يبدو ان خطاب الجنرال عبدالفتاح البرهان ،القائد العام للقوات المسلحة ،رئيس مجلس السيادة الانتقالي،الذي وجهه للجيش فعي جبيت ،مساء امس ،الجمعة ،الخامس من يناير،هو آخر خطاب له، والحرب تقترب من نهاياتها. فقد قال – في الخطاب الذي اثارت لغته الحادة ،ولازالت ،ردود افعال عنيفة في الداخل – كل ما عنده، ولم يستبق شيئا. وحسم ،على نحو خاص ،خياره بحسم المعركة عسكريا لكن بسلاح المستنفرين، احدث المليشيات ،التي يرعاها الجيش، ويجري تسويقها باعتبارها (ارجل زول في السودان )،بتعبير انس عمر. يعتبر الرهان على مستنفري، الحركة الاسلامية، تحت عنوان المقاومة الشعبية ،اخر محاولة لابقاء الحرب مشتعلة ، علامة بارزة على تراجع مبدئي من قبل دعاة الحرب ومشعليها،من فلول النظام المقبور والاسلاميين، عن الاعتماد كليا،على الجيش ،بعد انسحاب احدى فرقه من مدني عاصمة ولاية الجزيرة ،اثر تقدم قوات الدعم السريع في المنطقة. وهو انسحاب سبقته انسحابات مماثلة للجيش من بعض مواقعه في غرب السودان. وعلامة من علامات نهاية الحرب،عمليا.
ومع ان خطاب جبيت ،الانفعالي،اتسم برد الفعل القاسي والحاد، ايضا، على حديث للجنرال محمد حمدان دقلو ،حميدتي،خلال لقائه مع قادة تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية ،”تقدم “، في العاصمة الاثيوبية ،اديس ابابا،مؤخرا،بما انطوى عليه من تكريس للجنرال حميدتي كطرف في التسوية السياسية الجارية لازمة البلاد،عبر اعلان اديس ابابا ،الا انه يبدو من الجلي، ان الخطاب الرسمي، في عمومه، حول قضايا الحرب والسلام في البلاد، لم يتطور ،من قبل سلطة الامر الواقع، ويرتقي ،لمخاطبة الراي العام،في الداخل والخارج،بطريقة مقبولة وعقلانية ،منذ حديث البرهان امام الجمعية العامة للامم المتحدة في اخر اجتماعاتها،بعد ان وضح بشكل ملحوظ ،تخلف هذا الخطاب، وعدم قبوله في مختلف الاوساط السياسية، الاقليمية والدولية.وفيما ينعزل البرهان، مجددا ،في بدروم التعنت والانفعال والرفض السلبي لمساعي وجهود السلام،فانه يخسر ،مرة اخرى ، في الميدان السياسي والديبلوماسي ،لصالح الجنرال حميدتي، الذي يقدم نفسه،منذ بعض الوقت ،ضمن ترتيب اقليمي ودولي ،كداعية للسلام،يجد خطابه الترحيب و القبول ، وبما يعمق عزلة البرهان، ويضاعف خسائره السياسية ،قبيل انعقاد الجلسة الوشيكة ، التي تجمعه مع حميدتي،في جيبوتي،وفقا لمقررات قمة ايغاد الاخيرة حول السودان.
الارجح ،حتى الان ،ان يمتنع البرهان عن لقاء د.عبدالله حمدوك ووفد تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية ،الذي التقى حميدتي،في اديس ابابا ،مؤخرا، كامتداد للجهود الاقليمية والدولية الرامية لانهاء الحرب. ويفشل هذا اللقاء في مهده، منذ ان رفض مقدما،اعلان اديس ابابا الموقع بين حميدتي والتنسيقية ، والذي سيكون،على الارجح ،هو موضوع اللقاء.من الناحية الاخرى ،لم يحدد البرهان،على نحو قطعي، ما اذا كان سيقابل حميدتي ام لا. فخطاب جبيت ، الذي غذى الخصومة السياسية بخصومة شخصية ،من شأنه ان يثير بعض الاشكالات على طريق اللقاء. وقد تفسده ان تم. ربما يكون لقاء البرهان -حميدتي،المرتقب،اخر فرصة للسلام ،ويعني الفشل في عقد اللقاء ،ايا كانت الصعوبات التي تكتنفه،او في ابرام اتفاق لانهاء العدائيات ووقف اطلاق النار فورا مرحلة جديدة من تصعيد القتال وتوسيع دائرة الحرب ،في المناطق التي لم تصلها الحرب بعد ،وما يتصل بذلك من تفاقم معاناة المواطنين،الذين باتوا يتشردون من مركز ايواء الى اخر بحثا عن امان مغقود.