الحديث عن الخسائر الاقتصادية التي حدثت جراء الحرب لا تحتاج سبر أغوار أو إدامة نظر لاكتشافها، فهي مبذولة وشاهد العيان عليها حجم الدمار الذي طال المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة ..وقبل أيام بثت (الجريدة) على صفحتها على بـ(الفيسبوك) مقطع (فيديو) كشف حجم الخراب الذي لحق بمعامل (نوبيا) التي كانت تنتجها وصحف أخرى فنياً قبل طباعتها ومطالعتها من قبل القراء وربما لا يعرف كثيرون من يعملون خلف الكواليس من أجل تنويرهم وإمدادهم بالمعرفة.
أكثر من ٥ مليون عامل في السودان فقدوا وظائفهم بسبب الحرب ، واصبحوا هائمين على وجوههم بعد تسريح المؤسسات التي يعملون بها لهم نتيجة فشلها في الصمود جراء الخراب الواسع الذي طال الأصول وقضى على رأس المال.
في المقابل لم يجد هؤلاء العمال في ظل إحتداد المعارك والهجوم الفظ والعار على المواطنين من الطرفين سواء بالنهب والسلب من قوات الدعم السريع أو غارات الطيران الحربي على مساكنهم..لم يجُد طريقاً غير النزوح للولايات الآمنة للبحث عن الأمان وفرص العمل، فيما غادر بعض منهم البلاد إلى عواصم أخرى ولكن ما ينتظرهم كان سيان فقد فشلوا في الحصول على فرص عمل في الداخل والخارج.
اعتماد الأسر السودانية أصبح لحد كبير على المغتربين الذين ارهقتهم امتدادات الأسر المتضررة وبالتالي صعوبة توفير كل احتياجاتها من السلع الضرورية.
اما حكومة الأمر الواقع فهي غير مهتمة بمواطنها وكل همهما هو المحافظة على الكراسي ، وسيدرك أهل السودان ضخامة الفساد الذي حدث في زمن الحرب سواء في الاغاثة أو احتكار النقل والبترول وسيكشفون دونما عناء كيف عبث الممسكون بمفاصل الدولة بالاقتصاد السوداني في وقت الحرب والمعاناة والمسغبة.
بالأمس القريب وبينما تشتد الوطأة على المواطنين وتفتك بهم الحرب العبثية لم تجد وزارة المالية حلاً للازمة غير زيادة الدولار الجمركي من جديد ، وليت ذلك لتوفير الأغذية ووقف النزيف الذي بلغ مداه بأكل المواطنين لقمح (سام) أو مواد منتهية الصلاحية وإنما لتوفير العملات الصعبة لشراء المسيرات الايرانية للمواصلة في حرب الخاسر فيها هو المواطن السوداني.
أليس لكم عبرة في حرب الصومال التي استمرت قرابة الثلاثين عاما بسبب التعنت والتشرذم وما اشبه سودان اليوم بصومال الأمس …فإذا لم يعد للاطراف المتنازعة صوابها فهذا يعني أن الحرب ستكون حرب وكالة وحرب أهلية لن تخمد نيرانها قريباً.
ويبقى السؤال هل سأل المسؤولين اللذين يمسكون بتلابيب الأمور في البلاد كم أسرة الآن لا تجد ما تسد به رمقها نتيجة تشردها ونزوحها وفقدان عائلها لعمله؟ ، وماذا عن القلق الذي أصاب الأسر المستقرة جراء التهديد المتواصل لها بفقدانها الأمان والدخل الذي تعتمد عليه في العيش الكريم؟ ..من المؤكد بل والواضح أن المسؤولين لا يعيرون لحقوق الانسان وحقه في العيش الكريم إهتماماً ..وسيستمرون في بلع ما تبقى من موارد البلاد وتمتع أسرهم وأبناءهم بالحياة في أجمل عواصم دول العالم ومع ذلك يريدون من المواطنين حمل السلاح لحمايتهم.
الجريدة