برغم ما حملته الأيام الأخيرة من بشارات بإنهاء الحرب وتحقيق السلام في السودان، عبر لقاء بين قائدَي الحرب عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو(حميدتي)، رتبته منظمة «الإيغاد»، إلا أن تطورات الأحداث والتصريحات التي يقوم بها الجيش وقوات الدعم السريع تبتعد كثيراً عن هذه الآمال.
سعت «الإيغاد» عبر قمتها التي عقدت في ٩ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى عقد لقاء بين البرهان و«حميدتي»، إلا أنها أعلنت تعثر الاجتماع لأسباب فنية، في حين كان حميدتي بدأ جولة لست دول إفريقية في محاولة لكسب الشرعية الإقليمية.
ثم عقدت القمة 41 لمنظمة «الإيغاد» في 18 يناير/ كانون الثاني الجاري، بمشاركة حميدتي، وسط رفض كبير من البرهان، حيث رفضت الخرطوم كل ما أسفرت عنه القمة، واعتبرته لا يخصها. حيث استنكر توجيه المنظمة دعوة إلى قائد الدعم السريع لحضور القمة. كما بعث برسالة إلى رئيس جيبوتي، إسماعيل جيله، طلب خلالها تجميد عضوية السودان في المنظمة، خاصة بعد البيان الذي أعلنته المنظمة في ختام القمة، والذي أشار إلى محاولة عقد لقاء بين قائدَي الحرب، خلال أسبوعين.
الملف الإنساني
وعلى الرغم من التقدم الذي تحرزه قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، ميدانياً ودبلوماسياً، إلا أن التقارير حول الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبتها هذه القوات تطارد هذا النجاح، وتؤثر في التوقعات حول القبول الشعبي لمشاركة حميدتي، وقواته، في المستقبل السوداني، بمستوياته المختلفة، السياسية والاقتصادية والعسكرية. فقد صدر مؤخراً تقرير عن الأمم المتحدة وتناولته «رويترز»، يؤكد أن عدد القتلى من جراء الانتهاكات الإنسانية ضد قبيلة المساليت، ذات الجذور الإفريقية، في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، قد تراوح ما بين 10 إلى 15 ألف قتيل، حيث شهدت هذه المدينة أعمال عنف مكثفة، وترقى الجرائم التي ارتكبت إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. كما اضطر ما يقرب من 12 ألفاً في المدينة إلى الهروب سيراً على الأقدام من الأهوال التي تعرضوا لها.
ولا يبرأ الجيش هو الآخر من الاتهامات، حيث يستخدم القصف الجوي على مواقع تمركز قوات الدعم السريع، ما يزيد من أعداد الضحايا من المدنيين. حيث يتهم الجيش والدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، ومنها القصف العشوائي بالطيران، والمدفعية الثقيلة، للمناطق السكنية، والتعذيب، والاحتجاز القسري للمدنيين. حيث أودت الحرب بحياة ما لا يقل عن 13 ألف شخص، وخروج أكثر من 7 ملايين آخرين من منازلهم. في الوقت الذي يصّر فيه رئيس مجلس السيادة، البرهان، على خروج قوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها، أولاً، قبل اللقاء مع حميدتي، في حين يؤكد الأخير في كل لقاءته الإعلامية أنه لا يمكن الحديث عن البرهان باعتباره رئيس مجلس السيادة، وأنه قائد الجيش السوداني فقط.
عقوبات جديدة
على الرغم من أن آلية العقوبات الدولية لم تنجح، حتى الآن، في دفع طرفي الصراع نحو إنهاء الاقتتال والتركيز على السلام، إلا أن الاتحاد الأوروبي يبدو أنه يريد أن يعبّر عن اهتمامه بتطورات الصراع في السودان، ويستخدم قدراته على التأثير في مجريات الصراع، حيث أصدر المجلس الأوروبي في 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، قراراً بفرض عقوبات على 6 كيانات سودانية تدعم طرفي الصراع. حيث يسير الاتحاد الأوروبي على نهج الولايات المتحدة الأمريكية التي فرضت، قبل شهور، عقوبات على عدد من الأشخاص المنخرطين في الحرب في السودان.
ولا يزال السلام في السودان بعيداً في ظل إصرار طرفي الصراع على معادلة صفرية بينهما، الفائز يفوز بكل شيء، والخاسر يخسر كل شيء. في الوقت الذي تؤدي التحركات التي يقوم بها طرفا الصراع لتدعيم مواقفهما، وزيادة فرصهما في الانخراط في مستقبل السودان، حيث يتسابقان في الحصول على التأييد الخارجي، ما يمهد لأنواع جديدة من مبادرات تسوية الصراع، ومن ذلك البيان الذي أرسلته الخارجية السودانية إلى مجلس الأمن، مؤخراً، وتطالب من خلاله بالقيام بمسؤولياته تجاه الدول التي تغذي الحرب. وفي المقابل يسعى قائد الدعم السريع إلى التأكيد على أنه يفضل السلام، بما يحقق مصالح الشعب السوداني.
يضاف إلى ذلك آراء بعض ساسة القوى المدنية التي تشير إلى وجود وساطات داخلية بين طرفي الصراع، وأن الجيش، وعلى الرغم من رفضه لبعض سلوكات منظمة «الإيغاد»، إلا أن قائده عبدالفتاح البرهان ليس رافضاً للقاء مع حميدتي.
وأمام المشهد شديد التعقيد الذي وصلته إليه الأزمة في السودان، يظل الأمل في استئناف الوسطاء الخارجيين الحاليين لعملهم في تذليل عقبات التسوية، بل ويمكن دخول وسطاء جدد من الذين يملكون علاقات ومصالح جيدة مع طرفي الصراع. فضلاً عن الوسطاء من القوى والشخصيات السودانية التي تسعى لإقناع طرفي الصراع بوقف الحرب حفاظاً على المواطن السوداني ودولته.
كما يظل الأمل معقوداً على الأدوار الإفريقية التي أثبتت خلال التفاعلات الأخيرة أنها الأجدر بحمل تبعات تسوية الصراع إلى جانب القوى المدنية السودانية. وعلى الرغم من أن ردود أفعال الجيش على قبول دول «الإيغاد» لقائد الدعم السريع، والذي يصنف الجيش قواته باعتبارها قوة تمرد، تشير إلى بروز سوء تفاهم بين دول «الإيغاد» والجيش السوداني، إلا أن خلفيات العلاقات التي تجمع السودان ودول «الإيغاد»، إلى جانب قدرة هذه الدول على التأثير في طرفي الصراع، فضلاً عن وجود رغبة دولية، بخاصة لدى واشنطن لتسوية الصراع في السودان، قد تسمح باستئناف الوساطة الإفريقية والعودة إلى طريق السلام.
- باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات
جريدة الخليج