهة الباطل وإرادة النهوض والتقدم.
أنشدت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في تعلقها بتراب وطنها:
كفاني أموت عليها وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأُبعث عشبًا على أرضها
وأبعث زهرة إليها
تعبث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابًا، وعشبًا، وزهرة.
رحلت فدوى طوقان ودفنت في أرضها المحتلة وكتبوا على شاهد قبرها ” كفاني أظل بحضن بلادي .. ترابا وعشبا وزهرة”
ما أشقى بلادنا نحن التي ما عاد فيها من سبيل لا الى العيش الكريم ولا الموت الكريم! حتى مقابرها باتت عصية بعيدة لا يمكن الوصول إليها حاليا!
رحمة الله على الحبيب كمال الجزولي، واحر التعازي لزوجته الدكتورة فائزة ولابنه أبي وابنته أروى، ولأخته الاستاذة اميرة ولبنات اخته مي محجوب شريف ومريم محجوب شريف، ولكل افراد اسرته ولكل محبيه وعارفي فضله.
اللهم افرغ علينا صبرا واعنا على هذا الحزن الكبير.
رشا عوض
6 نوفمبر 2023