▪️الاشواق والمشاعر تسبق الخطي..هذا ما ادركته فى مطلع العام 1980 وانا قد حملت حقائب سفري متجها الي مصر طلبا للعلم …كانت مصر حاضرة فى وجداني منذ بواكير ايام الصبا وانا استمتع بقراءة مجلة سمير او التقي لوزة وعاطف وتختخ في مغامراتهم الشيقة اكاد اكون واحدا من اؤلئك السبعة لا بل كنت ثامنهم الذى يرافقهم اينما ذهبوا …اكتشف معهم الشخصيات المريبة داخل السيرك او مدينة الملاهي …ولربما ازدادت ثقتي بمعرفتي لمصر الفن والادب الرفيع كيف لا وانا كنت ولم ازل ادعي معرفة بروائع عباس محمود العقاد .. او كتابات الدكتور طه حسين ..تطربني ام كلثوم وهي تغني لجورج جرداق ( هذه ليلتي وحلم حياتي …بين ماض من الزمان وآت ..الهوي انت كله والاماني فأملأ الكأس بالغرام وهاته)…اكاد ادمن رائحة الاوراق ونكهة السطور فى روايات نجيب محفوظ او حكايات توفيق الحكيم …تاسرني مصر بصحفها الغنية ومجلاتها الانيقة المفيدة ..المصور وآخر ساعه .. وقبلها تلك المجلات التي عرفت من خلالها الدراسات الفكرية والفلسفية .. مثل الفكر المعاصر والكاتب .. ومنبر الاسلام .. والازهر ..وغيرها في صفحاتها تعرفت على كبار مفكري العالم ورواد الفكر الاشتراكي .. قرأت عن البابوفييين رواد المذهب الاشتراكي فى فرنسا واطلعت علي نواة الفكر الشيوعي فى معسكر صغير في انجلترا ومن ثم زودتني مجلات مصر الثقافية بملامح النظرية المثالية والتي ادعي كل من انجليز وكارل ماركس تصحيحها فيما عرف بالنظرية الماركسية …وبفضل المجلات المصرية واطلاعنا على ماينشر ازدهرت فى دواخلنا الرغبة في الكتابة ..حيث وجدت حروفنا طريقها للنشر على صفحات مجلة العربي التي تصدر فى الكويت ..ونحن لم نزل وقتها طلابا بالمرحلة الثانوية .. ..منحنا الاطلاع على الكتابات المشرقة للمثقفين العرب زهوا ونحن نجادل رفقائنا وزملائنا عن الديالكتيك ..او مقاصد ابن حزم الاندلسي فى مؤلفه طوق الحمامة .. او ماذا تعني الوجودية عند جان بول سارتر ؟ ….كانت تسعدنا الكتابات المنصفة لشعراء السودان ومثقفية وكيف ان الاديب معاوية محمد نور ذاك الاسمر الذى ادهش القاهرة واذهل كبار مفكريها…لسرعة تالقة فى سموات الفكر والصحافة والادب وسرعة انطفاء اضوائه بذات السرعة وفى ريعان الشباب مما دعي العقاد ان يبكي عليه فى مرثية طويلة يكفي ان نشير إلى بعض ماجاء فيها ( تبيت فيه الخلد يوم رأيته…وما بان لي ان المنية آتية ) ..
كانت مصر تستقبلني عند مدخلها الجنوبي فى اسوان بذات الرائحة التي كانت تعانق انفي كلما فتحت كتابا او مجلة طبعتها القاهر ة… ثم انها وبعد ان توغلنا شمالا تمنحنا عطرا برتقاليا أخآذا …ليصبح فيما بعد عطر مصر الذي اكاد اشتمه كلما طافت بذهني ذكريات قاهرة المعز او تجلت لناظري مناظر ريف مصر عند بني سويف …او روعة حسن الشواطيء فى الاسكندرية .. فعلي الاقل فأن مصر لم تكن تنظر إلىٌ بعيون ابليس كانت تفرح لتفوقي سنويا … لاتمايز بيني وبين ابنائها …تكتشف مواهبي وتهبني احساسا طيبا وثقة بقدراتي … اوليست هى
وطن المبدعين التى تحسن استقبالهم وتهيئ لهم البيئة المناسبة لأكتشاف مواهبهم وتنميتها والإنطلاق بها نحو فضاءات واسعة.. فالتحية لمصر صاحبة الحضور الجميل في ذاكرة عشاقها.