قال الشاعر :
أي صوت زار في الأمس خيالي
طاف بالقلب و غنى للكمال
و أذاع الطُهر في دنيا الجمال
و أشاع النور في سود الليالي.
هذه مقاطع من قصيدة وجدت طريقها الى أنامل رقيقة حين يغازل أوتار العود. فكأنت رائعة غنائية بنبرة صوتية تتوافق مع كلماته المكتوبة باللغة الفصحى و العامية (الدارجة السودانية). بصمة صوتية فخيمة لا تتغير، هي كما هي من المدائح التي تربى عليها حتى قصيدة صديقه الشاعر صديق مدثر :” صلّ ياربي على المدثرِ.. وتجاوز عن ذنوبي وأغفر”. مروراً بأغانية الشعبية الخفيفة :”أمير”، ” يا جار”،” طائر الهوى”،”ضنين الوعد”، جمال تاجوج “، “سكر .. سكر” الغنائية التي يغازل فيها فريقه نادي المريخ.
هو صاحب قلم عاطفي حين يكتب كلماته و يسطرها على الوراق . مهارة اكتسبها من والده الأديب و المترجم ، الذي ترجم بعض مسرحيات شكسبير في عشرينيات القرن الماضي، ليتم أداؤها عبر التمثيل المسرحي في مدارس مدينة (بورتسودان) التي أشرقت شمسها أنذاك بالفكر والمعرفة. بالإضافة التي الصداقة التي جمعت بين والده و الحاج سرور – رائد فن الحقيبة -، أنذاك.
هو المُلهم طرباً وفناً للكثير من عشاق الفن و التراث ، و من هؤلاء وهؤلاء الأديب و الدبلوماسي كرم الله احمد كركساوي، الذي اصدر كتاباً عنه بعنوان :”الكابلي على عرش الأغنية السودانية ، أحاديث و ذكريات”، اصدار دار النخبة للنشر ، القاهرة ، نوفمبر 2023م.
هو عبدالكريم بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز ، و لقبه الكابلي. مُطرب وباحث في التراث الشعبي السوداني.
ولد في مدينة بورتسودان عام 1932م ، و فيها حفظ القرأن في خلوة الشيخ الشريف الهادي، كما تلقى دروساً بين في مسجد (مسيد) الشيخ تندل بمدينة القضارف حيث دار والدته. درس الأولية و الوسطى في بورتسودان . و الثانوية في مدينة أم درمان حيث التحق بالكلية التجارية الصغري (سنتان).
التحق بالعمل في الهيئة القضائية عام 1951م ، حيث عمل مفتشاً ادارياً ، و تنقل بين العدايد من المدائن السودانية مع التدرج الوظيفي حتى أصبح كبير مفتشي المحاكم في عام 1977م . و حينها غادر السودان الى العاصمة السعودية الرياض ، حيث عمل مترجماً في احدى شركات القطاع الخاص (1978-1981م). حيث امضى سنوات يشتاق الى زمان مضى:” زمان الناس هداوة بال/ و انت زمانك الترحال ، قسمتك يا رقيق الحال / و مكتوب ليك تعيش رحال “. ذاك زمان ، كانت أم درمان حينها تعج بالفن و الفنانيين، فتأثر بتلك البيئة و هو الثامنة عشر من عمره. كانت الهوية و صقلها من خلال التنوع و التقاء العديد من الرواد في المدائن التي انتقل اليها بحكم العمل . فكانت أغنية “مروي”، مطلعها :” مروي فيك يا مروى / شفت كل جديد ، فيك شفتة عيون / لعبو بى شديد”. ايضاً الغناء لدرة الشرق ” كسلا “، قصيدة الشاعر توفيق جبريل:”نضر الله وجه ذاك الساقى انه بالرحيق حل وثاقى ﻓﺘﺮﺍﺀﻯ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻣﺰﺩﻭﺝ ﺍﻻﺷﺮﺍق”.
هو العشق للكلمة و تطويعها نغماً ، و من ثمّ الغناء للعديد من الشعراء ، نذكر منهم على سبيل المثال: قصيدة “نشيد الجامعة”، للشاعر عبد المجيد حاج الأمين ، التي أشعلت ثورة أكتوبر 1964م:”هبت الخرطوم في جنح الدجى/ضمدت بالعزم هاتيك الجراح/وقفت للفجر حتى طلعا/مشرق الجبهة مخضوب الجناح/يحمل الفكرة والوعي معا/والتقينا في طريق الجامعة/مشهدا يا موطني ما اروعا “.
كذلك قصيدة “أم بادر” للشاعر الناصر قريب الله. و قصيدة “إني أعتذر”، قصيدة “طائر الهوى” و القصيدتان للشاعر حسين الحسن. شقيق الشاعر تاج السر الحسن (1932-2013م) و قصيدته ” انشودة أسيا و أفريقيا التي كتبها بمناسبة مؤتمر(باندونج). و الرئيس جمال عبدالناصر من الداعين لانعقادها و تأسيس مجموعة حيادية بين القطبين الأمريكي و الروسي. و كان على موعد أن يُطرب في نوفمبر 1960م مع ضيوف السودان بصوت أذهل الحاضرين في القارتين لأنها من لحن و أداء عبدالكريم الكابلي:
عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمةْ
ويطل الفجرُ في قلبي على أجنحِ غيمةْ
سأغني آخر المقطع للأرض الحميمةْ
للظلال الزُرق في غابات كينيا والملايو
لرفاقي في البلاد الآسيويةْ
للملايو .. ولباندوق الفتيةْ
والتي أعزفُ في قلبي لها ألف قصيدةْ
يا صحابي صانعي المجد لشعبي
يا شموعاً ضؤها الأخضر قلبي
يا صحابي فأنا ما زرت يوماً أندويسيا
أرض سوكارنو .. ولا شاهدتُ روسيا
غير أني والسنا في أرض أفريقيا الجديدةْ
والدجى يشرب من ضوء النجيمات البعيدةْ
قد رأيت الناس في الملايو
مثلما شاهدت جومو
ولقد شاهدت جومو
مثلما إمتد كضوء الفجر يومُ
مصر يا أخت بلادي يا شقيقةْ
يا رياضاً عذبة النبع وريقة .. يا حقيقة ..
مصر يا أم جمال .. أم صابرْ
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الأعادي
فلقد مدّت لنا الأيدي الصديقة
وجه غاندي وصدى الهند العميقةْ
صوت طاغور المغني
بجناحين من الشعر على روضةِ فنِّ
يا دمشق .. كلنا في الفجر والآمال شرق
أنتِ يا غابات كينيا يا أزاهرْ
يا نجوماً سمقت مثل المنائرْ
يا جزائرْ..
ها هنا يختلط القوس الموشّى
من كلِّ دارٍ كل ممشى
نتلاقى كالرياح الآسويةْ
للملايو ولبنادونق الفتية.
تغني لعبدالناصر (جمال العرب) قصيدة الشاعر أبو أمنة حامد:” قُم صلاح الدّين وأشهد بعثنا / في لقاء القائد المنتصر/ شعبنا الأسمر من فرحته/يزرع الدّرب بحُبٍّ أخضر “. ليس ذلك فحسب فالفصحى لها مكانتها ، فمن القريض السوداني غنائية صوفية المشاعر – قصيدة المولد -، للشاعر محمد مهدي المجذوب.
و من جماليات الغزل الغناء لأبي نواس الشاعر العباسي اَلْحَسَنْ بْنْ هَانِئْ (762-813م) أجارَةَ بَيتَينا أَبوكِ غَيور* و مَيسورُ مايُرجى لَدَيكِ عَسيرُ ، وَإِن كُنتِ لا خِلماً وَلا أَنتِ زَوجَة * فَلا بَرَحَت دوني عَلَيكِ سُتورُ “.
عاشق الكلمة لابد أن يُتقن تطويعها للنغم فيصنع منها معزوفة مهما كانت عصية. و من ثمّ يخوض تجربة لحنية و غنائية لقصيدة ” نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَمْ تَنَلْهُ يَدِي نَقْشًا “، و ثقها في البومه الغنائي ” أمطرت لؤلؤاً “الصادر في القاهرة 1985م:( نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَمْ تَنَلْهُ يَدِي نَقْشًا ع** َلَى مِعْصَمٍ أَوْهَتْ بِهِ جَلَدِي / كَأنهُ طَرْقُ نَمْلٍ فِي أنَامِلِهَا ** أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّحْبُ بالبَرَدِ). و هي قصيدة في الغزل و وصف المحبوبة للشاعر يَزيد بن مُعاوية بن أبي سُفيان (647-683م).
ان الإصرار على التحدي عامل أساسي في شخصيته ، فقد تحدى نفسه بلحن و أداء القصائد القديمة و تطويعها للنغم السوداني (السلم الخماسي). فهو من الرواد الذين تغنوا بعدد من القصائد العربية ، فمن قريض المتنبي ” ورد الخدود “، و ” أرى ذلك القرب”، و مطلعها:” أَرى ذَلِكَ القُربَ صارَ اِزوِرارا /وَصارَ طَويلُ السَلامِ اِختِصارا ، تَرَكتَني اليَومَ في خَجلَةٍ/أَموتُ مِراراً وَأَحيا مِرارا”. ايضاً أبياتاً مجتزاة من قصيدة ابي الطيب المتنبي (915-965م): مالَنا كُلُّنا جَوٍ يا رَسولُ :” مالَنا كُلُّنا جَوٍ يا رَسولُ — أَنا أَهوى وَقَلبُكَ المَتبولُ” .
و يبدو أنه عاشق للشام و الدولة الحمدانية في عهدها العباسي ، حيث أبو فراس الحمداني(932 – 968 م) متحدياً نفسه في قصيدة “أراك عصي الدمع”، االتي غنتها أم كلثوم بالحان ثلاثية. حيث كان الأول في عام 1926م من لحن عبده الحامولي، و الثاني لحن زكريا احمد ، و الأخير غنتها في مسرح حديقة الازبكية 1965م. لحن رياض السنباطي (بياتي) استخدم البيانو لأول مرة.
كان الاختبار الحقيقي حين زارت أم كلثوم السودان في عام 1968م، و أحيت حفلتين موسيقيتين على خشبة المسرح القومي بام درمان، حيث غنت لأول مرة “هذه ليلتي و حلم حياتي”، للشاعر اللبناني جورج جرداق.
و حينها أقيم على شرف حضورها حفلاً في دار اتحاد الفنانيين السودانيين تحت اشراف وزارة الاعلام. و كان فارس الاحتفالية الكابلي ، الذي أذهل أم كلثوم نغماً على السلم الخماسي، حيث استطاع تطويع كلمات القصيدة:
“أراكَ عصيّ الدمع ِ شيمتك الصبرُ/أما للهوي..نهيٌ عليك ولا أمرُ/ بلي أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ / ولكنّ مِثلي لايُذاعُ له سرُّ “. و حسب حواره مع تغريد محمد بالتلفزيون العربي السوري، بأن اللحن تم قبل لحن السنباطي بثلاث سنوات.السؤال: كيف امكن تلحينها ؟ كيف كان الأداء الغنائي لها ؟ و الإجابة عند المختصين أن الكابلي مثقف و يحب التحدي حتى مع نفسه. فقد استطاع توظيف النغم ليكون معبراً عن الكلمة الجادة و موسيقاها.
و من ثمّ اختيار قصائد لشعراء كبار ، و تطويعها موسيقياً مثل قصيدة:” صدَّاح يا ملك الكنار* ويا أمير البلبل، قد فزت منك بمعبدِ** ورزقت قرب الموصلى”، للشاعر أحمد شوقي (1870-1932م). و مثلها قصيدة ” شذى الزهر “، للأديب عباس محمود العقاد (1889-1964م) ، و مطلعها :” شذى زهـر ولا زهــرُ * فـأيـن الظـل والنهـرُ ، ربـيـع ريــاضـنـا ولي * أمـن أعـطـافـك النـشـر “.
كما غرد بقصيدتين للشاعر علي محمود طه (1901-1949م) مجاراة للموسيقار محمد عبدالوهاب، الأولى أغنية الجندُول – من ديوان ليالي الملاح التائِه: ١٩٤٠م -، التي شارك بها في مهرجان فينيسيا :
أين من عينيَّ هاتيك المجالي؟ ** يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخيالِ
أين عشاقُك سُمَّارُ الليالي؟ ** أين من واديك، يا مهدَ الجمالِ؟
و الثانية أغنية ليالي كليوبترا – من ديوان زَهْرٌ وَخَمْرٌ: ١٩٤٣م -، : ” كليوبترا! أيُّ حُلْمٍ منْ لياليكِ الحسانِ ، طافَ بالموجِ فغنَّى وتغَنَّى الشاطئانِ ، وهفَا كلٌّ فؤادٌ وشدا كلُّ لسانِ “.
و من اغانيه الموشحات التي جارى فيها المطرب السوري صباح فخري (1933-2021م). خصوصا موشحات ابن سناء الملك المصري (1150-121م):” كللي يا سحب تيجان الربا بالحلي واجعلي سوراها منعطف الجدول ، يا سما فيك وفي الأرض نجوم وما كلما أخفيت نجما أظهرت انجما “.
و الغناء للشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري (1936-2015م)، حيث لحن قصيدة معزوفة لدرويش متجول – من ديوان الشاعر بنفس الاسم الصادر في عام 1971م :” فى حضرة من أهوى ** عبثت بى الاشواق،
وحدقت بلا وجه ** ورقصت بلا ساق”. و من ثمّ فإن إرتباطه وعشقه للتراث جعله يطيل البحث فيه، فهو يؤمن بأهمية إحترام التعددية الأثنية في المجتمع لأنها تكتنز علي إرث متباين وزاهي الألوان ويفيض بالفنون . و هي متلازمات في نصوصه الغنائية نجدها في أغنية “قمر دورين” ، التي ولدت بالغربة – السعودية – ،:
شمس الصباح .. والصباح رباح /شمسك يا وطني /أهلي الفصاح .. أسياد الصلاح /درعك ياوطني /كل الملاح .. الجمالن فاح /مهرك يا وطني /إنت عندي كبير /وشوقنا ليك كتير /والقومه ليك ياوطني”. و قد أوضح المقصود بدورين للمتلقي خارج السودان بالشرح حيث الدور هو الأسبوع في التراث العربي. و من ثمّ قمر بدورين معنى بليغ للجمال حين يصبح القمر بدراً بعد أسبوعين (دورين) . هذه القيمة نادرة في عصرنا الحاضر لا تجدها الا في التراث الشعبي السوداني.
أغانيه متنوعة بكل الألوان حسب ما أشار في أكثر من لقاء اعلامي ورقي او ملتفز . نذكر على سبيل المثال ظهوره على الفضائية السورية حيث استضافته الإعلامية تغريد محمد ، و في الصحافة نذكر على سبيل المثال صحيفة الشرق الأوسط. و مما ورد بهذا الخصوص قوله :” أنا غنيت بكل الألوان، لشعراء من داخل السودان، أمثال صديق مدثرالذي غنيت له «يا ضنين الوعد» وحسين الحسن في اغنية «حبيبة عمري» الى جانب مجموعة اخرى من الشعراء السودانيين، كما غنيت لشعراء من خارج السودان، مثل عباس محمود العقاد في قصيدة «شذى زهر» وغنيت كذلك لشعراء سودانيين بالكلمة الدارجة الى جانب ما كتبته أنا، ثم غنيت الفصيح لشعراء قدامى، فأنا إذا اعجبت بالشعر ألحنه، فمثلا اغنية «فضة» كانت منشورة في صحيفة وعرضها علي صديق فقمت بتلحينها “.
فضة اسم الفتاة الأمازيغية المناضلة التي دافعت عن وطنها في أحراش الجزائر. و أصبحت هدفاً للفرنسيين حتى التصفية الجسدية. تم تهريبها من قبل الثوار الى البحرين ، لكن قدرها المحتوم أن يتم اغتيالها . قصة التقطها الشاعر البحريني علي شريحة – لم أعثر على أي معلومة عن الشاعر -، قصيدة أغلى من لؤلؤة:”أغلى من لؤلؤة بضة / صيدت من شط البحرين/ لحن يروى مصرع فضة/ ذات العينين الطيبتين /كتراب الحقل كحفنة ماء / كعناق صديقين عزيزين / كملابس جندى مجروح/ مطعون بين الكتفين /ذات الخطوات الموزونة/ كصدى الأجراس المحزونة / كلهاة الطفل بقلب سرير/ لم تبلغ سن العشرين / واختارت جيش التحرير “.
قام الكابلي بوضع لحن للقصيدة حتى خلد بها شجاعة المناضلات الجزائريات. و أصبحت الأغنية رمزية للحرية و النضال الوطني ممثلاً في شخصية المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد. و سبق ان هتف للجزائر الحرة بغنائية:”يا جناح الشوق طِرْ بي يا جناح / عبر هاتيك الروابي واحمليني/ و انثريني يا رياح عبر هاتيك الروابي /كى أرى الأرض الفتية / غسلتها بالدم القاني الشرايين الذكية / فلها ألف سلام ولها ألف تحية”.
الغناء للحرية و التعاضد مع الأشقاء في فلسطين بقصيدة سطرها الشاعر عزيز أندراوس ، صاحب ديوان الشاطئ المهجور :” يا فلسطين اسلمي ، بدمي سأكتب فوق أرضك يا فلسطين اسلمي/ وأموت يا “ يافا ” شهيد الوعد واسمك في فمي “.
و لإريتريا نصيب من الغناء ، حيث سافر اليها مع تباشير الاستقلال على رأس اول فرقة فنية تشارك الاريتريين أفراحهم، فكتب أغنية “اريتريا للعلا”، و شاركته الفنانة حنان الليل حينها بالغناء:”اريتريا يا موطني/ يا سماء المجد و العلياء/ قولي و اشهدي. اريتريا موطني/ و هي حبي و غرامي. اريتريا موطني/ افتديها بحمامي/
و الجراحات وسامي/ و هي حبي و غرامي/ هل تعلم تواني لحظة / عند الفداء المفتدي. اريتريا ارضك السمراء/ أمسي و غدي/ كم شهيد باسم الثغر / مضى كي تسعدي . فوق هاتيك العوالي /برسل الكاسر عينه/ ضيغميء لا يبالي/ غارم يطلب دينه/ أضرمت فيه الليالي/ حرص من يرقب حينه. اريتريا .. اريتريا للعلا “.
من اريتريا الى الزهرة الجديدة عاصمة أثيوبيا ، و غنائية – المرايا – غزلية ، كتبها في اديس بابا : و الوصف الجمالي فيه شيئاً من الحقيقة:” شوق و نغم/ و قلوب فرحانه، ذوق و نغم/ و عيون سرحانه ، نور و زهور
عطور/ و استلم المجال، صوت منساب بلور/ شبخ الناس قلال ، خفة روح عصفور/ و اشراقات خيال “.
هذا الكابلي عاشق الكلمة و اللحن و المعاني التي يستخرجها من التراث. يقرأ و يحاضر عن الفن الشعبي التراثي. و الحريص أن تتضمن تفاصيل الحياة عن السودان خصوصاً، و المبادئ و القييم الإنسانية بصفة عامة. و له وجهة نظر حول الفن ، حيث لا يفهم الفن بعيدا عن الالتزام، معتبرا أن الحالة الراهنة للغناء – أثناء اجراء حوار معه في صحيغة الشرق الأوسط 2003م- ، تعكس انعدام الالتزام في حياة الفرد العربي، انطلاقا من أن الفن تعبير صادق للحياة، وعندما يتدنى مستوى الأمم ينحدر مستوى الفن لدى شعوبها، التي صارت تسمع بأقدامها وليس بآذانها.
رحل بصمت حيث وافاه الأجل فجر الجمعة، الثاني من ديسمبر 2021م في الولايات المتحدة. و فيها دفن قبل أن يتم نقل رفاته لاحقاً الى السودان بناءً على وصيته أن يُدفن في وطنه. و كتب عنه الكثير، ربما تكون رثائية صديقه حسين خوجلي الأكثر ايجازاً في مقالة سطرها في موقع النيلين بتاريخ 2021.12.03م و مختصرها في خاتمة المقال:” وإني أعترفُ بأنني على سعةِ ما قرأتُ في أخبارِ الأدباء والظرفاء والمغنين لم أجد مغنياً عربياً منذ زرياب والموصلي ودرويش والخليل وثوما وعبد الوهاب وحليم وفيروز ووديع أكثر حزقاً وتعدداً وإحاطةً وثقافةً وإبداعاً من عبد الكريم عبد العزيز الكابلي باختصار الكابلي الشاعر والملحن والمغني والباحث والمثقف والمترجم والمؤرخ ورجل المجتمع وعطر المنابر والمنتديات لم يكن أحد المطربين العرب الكبار بل كان بنظرية الحب الكبير أميرُ الفنانين وسلطان العاشقين “.
jaliloa1999@gmail.com
أعجبني المقال و لغة راقية يليق بشخصية أمير الاغنية السودانية