تابعت منذ أمس حملة منظمة معلومة المصدر لاتهامي بالتستر على انتهاكات قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها عبر نفيها وتبريرها والقفز مباشرة الى تكريس اكذوبة ان من يقولون لا للحرب هم حلفاء حميدتي وحاضنته السياسية، وكل وذلك استنادا الى اجتزاء مقطع نصف دقيقة من حلقة حوارية استمرت لأكثر من ساعة في تلفزيون الشرق من تابعها سيفهم السياق كاملا، ولكن من اين لجنود ابليس الامانة والموضوعية وهم من محترفي صناعة الاكاذيب لاغتيال اي شخصية عجزوا عن مقارعتها فكريا في القضايا المركزية.
مجمل مداخلاتي في الحلقة ركزت على ان مصلحة المواطنين الراجحة والاكيدة هي ايقاف طاحونة الحرب عبر حل سياسي تفاوضي لأن استمرار الحرب لا يعني سوى استمرار الانتهاكات وتقسيم البلاد وللتدليل على قبح الحرب ذكرت ان ازمنة السلم لم تشهد انتهاكات كالتي تمت في هذه الحرب رغم ان قوات الدعم السريع كانت موجودة وبعشرات الالاف في الخرطوم فما هو الخطأ في ذلك؟ خصوصا ان من ضمن المشاركين في الحلقة من كان يدافع عن الخيار الذي يقود الى استمرار الحرب وتوسيع رقعتها عبر الدعوة الى تسليح المواطنين وانخراطهم في القتال فكان لا بد من الرد على طرحه بان دعوته هذه ضد المواطنين وسوف تعرضهم لانتهاكات اوسع وافظع وشرح ان العاصم للمواطنين هو تحقيق السلام وليس صب مزيد من البنزين على نيران الحرب، فما المشكلة في ذلك؟ هل واقع السلم وواقع الحرب متساويان؟ هل من عاقل يغالط في بداهة ان واقع الحرب هو الارضية الخصبة التي تنبت الانتهاكات بحكم الفوضى وانهيار النظام القانون! هل من دولة في العالم غرقت في الحرب وسلم مواطنوها من الانتهاكات ابتداء من دول العالم المتحضر في اوروبا مرورا بالدول العربية وصولا الى قارتنا الافريقية المنكوبة! هل من كان صادقا مخلصا في حماية المواطنين من الانتهاكات يمكن ان يكون بوقا لاستمرار الحرب وتوسعة رقعتها في ظل جيش هارب ومتنصل من ادني مسؤولية تجاه المدنيين وفي ظل شياطين يوزعون السلاح بعشوائية في عملية ستفاقم الانتهاكات إذ انها ببساطة ستجعل كل مواطن هدفا عسكريا مشروعا وبدلا من فقدان الاموال والعربات والطرد من المنازل سيفقد الناس ارواحهم وبالجملة عندما يصبحون طرفا مسلحا في الحرب، وبداهة من يدفع المواطنين الى القتال فهو يريد استغلال المواطنين والاستثمار في آلامهم ومعاناتهم لدفعهم دفعا لخوض معركته السياسية ولا يهمه الويلات التي سيتعرضون لها.
الترويج الكثيف للمقطع المجتزأ هدفه سياسي بامتياز وهو رد فعل على ما طرحته من أفكار سياسية هم عن مواجهتها عاجزون فاستخدموا السلاح الوحيد الذي هم فيه ماهرون وهو إثارة الغبار الكثيف حول صاحبة الرأي لحجب رأيها تماما! وكذلك إثارة الغبار حول تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” التي برزت بقوة وتصدت لمهمة التعبير عن صوت المدنيين والانحياز الحقيقي لهم عبر بذل كل ما في الوسع لإيقاف هذه الحرب لأن ايقافها هو الحل الجذري لمعاناة المواطنين، فالفلول ومشايعيهم وعملائهم هدفهم الاستراتيجي الآن هو التعبئة الحربية وبث خطاب الكراهية والحرب ويريدون اخراس اي صوت للسلام وهيهات!
لست بحاجة لان أقدم مرافعة عن نفسي أثبت فيها براءتي من تأييد انتهاكات الدعم السريع ضد المواطنين وتبرئته من المسؤولية عنها امام محاكم تفتيش منصوبة بواسطة ابواق النظام الذي بدأ عهده بدق مسمار في رأس طبيب وانتهى بدق خازوق في جسد معلم وبينهما الإبادات والمجازر الجماعية التي نفذها الجنجويد تحت سمع وبصر وتخطيط ومشاركة اساتذة حقوق الانسان الجدد وجيشهم الهمام!!
تركتهم يستمتعون بتداول المقطع فرحين بالعثور على كنز جديد ربما يجعل الجمهور المستهدف بالتضليل ينسى أكذوبة ساعة الحسم واكذوبة موت حميدتي ودفنه مبتور الساق ومفقوء العين بعد غسل جنازته وتكفينه بواسطة احد اقرباء مبارك الفاضل! واكذوبة تحرير الخرطوم انطلاقا من مدني بواسطة المستنفرين!
ولكنهم يتناسون ان ارشيفي المكتوب والمسموع والمرئي مبذول في الصحف والاسافير على مدى عقدين من الزمان! منذ ايام موسى هلال وحريق دارفور ونزع مقالاتي بمقص الرقيب او رفض نشرها لانها تردد الدعاية الامبريالية والص هيونية ضد النظام الاسلامي إذ كانت انتهاكات الجنجويد في ذلك الحين جهادا في سبيل الله لانهم كانوا في حماية سلطة الكيزان ! ومنذ جرجرتي الى المحاكم بسبب انتقاد انتهاكات جهاز الامن! ومنذ ان كان اساتذة حقوق الانسان الجدد يلعقون بوت البشير رمز السيادة الوطنية ويجب ان نجاهد الكفار الذين اصدروا ضده امر قبض من محكمة الجنايات الدولية بسبب “الانتهاكات الجهادية” في ذلك الوقت وكنت انا ومن موقع الانحياز للضحايا انادي بتسليم البشير واحمد هارون لمحكمة الجنايات الدولية بدون لجلجة!
وحتى في سياق هذه الحرب حديثي عن إدانة الانتهاكات موثق بصورة متواترة وكل من يغالط في ذلك كذاب ووقح وبجح أومجند بوعي او بدون وعي في كتائب الجداد الالكتروني وغرف الدعاية الحربية، ودائما الفجور في الخصومة يجعل صاحبه شاهد زور يتعامى عن الحقائق المجردة ولكن مهما بلغ الفجور فلن ينجح الفجرة في محو مئات المقالات والمقابلات التلفزيونية ومقاطع البودكاست والبوستات في هذه الصفحة بمقطع مجتزأ من سياقه ينشط في ترويجه الأمنجية.
الهستريا الي صاحبت ترويج مقطع الفيديو المجتزأ ، سببها هو الموقف النزيه المنحاز فعلا للضحايا في قضية الانتهاكات، وخلاصته كما وردت في مقالتي بعنوان “حرب السودان وابتذال قضية الانتهاكات المنشورة بصحيفة التغيير 23 يوليو 2023 التي قلت فيها بالنص ” الحرص على سلامة المواطنين يقتضي السعي لإيقاف الحرب لتجفيف منبع الانتهاكات وقطع جذرها الرئيس، ولكن من وجهة نظري ، أثناء الحرب يجب أن تدين القوى المدنية الديمقراطية الانتهاكات المصاحبة للقتال انتصارا لمبادئ حقوق الإنسان في المقام الاول، و كجزء من عملية التعبئة ضد الحرب وتعرية أطرافها وعزلهم سياسيا، وتكريس خيار السلام والحلول السياسية التفاوضية، ويجب أن يصدر ذلك عن منصة مستقلة سياسيا عن طرفي القتال، فلا تتردد في كشف تفاصيل الانتهاكات وادانتها وتسمية الجهة المسؤولة عنها دون أغراض سياسية، ويجب أن يكون لدينا مرصد مستقل لتوثيق جرائم التعذيب والقتل والاغتصاب والاعتقالات والاخفاء القسري ونهب الممتلكات وطرد المواطنين من منازلهم واحتلالها وكل ذلك بشكل مهني يتحرى المصداقية استعدادا لتحقيق العدالة للضحايا مستقبلا ، فلا للصمت او التستر على انتهاكات الدعم السريع، ولا للصمت او التستر على انتهاكات الجيش”
وطبعا الكيزان ضد التصدي للانتهاكات من منصة ديمقراطية تدعو للسلام، وحياة المواطنين لا تعنيهم اصلا، بل يريدون استخدام الانتهاكات كوسيلة للتجييش والحرب الاهلية والفتنة العنصرية وفي المحصلة النهائية حسم الصراع السياسي لصالحهم، يريدوننا ان نتناول قضايا الشعب السوداني من زاوية مصالحهم السياسية، فعندما نتحدث عن الانتهاكات يجب ان لا نربط ذلك بنبذ واقع الحرب والدعوة الى السلام، ويجب ان ندين طرف واحد هو الدعم السريع ونصمت تماما عن انتهاكات الجيش، يجب ان ندعو لاستئصال الدعم السريع من الكرة الارضية لأنه احتل منازل المواطنين ولكن علينا ان لا نتذكر في هذا السياق ان طيران الجيش قصف منازل المواطنين وهم بداخلها وفقدوا ارواحهم وتقطعت اشلاؤهم وروائح جثثهم تنبعث من تحت الانقاض! يجب ان نقتصر على احصاء قتلى الدعم السريع وضحايا التعذيب بواسطة استخباراته من المدنيين الابرياء ونتستر على قتلى الاستخبارات العسكرية من الابرياء على الهوية القبلية وننسى دورها في اشعال الفتن القبلية واعتقال المدنيين!
ولذلك فإنهم يكذبون ويتحرون الكذب -وهو صنعتهم- عندما يقولون القوى المدنية لم تدن انتهاكات الدعم السريع! القوى المدنية ادانت انتهاكات الدعم السريع مقرونة بانتهاكات الجيش ولكن الكيزان وعملاؤهم يريدون ادانة مغلظة لطرف واحد فقط والصمت عن الطرف الاخر مع اهدار السياق الكلي الذي أفرز الانتهاكات ممثلا في واقع الحرب والخلل البنيوي في كامل المنظومة العسكرية والامنية المصممة على قمع المواطن واهدار حقوقه. باختصار يريدون تسليط الضوء على جزء من الصورة وحجب الصورة الكاملة لما يجري كلازمة للتضليل وتمرير الاجندة السياسية الكيزانية وهيهات!!
مهما اثاروا الغبار الكثيف حولنا بشهادات الزور والبهلوانيات الاسفيرية واكروبات تقطيع الفيديوهات فلن نخضع لابتزازهم الارعن! ولن نتزحزح عن الموقف الاخلاقي والوطني المحترم من قضية الانتهاكات الذي ينطلق فعلا من الانحياز للضحايا وذروة سنام الانحياز للضحايا هي رفع راية لا للحرب، والى ان تتوقف الحرب ليس في فمنا ماء تجاه انتهاكات الدعم السريع وارشيفنا يشهد ، ولكنهم عبر الابتزاز والبلطجة يريدوننا ان نساعدهم في استغلال الانتهاكات في التعبئة الحربية وتوسيع دائرة الحرب التي تعني بالضرورة زيادة الانتهاكات كما ونوعا وطريقنا هو إدانة الانتهاكات والدعوة الى إيقاف الحرب وتحقيق السلام لتجفيف منبع الانتهاكات وقطع جذرها الرئيس . هذا هو طريق الشعب طريق السلام الذي نحن فيه ماضون وعلى ثقة بان الزبد سيذهب جفاء وما ينفع الناس سيمكث في جوف الارض.
(في التعليقات رابط مقال” حرب السودان وابتذال قضية الانتهاكات” ورابط لحلقة بودكاست التغيير حول قضية الانتهاكات)