أفرزت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل الماضي وضعا استثنائيا شائها و غير مسبوق، انعكس سلبا على كل مناحي الحياة بالبلاد، و ذلك على نحو أدى الى تداعيات جمة أوردت المواطن موارد المعاناة الحقيقية، حيث عملت على تعطيل مصالح الناس بل و شكلت مهددا أساسيا لحياتهم. و لا شك في أن السبب الرئيسي في هذا الوضع هو انحسار سلطة الدولة في بعض مناطق البلاد و انعدامها في البعض الاخر ، ما قاد الى حالة اللادولة الحالية التي ساد في ظلها قانون الغاب Jungle Law في بعض المناطق، و ذلك بقدر انتقص من سيادة الدولة الداخلية على شعبها و أرضها. و تبعا لذلك فقد برزت الى سطح الواقع السوداني، منذ فترة ليست بالقصيرة، ظواهر شاذة تجافي الدين و الأصول السمحة و الأعراف السودانية الضاربة في القدم. و قد ألقت هذه الظواهر بظلالها السالبة على الحياة الاجتماعية في الكثير من المجتمعات السودانية و عملت على هتك النسيج الاجتماعي ضارية العلاقات الراسخة بين القبائل في مقتل.
و من هذه الظواهر ظاهرة اقامة نقاط جبايات بهدف تحصيل الرسوم من العربات التي تعبر الطرق المارة بدار حمر. و من المعلوم ان هذه الطرق تربط منطقة حمر ببعض جيرانها و بعض مناطق كردفان الأخرى و غيرها من مناطق السودان.
و حسبما توااتر من انباء فان هذه الظاهرة التي لا تشبه حمر و لا تتسق مع عاداتهم و أصولهم المرعية قد ارهقت عابري الطريق بمن فيهم مواطني المنطقة، ماديا. لذا فقد وجدت، منذ بداية العمل بها، استنكارا واسعا من الجميع.
و بهذه المناسبة فقد سبق لي و أن كتبت عنها مقالا بعنوان (مسرح اللامعقول) انتقدت فيه اقامة هذه النقاط و فوضى التحصيل التي ظلت تلازمها.
و ليس ثمة من شك في أن القانون يبيح لعابري هذه الطرق استخدامها عبر المرور بها لشتى الأغراض باعتبارها طرق عامة تعتمد عليها مصلحة المواطن وثيقة الصلة بحياته، و التي يعمل القانون على صيانتها و تجريم المساس بها او تعطيلها لاي سبب كان. كما ان الرسوم نفسها يجب، في الأصل، اخضاعها للقانون من حيث تحديد فئاتها النقدية و أسلوب تحصيلها و ذلك بناء على وجاهة و قانونية فرضها، بدلا من تركها هكذا بلا ضابط، تحكمها الأهواء و الاطماع الفردية و غيرها بل و تتم، أحيانا، تحت تهديد السلاح كما أكدت بعض الوقائع.
و طبقا لواقع الحال فان انعدام سلطة الدولة و تعطيل القانون بهذه المنطقة و بالكثير من مناطق كردفان في ظل ظروف الحرب الجارية قد قادا الى اخذ القائمين على أمر هذه النقاط القانون بأيديهم، الأمر الذي يمثل خطلا ذا عواقب وخيمة.
و قد قاد هذا الوضع الجائر و الشاذ الذي تضرر منه بعض اهالي منطقة دار حمر نفسها الى ضرر كبير بجيران حمر و أبناء عمومتهم من قبيلة دار حامد.
ذلك ان اللواري التي تعبر طرق دار حمر جيئة و ذهابا ناقلة البضائع و غيرها الى منطقة دار حامد ظلت تخضع كغيرها لعملية تحصيل الرسوم بهذه النقاط، خارج نطاق القانون و ذلك بشكل تعسفي و على نحو ولد نوعا من الغبن، كما أفادت الاخيار الواردة من هناك.
و هنا تجدر الإشارة الى ضرورة أن يعلم القائمون على أمر هذه النقاط او بالأحرى الجهات التي أوجدتها ان البضائع المنقولة لا تخص، في الغالب، سائقي اللواري بل ربما تخص قرية كاملة، تنقل لها ضروريات يعتمد عليها سكانها في حياتهم. علاوة على ذلك فان هؤلاء السائقين يقومون، في زمن الحرب، بدور مهم في حياة الناس من خلال نقل البضائع و السلع و البشر، معرضين حياتهم للمخاطرة. كما انهم يعولون بعائد هذه المخاطرة أسرا بلا دخل او رواتب شهرية.
و مما يجدر ذكره ان تجار الملح من دار حامد، على سبيل المثال، ظلوا يمرون ببعض طرق دار حمر منذ عهود السلطنات السنارية والفوراوية. كما ان ما يجمع بين دارحامد و حمر من رحم و دم و وشائج قربى و علاقات أخوة و عهود اجتماعية، ضارب في القدم. وبالتالي يجب ان لا تفسد هذه العلاقات بممارسات و تصريحات مجافية للحقيقة و غير لائقة، كما يجب عدم السماح لأصحاب الأجندات الخاصة بإفساد العلائق التاريخية بين القبيلتين الجارتين المترابطتبن.
و لا شك في أن الدور الأكبر في وضع حد لهذه الظاهرة، في ظل الظروف الحالية، يقع على الادارة الأهلية من القبيلتين، حمر و دار حامد، حتى تعمل على وضع حد لها تداركا لتداعياتها.
و تبعا لذلك فان علاج هذه الازمة يتمثل في قيام الادارة الأهلية من القبيلتين بعقد اجتماع في الخوي او النهود لتنظيم هذه المسألة، انطلاقا من المصلحة العامة و بعيدا عن أي احندات اخرى، ريثما تضع الحرب العبثية أوزارها. ذلك أن ترك الأمور هكذا دون علاج مع غياب الشرطة والجهات الأمنية بالمنطقة عامة سيجعل كل قبيلة تقوم باقامة نقاط تفتيش ونقاط جبايات ويحدث ما لا تحمد عقباه.