هذا المقال موجه بشكل خاص الي كل الحالمين بالعودة الي الخرطوم ، كل الذين يتعرضون للخداع صباح كل يوم بواسطة الاعلام الرسمي او الشعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، الي كل الموعودين بالتحرير واقتراب العودة بعد نصر مبين – اكتب اليوم من قلب الخرطوم الجريحة لانقل لكم صورة حقيقية مجردة من اي عاطفة كما رايتها بأم عيني بعد عودتي الي الخرطوم بعد اكثر من تسعة اشهر غيابا عنها . كثيرون يكتبون ما يتمنونه ويحلمون به ، وكثيرون يبالغون في التفاؤل ، وغيرهم يكتب مايتوقع ، غير اني ساكتب الحقيقة وليس شيئا غيرها دون تحيز لاي فئة واشهد الله علي صحة كل حرف في هذا المكتوب .
كان عسكري الجيش الذي رأيناه عند مدخل مدينة ( حطاب ) شمال بحري هو الاول والاخير الذي نقابله من الجيش طوال رحلتنا من مدينة شندي قاصدين الخرطوم ، وكان ذلك في ارتكاز صغير وفقير من ناحية العدد والسلاح ، ثم بعد ذلك كان الطريق كله يحتشد باعداد هائلة من جنود الدعم السريع ، وبارتكازات متقاربة ، وصلنا الحاج يوسف فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ولاوجود للجيش ، عبر كبري المنشية تشاهد بقايا سيارات محترقة ومتناثرة علي جانبي الطريق ، واثار القصف علي بعض المباني ورائحة الموت تملا المكان ، ندخل الخرطوم ويستمر الغياب الكامل للجيش وانتشار مكثف لجنود الدعم السريع يزرعون الشوارع جيئة وذهابا بمختلف انواع العربات والدراجات البخارية ، حركة دائبة علي شارع الستين والافق يحمرّ امامك ويصفرّ ثم يخضرّ باختلاف لون (الكدمول ) ، الارتكازات متقاربة جدا من بعضها البعض ، والتفتيش يستهدف فئة عمرية بعينها ومن يعتقدون فيه انتماءا للعسكر او ( الكِيزان ) كما يقولون ، بعضهم شديد التهذيب يحدث الركاب بكل احترام ، وبعضهم فظ غليظ القلب فهم يتباينون ، تجولت في المدينة بكاملها فوجدت صورا متطابقة ، اعدادا هائلة من الجنود أخفهم تسليحا من يحمل بندقية علي ظهره لكنهم – للامانة – لا يسألون مواطنا باي حال وربما هذا الانتشار بهدف اظهار القوة او لتاكيد سيطرتهم علي ماكانت تعرف بالعاصمة الخرطوم .
لاوجود ل( بل الجنجويد )، ولا قضاء علي متحركات ، ولا تحرير لاي منطقة بالخرطوم الا علي قروبات الكيزان بالوسائط ، اما علي ارض الواقع فالصورة كما نقلتها لك دون زيادة او نقصان .
الخلاصة عزيزي النازح ، اذا كنت تريد العودة الي منزلك بالخرطوم فعليك ان تهيئ نفسك للاعتراف بهذا الواقع ، وتحاول أن تتعايش مع الوضع الجديد ، أو..تقبل باكمال حياتك حيث نزحت هاربا من الحرب ، ولكن ان تنتظر تحريرا من الجيش للخرطوم – فهو انتظار سيطول .
الخرطوم الأحد الموافق 7 يناير 2024
كاتب البوست هو الكاتب الصحفي عماد الدين عمر الحسن