من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يحسم أي من الطرفين المتقاتلين حرب السودان بالضربة القاضية. لذلك سيستمر التدمير والنزيف، والخاسر الأكبر هو الوطن والمواطن. لذلك، أي خطوة، من أي جهة كانت، في اتجاه وقف الحرب في السودان، تجد منا الدعم والتأييد. ومن هنا، فإن لقاء تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» وقائد قوات الدعم السريع نراه خطوة إيجابية تستوجب الدعم المباشر. وفي هذا الاتجاه نتقدم بالنقاط التالية:
أولا، نرى ضرورة أن تتواصل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» مع كل القوى المدنية والسياسية غير المنضوية فيها، وكذلك القوى الدولية والإقليمية الصديقة، وتنورها باللقاء وتفاصيله، وبتقييمها الخاص له، وإستماعها لانتقادات هذه القوى.
ثانيا، غض النظر عن الإشارات غير المقبولة تماما والتي وردت في الخطاب الأخير لقائد الجيش، أرى التقاط ما جاء في الخطاب من استعداده للقاء «تقدم» في بورتسودان، وإجراء الإتصالات الضرورية لتحديد موعد هذا اللقاء في أقرب فرصة. كما أرى أن تتضمن نقاط النقاش، نقطتين هامتين: الأولى، حملات القمع والاعتقالات التي ينفذها جهاز الاستخبارات العسكرية ضد القيادات السياسية ونشطاء غرف الطوارئ والمنظمات العاملة في مجال العون الإنساني. والنقطة الثانية، حث قائد الجيش للقاء قائد قوات الدعم السريع في أقرب وقت ممكن، حسب قرار قمة الإيقاد.
ثالثا، وحتى يكتسب نشاط وحراك تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» شرعية التمثيل لأوسع قاعدة من القوى المدنية السودانية، وهو ما تفتقده حاليا، عليها الانخرط في التحضير السياسي والإجرائي لمؤتمرها التأسيسي وعقده في أقرب فرصة، مع أهمية الوصول لكل أطراف القوى المدنية والسياسية، وعدم إقصاء أي مجموعة، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لها، مادامت هي الآن تقف ضد الحرب، وإشراك الجميع في تفاصيل التحضير، مع التقيد بالشفافية في كل خطوات العمل، والتي يجب أن تكون بعيدة عن أي مؤثرات خارجية، دولية أو إقليمية.
رابعا، كثيرون يتخوفون ويتشككون من أن اتفاق تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» وقائد الدعم السريع، ربما يسير في اتجاه العودة إلى أوضاع ما قبل إندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان الماضي، أو أن أي عملية سياسية قادمة قد تشارك فيها الأطراف العسكرية، أو أنها لن تكون من تصميم وقيادة القوى المدنية، مما يعني إعادة إنتاج الأزمة. تبديد هذه الشكوك وإزالة هذه المخاوف يقع عبئه على عاتق تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم».
نرى ضرورة أن تتواصل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» مع كل القوى المدنية والسياسية غير المنضوية فيها، وكذلك القوى الدولية والإقليمية الصديقة
صحيح أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، هما الطرفان اللذان تقع على عاتقهما مسؤولية وقف الحرب، لكنهما لا يمكن أن يحددا هما فقط مصير السودان بعد الحرب. ومن هنا، لابد للقوى المدنية والسياسية السودانية أن تفرض تواجدها، عبر أوسع جبهة مدنية موحدة، وتنخرط في حوار سوداني سوداني يبحث الترتيبات اللاحقة من أجل إرساء حل سلمي يعيد البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة. وهذا يتطلب أن تنخرط هذه القوى في إعداد رؤية موحدة حول هذا المسار، بعيدا عن ممارسات ما قبل الحرب، وبمشاركة الجميع ودون إقصاء، إلا من ينادون باستمرار الحرب.
وهناك مسألة عاجلة وهامة، من الضروري أن تنتبه إليها القوى المدنية السودانية وتبحث كيفية التعامل معها، وهي ظاهرة التجييش والتسليح وتكوين المقاومة الشعبية المسلحة. فالنظر إلى هذه المجموعات المسلحة باعتبارها كلها من صنع فلول النظام البائد، يعكس قصر نظر. فمعظم هذه المجموعات تشكلت كرد فعل للانتهاكات الواسعة من قوات الدعم السريع بحق المواطنين، في حياتهم وممتلكاتهم وأعراضهم. لكن، صحيح أن مجموعات الفلول تسعى للاستفادة من هذه المجموعات المسلحة، وربما كونت بعضها، وتعمل على تجييرها لصالح خدمة أهدافها المعادية لثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 ولصالح الانتقام من قوى الثورة.
لا بد أن تواجه القوى المدنية السودانية هذه الظاهرة، بدءا من تقديم خطاب إعلامي يفضح بقوة ويدين انتهاكات قوات الدعم السريع، ويرفض هوس التسليح والدعوة لتكوين المقاومة الشعبية المسلحة بإعتبارها ستصب في توسيع نطاق الحرب إلى حرب أهلية شاملة، ودائما ما ستكون بوصلتها القتل على أساس الهوية أو الانتماء السياسي، وغالبا ما تكون نتيجتها تقسيم البلاد وتفتيت وحدتها. والخطاب الإعلامي وحده غير كاف، ولا بد أن تتبعه خطوات عملية عبر التواصل مع القيادات الدينية والأهلية والمجموعات الشبابية داخل البلاد. وصحيح أن المقاومة الشعبية مطلوبة، ولكنها المقاومة السلمية الرافضة للحرب، والتي في إمكانها ابتداع عشرات التكتيكات السلمية لوقف الحرب.
ومن زاوية أخرى، وبالنظر إلى اتساع نطاق الإنتهاكات في البلاد، وإتساع حجم التدمير في البنية التحتية، وازدياد التوتر الإثني والعرقي في البلاد، وبهدف الحفاظ على أرواح المواطنين، وبالنظر إلى فشل منبر جدة في إيقاف الاقتتال، فلربما تبحث القوى المدنية السودانية طلب التدخل الدولي المباشر، على أساس الشرعية الدولية ووفق نصوص القانون الدولي، لفرض وقف الاقتتال وإقامة ممرات آمنة تسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المحاصرين في مناطق العمليات، وبتدفق المدخلات التي يمكن أن تساعد في بدء دوران عجلة الإنتاج في المناطق والولايات البعيدة من مسارح العمليات العسكرية، وذلك في ظل ما سببته الحرب من خلل في أداء البنوك وشح السيولة النقدية وانعدام المرتبات وغياب المؤسسات المعنية وضرب القطاع الخاص…الخ.
هذا التدخل الدولي المباشر يمكن أن يتم من خلال الآليات المتاحة والممكنة حسب الشرعية الدولية، وبمشاركة دولية وإقليمية واسعة، وخاصة من دول الجوار، بهدف دفع الطرفين للتفاوض الجاد حول وقف الاقتتال. وهذه الآليات تشمل: منع تدفق الأسلحة والذخيرة إلى الطرفين، تجميد الأرصدة والحسابات في البنوك العالمية والإقليمية، فرض العقوبات الرادعة على المؤسسات والأفراد من الطرفين، وصولا، إذا اقتضى الحال، إلى فرض إعادة تموضع القوات المتحاربة بإرسال قوات إقليمية ودولية لإقامة عدة مناطق خضراء، أو منزوعة السلاح.
نقلاً عن القدس العربي