تأكد من خلال متابعة نشاط كتائب الذباب الإلكتروني أن التوجيهات الجديدة صدرت لهم في اتجاه التركيز على استهداف تقدم ورفع هستيريا العداء لها استنادا الى حجة جديدة هي “التمويل الأجنبي”، لأن الحجج القديمة ممثلة في ان “تقدم” خائنة بسبب تحالف مزعوم مع “الدعم السريع” وبسبب رفعها لشعار “لا للحرب” ومطالبتها بالحل التفاوضي على أساس أن الطهرانية الوطنية هي الانخراط في قتال الدعم السريع حتى نيل احدى الحسنين النصر او الشهادة تحت راية “بل بس”!! هذه الحجج سقطت سقوطا مدويا بعد ان تواترت الأنباء المؤكدة عن مفاوضات سرية في البحرين برعاية أطراف إقليمية بحثا عن صفقة تقاسم سلطة بين الكيزان و”الدعم السريع” الأمر الذي أكد بجلاء صحة سردية القوى الديمقراطية للحرب: صراع سلطة غايته طي صفحة ثورة ديسمبر وإغلاق باب التحول الديمقراطي، ما عاد بالامكان ان يشتم الذباب الالكتروني “تقدم” لأنها دعت للتفاوض! او لانها اجتمعت بقيادة الدعم السريع في اديس ابابا! فالكيزان منخرطون في التفاوض ولاهثون خلف صفقات ثنائية مع من وصفوهم بالمليشيا الاجنبية والمرتزقة يتفاوضون في الظلام وبطرق ملتوية وغامضة في السر غايتها العودة من الحرب بغنيمة ذبح التحول الديمقراطي والتعايش مع الدعم السريع الذي هزمهم في الميدان هزيمة كشفت مدى تدميرهم للجيش واضعافه وافساده!
أصبح امام الذباب الالكتروني تحدي ان يصرف الانظار عن حقيقة سقوط شعار “بل بس” وعن السؤال الاخلاقي حول احراق البلاد لهذه الدرجة بسبب رفض وتخوين الحلول التفاوضية التي طردوها بالباب الرئيسي وبعد خراب مالطا تسللوا الى نفس الحلول التفاوضية بالابواب الخلفية! ليس على اساس انقاذ الوطن من الحرب والدمار بل على اساس انقاذ ما يمكن انقاذه من سلطتهم! فصدرت التعليمات للذباب الالكتروني بإثارة الغبار الكثيف حول “تقدم” لحجب الرؤية عن خيانة الكيزان العظمى للوطن بتحويله الى ساحة حرب مدمرة وتحويل الانظار الى خيانة “تقدم” المدعاة كذبا وزورا وبهتانا!
محدودية السقف العقلي والاخلاقي لأولياء نعمة الذباب الالكتروني جعلته يتناول موضوع تمويل “تقدم” بصفاقة وجهالة مثيرة للشفقة، وبجاحة مثيرة للغثيان وفيما يلي تبيان ذلك:
اولا: فكرة ان قبول أي تمويل أجنبي هو مرادف للعمالة والخيانة الوطنية بصرف النظر عن تفاصيل السياق فكرة بلهاء! “تقدم” تحالف نشأ في النور وأعلن اهدافه ووضع بياناته الشارحة لمواقفه امام الرأي العام السوداني، فأين هي الخيانة الوطنية في شعار”لا للحرب”؟ واين الخيانة في السعي لجمع الصف الوطني الديمقراطي لتمليك الشعب السوداني صوتا مدافعا عن حقه في السلام المستدام والحكم الديمقراطي؟ واين الخيانة في عقد الاجتماعات وورش العمل لانتاج رؤى مفصلة حول كيفية اخراج السودان من حفرة الحروب الاهلية بصورة تجعل هذه الحرب آخر حروب السودان؟ واين الخيانة في السعي لبناء تحالف يعكس التنوع السوداني ليكون نواة صلبة للدفاع عن الوحدة الوطنية وحسن إدارة التنوع؟
هذا هو نشاط “تقدم”، وسبب قبولها لتمويل مناشطها من منظمات غربية مناصرة للديمقراطية هو قناعتها بأن التعاون مع المنظمات الغربية التي نتشارك معها قيم الديمقراطية وحقوق الانسان ليس فيه أدنى شبهة اخلاقية، ما دام التمويل لا يمس باستقلالية تقدم، ولا يملي عليها مواقفها، وما دام معلنا للرأي العام السوداني ويتم صرفه على اقامة مناشط محددة وفق ضوابط صارمة في المحاسبة والشفافية تحول دول توظيفه لمنافع خاصة، “تقدم” كحركة ساعية للسلام والديمقراطية عندما يكتمل بناؤها المؤسسي بعقد مؤتمرها حتما سيكون على رأس خططها تمويل نفسها ذاتيا، فقبول التمويل الاجنبي اقتضته الظروف الموضوعية من حرب ونزوح وتشرد لغالبية قواعد القوى الديمقراطية، فضلا عن تاريخ الإفقار الممنهج الذي مارسه النظام البائد على معارضيه، بل افقاره لكل السودانيين غير الموالين وان كانت لا علاقة لهم بالسياسة في اطار التمكين الذي يعني ببساطة تجريد أي خصم سياسي محتمل من اسباب القوة وفي مقدمتها المال! وبعد إفقار المعارضين وتشريدهم يطلقون كلابهم المسعورة لتنهشهم بالباطل بسبب التمويل الاجنبي الذي هم انفسهم والغون في اسوأ انواعه كما سافصل لاحقا! فهل من عطب في الضمير اكثر من ذلك!!
ثانيا: يجد الذباب الالكتروني ومن يقف خلفه صعوبة بالغة في استيعاب ان هناك من يدفع اموالا في اطار التضامن والتعاون دون ان ينتظر مقابلا، فعقولهم الصغيرة لا تستوعب ان الغرب ليس كتلة صماء موحدة خلف اجهزة الاستخبارات او خلف الحكومات! وان في الغرب تعددية حقيقية احد عناصرها المنظمات غير الحكومية وغير الربحية التي تنطلق فعلا من مواقف مستنيرة ترى في التضامن مع قوى السلام والديمقراطية وسيلة للخير العالمي، صغار العقول والنفوس أفقهم محدود بحدود “الخرائب الإنقاذية” التي ليس فيها منطق سوى بيع الذمم والمواقف واستخدام المال كوسيلة للتدجين والإفساد.
وهنا دعونا نحاكمهم بذات منطقهم، ممثلا في ان قبول أي مال اجنبي من جهة اجنبية عمالة وخيانة، لماذا قبل حزب المؤتمر الوطني منحة بملايين الدولارات من الحزب الشيوعي الصيني لتشييد دار للحزب كما قبل هدايا قيمة من ذات الحزب منها يخت رئاسي؟
بين “تقدم” والمنظمات الغربية المستنيرة قيما مشتركة جعلتنا نقبل تمويلهم ونشكرهم علنا دون حرج لان ليس هناك جرما او شبهة تجبرنا على الكذب والمراوغة في الكشف عن مصادر تمويل انشطتنا، ولأن لدينا من الرشد والمسؤولية الوطنية ما يعصمنا من أي خيانة لشعبنا، ولكن السؤال المنطقي ما هي القيم والأفكار المشتركة بين الكيزان والحزب الشيوعي الصيني؟ ما هي القيم المشتركة بين دولة الشريعة الاسلامية والجهاد الذي شاركت فيه القرود والغزلان وبين الصين الشيوعية التي تتعامل مع الدين كمرض عقلي وتدخل المتدينين بمئات الالاف الى مصحات عقلية لعلاجهم جماعيا كما فعلت مع أقلية الايقور المسلمة؟
بالتأكيد لا توجد قيم مشتركة بل توجد جرائم مشتركة ضد الشعب السوداني إذ ان الصين تدفع رشاوى للمؤتمر الوطني حتى تخرج شركاتها العاملة في مجال النفط بأعلى الأرباح نظرا لإعفائها من ادنى مسؤولية اجتماعية تجاه السودانيين الفقراء ومن الالتزام بالطرق العلمية في التخلص من نفايات عمليات استخراج النفط في مناطق الانتاج، والنتيجة ان هذه الشركات عبثت بالبيئة الطبيعية لدرجة اتلاف الاراضي الزراعية وموت الماشية وإصابة المواطنين بالامراض الجلدية والتنفسية القاتلة وكذلك تشوهات الأجنة كما حدث بصورة ملحوظة في ولاية غرب كردفان! والثمن هو مال اجنبي ابتلعه لصوص المؤتمر الوطني! هذه هي الخيانة الوطنية!
وحتى لو استخدمنا المنطق المعطوب في ان المال الاجنبي هو فقط المال الذي مصدره امريكا والغرب فمن اين تحصلت منظمة اتجاهات المستقبل التي على رأسها كيزان من العيار الثقيل مثل غازي صلاح الدين ومحمد محجوب هارون على التمويل؟ اليس من الاتحاد الاوروبي ونفس المنظمات الغربية المانحة التي يتهمون معارضيهم بالعمالة والارتزاق بحجة انهم يأخذون منها تمويلا!! هذا على سبيل المثال لا الحصر طبعا.
وإذا سلمنا بصحة الفكرة التبسيطية العبيطة ممثلة في النجاسة المطلقة لاي اموال او مساعدات غربية فلماذا قبل الكيزان بالمنح الدراسية في الجامعات الغربية والامريكية؟ لماذا يتسابقون لتسجيل المنظمات في “هاك” بالمئات ويتعاركون حول فرص التمويل الغربي المسموح به قانونا؟ لماذا توجد في حكومتهم وزارة اسمها التعاون الدولي؟ لماذا يقبلون طائرات الدول الغربية المحملة بالغذاء والدواء للمواطنين السودانيين ايام الكوارث (يسرقون معظمها طبعا)؟ ولماذا يستعرضون في تقاريرهم الاقتصادية الهبات والمنح الغربية من الاتحاد الاوروبي كانجازات حكومية؟
لماذا يلجأ عتاة قيادات الاسلام السياسي الى الدول الغربية ويأكلون ويشربون من برامج الضمان الاجتماعي فيها؟
وإذا كان أي تعامل مع الغرب عمالة فهل كان اية الله الخميني عميلا عندما اختار باريس منفى له؟ وهل كان المجاهدون الافغان عملاء عندما قبلوا المال والسلاح والمعلومات الاستخبارية من أمريكا ايام حربهم مع الاتحاد السوفيتي؟
ثالثا: يتم الترويج بكثافة لان المنظمات الغربية تنفق على القيادات السياسية بتحالف “تقدم” وتغدق الاموال عليهم وعلى احزابهم وهذا كذب ساذج وجهل فاضح بالمعايير العالمية لإدارة التمويل، هذه المعايير اصبحت علوم يتم تدريسها، ولكن كتاكيت الإسلام السياسي وذبابه الإلكتروني مبلغهم من العلم حول التعامل مع المال العام هو ما عايشوه في الخرائب الإنقاذية! حيث الرعي الجائر في الاموال دون حسيب او رقيب! وحيث تجنيب الايرادات وتوزيع العطايا على الموالين محسوبة بالكراتين! هذا ما شهدت به قياداتهم بعد المفاصلة: الشيخ فلان أمر بإعطاء فلان الفلاني كرتونة قروش! وعلان العلاني كرتونتين قروش! ومن فرط غبائهم يسقطون تجربتهم الشاذة على المنظمات الغربية التي تخضع اموالها لاجراءات محاسبية صارمة هي من بداهات العمل في البيئة السياسية والقانونية الغربية، فمن السذاجة والعته ترويج اكاذيب حول انفاق هذه المنظمات اموالا في شكل مبالغ مالية توزع على السياسيين السودانيين! او لشراء شقق سكنية او فلل في تركيا ودبي وماليزيا للسياسيين كما يفعل الكيزان لمنسوبيهم ومن مال دافع الضرائب السوداني الذي حوله نظامهم الفاسد الى مال سائب وغنيمة مستباحة!
رابعا: ان جرأة ربائب “الخرائب الانقاذية” على إصدار الأحكام الاخلاقية وتقمص أدوار الطهرانية والعفاف الوطني وحراسة بوابات النزاهة مسخرة مكتملة الاركان لا تفسرها سوى”متلازمة البجاحة والوقاحة وانعدام الحياء السياسي بالكامل”!! وبالفعل هناك سؤال محير جدا وهو على أي اساس واقعي يستند هؤلاء المعاتيه في تنصيب انفسهم كقضاة في محاكم التفتيش الوطني يوزعون صكوك الوطنية واتهامات الخيانة والعمالة من داخل بيوتهم الزجاجية الشفافة وهم بداخلها عرايا؟ ما هذا الجنون والسفه؟
عموما “تقدم” كشفت للرأي العام عن مصادر تمويلها فهل تكشف لنا الغرف الاعلامية الكيزانية عن مصادر تمويلها؟
خامسا: الدوائر المخابراتية التي تبحث عن عملاء في السودان فلن تجد افضل من الذين باعوا المجاهد في سبيل القضية الفلسطينية كارلوس للمخابرات الفرنسية! وباعوا للمخابرات الامريكية ملفات اخوانهم في الحركات الجهادية ونفذوا بعناية مخطط فصل جنوب السودان! وتعاونوا مع المخابرات الامريكية في الكشف عن مكان اسامة بن لادن!
اذا كانت الخيانة الوطنية هي الارتهان للاجنبي فهل هناك ارتهان اكثر من ذلك!
واذا كانت الخيانة الوطنية هي تقسيم الوطن فان الدعوات الانفصالية والفتن العرقية لتفتيت السودان تنبع من اجهزة الامن والمخابرات الكيزانية وينفقون عليها من اموال الشعب السوداني ابتداء من منبر السلام العادل وصولا الى دولة البحر والنهر!
وإذا كانت الخيانة الوطنية تدمير الوطن واهدار مصالحه العليا فهل من خيانة اكبر من اشعال هذه الحرب والاصرار على استمرارها؟
ومن المؤسف ان الماكينة الاعلامية الفاجرة للكيزان اربكت البعض فقبلوا ضمنيا ان القوى الديمقراطية في قفص الاتهام ويجب ان تدافع عن وطنيتها امام قضاة يقفون عرايا باي معيار اخلاقي او وطني ويسكنون بيوت الزجاج!