بينما يكتوي السودانيون بنارِ حربٍ داميةٍ تقضي على الأخضرِ واليابس، تتبارى منابر التفاوض ويتسابق الوسطاء ويتنافس رؤساء بعض الدول على زعامة العملية التفاوضية في محاولة البحث عن حلٍ يحقق لهم مكاسباً سياسية. أهدف في هذا المقال إلى استعراض هذا التسابق على منابر التفاوض وعرض موضوعاته وأجندته وأسباب فشلها في تحقيق تقدم ملموس في اتجاه وقف الحرب، وطرح رؤية للحل التفاوضي ليس لإيقاف الحرب فحسب بل بغرض إنهائها بمُخاطبةِ ومُعالجةِ مُسبباتها.
بعد أقلِ من شهرٍ بعد اندلاع حرب أبريل، نجحت وساطة مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في جمع وفدين من الجيش والدعم سريع في جدة للتفاوض بشأن وقف الحرب. وفي 11 مايو 2023 اتفق الطرفان على إعلان للمباديء والتزامات مٌحددة تحكم العملية التقاوضية. وحدد الإعلان أجندة التفاوض بهدف حماية المدنيين والتوصل إلى وقفٍ لإطلاقِ نارٍ قصير المدى لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، مع الالتزام بجدولة المناقشات الموسعة اللاحقة لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية. وربما الأهم، هو نص الإعلان في بنده الثاني أن الالتزام بالإعلان لن يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية.
ومع ذلك، تعثرت المفاوضات ولم تنجح في تحقيق أي من هذه الأهداف حتى أعلنت الممكلة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تعليق المفاوضات بين طرفي الصراع بالسودان، في 2 يونيو 2023. وبعد توقفها لأكثر من 4 أشهر، استؤنفت المفاوضات بين الجيش والدعم السريع في 26 أكتوبر 2023، برعاية الوساطة الأميركية-السعودية، وانضم إليهما في هذه الجولة ممثل للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد”. وبعد أقل من أسبوعين، في 7 نوفمبر، وقع الطرفان على التزامات توصيل المساعدات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة ووقف إطلاق النار، تمهيداً للتوصل إلى وقف دائم للعدائيات. ولكن، أيضاً هذه الجولة الثانية من المحادثات لم تتوفق في إحراز أي تقدم على طريق وقف الحرب حتى أعلنت الوساطة رسميا في، 4 ديسمبر 2023، تعليق المفاوضات لأجل غير مسمى.
توغل الإيقاد وتباري المنابر
في رأيي، أنّ انهيار محادثات جدة، ونقل الملف إلى الإيقاد، يعودُ بشكلٍ رئيس إلى تضافرِ عُدةِ عوامل مُتشابكة ووثيقة الصلة ببعضها البعض، على رأسها اقحام قضايا سياسية في أجندة التفاوض. ذلك، بالرغم من أنّ الوساطة عند بدء مفاوضات الجولة الثانية حثت طرفي الحرب على “استئناف ما تم الاتفاق عليه في إعلان جدة”، وشددت على أنّ “المحادثات لن تتناول قضايا ذات طبيعة سياسية” (بيان صحفي لوزارة الخارجية السعودية، 29 أكتوبر 2023). فمن ضمن إجراءات بناء الثقة مطالبة الجيش السوداني باحتجاز الهاربين من السجون (القبض على قيادات المؤتمر الوطني)، واتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمأججة للصراع، وهو مطلبٌ ذو بعد سياسي لا ينسجم مع أجندة إعلان جدة. عاملٌ ثانيٌ يكمنُ في مشاركة الإيقاد والاتحاد الأفريقي في هذه الجولة من المفاوضات وتحفُز الإيقاد (بحضور السكرتير التفيذي للمنظمة، ورقننا قبيهو، بنفسه) لإستثمار الموقف بغية انتزاعها لملف التفاوض. فمنذ رفض حكومة السودان لخارطة طريق الاتحاد الأفريقي والإيقاد في أواخر مايو 2023، ولرئاسة كينيا للجنة “الرباعية” الخاصة ببحث الأزمة السودانية في سياق مبادرة إيقاد، وتلويحها بالانسحاب من المنظمة، لم تفتر عزيمة الإيقاد خلال توقف محادثات جدة (يونيو-نوفمبر 2023) لاستعادة رعايتها للمفاوضات.
وأيضاً من جِهةٍ أخرى، جاءت الرياح بما تشتهي سُفن الإيقاد إثر زيارة رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، إلى نيروبي ولقاءه بالرئيس الكيني، وليام روتو، ومقابلته لرئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، في منتصف نوفمبر المنصرم، في سبيل تجاوز عقبة اللجنة الرباعية للإيقاد التي سبق وأن رفضتها حكومة السودان باعتبار أن موقف الرئيس الكيني ليس بمحايدٍ بل منحاز إلى قائد مليشيا الدعم السريع. ومن ثمًّ زيارته الى جيبوتي التي طرح فيها رئيس مجلس السيادة على السكرتير التنفيذي للإيقاد طلبه بعقد قمة طارئة لبحث أمر وقف الحرب وحل الأزمة.
وكأنما الإيقاد كانت تحسب الثواني للامساك بملف الحرب والسلام في السودان، فما أن أعلنت الوساطة، في 4 ديسمبر 2023، تعليق المفاوضات إلى أجلٍ غير مُسمى حتى دعت الإيقاد إلى اجتماع القمة الاستثنائية بجيبوتي في 9 ديسمبر. وفيما يبدو تخطياً لمنبر جدة، فقد تم الاتفاق في جيبوتي على توزيع الأدوار بين منظمة الإيقاد والإتحاد الأفريقي، فتقوم المنظمة بمهمة: وقف الحرب، بما في ذلك توصيل المساعدات الإنسانية، وصولاً لوقف دائم للعدائيات، وهي الأجندة الرئيسة لمنبر جدة، أما العملية السياسية توكلُ إلى الاتحاد الأفريقي و”الآلية الموسعة لحل الازمة في السودان”، التي تم انشاؤها في الدورة الوزارية الخاصة بالسودان في 20 ابريل 2023. دعوة القمة للقاءٍ وجها لوجه بين القائد العام للجيش وقائد الدعم السريع هدفت إلى افتراعِ عمليةٍ سياسيةٍ يشارك فيها الدعم السريع والقوى السياسية مُمثلةً في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، في ظلِ مُطالبات هذه القوى بالمشاركة في المفاوضات. تأسيس العملية التفاوصية والسياسية على هذا اللقاء المُزمع كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر منبر الإيقاد بعد أن فشلت المنظمة في ترتيبه، مما خلق توتراً بينها وبين الحكومة التي رفضت المشاركة في قمة عنتبي، 18 يناير، ومن ثمّ جمد السودان عضويته في الإيقاد بعد أن قدمت الدعوة لقائد الدعم السريع لحضور قمة الرؤساء (وكأنما قيادة الإيقاد استجابت لشرط الدعم السريع للقاء مع القائد العام للجيش بحضور رؤساء دول وحكومات الإيقاد والمنظمات الدولية والإقليمية).
من المهم التنويه بأن العلاقة بين الاتحاد الأفريقي والإيقاد يحكمها قانون التبعية – subsidiarity وهو مبدأٌ (عُرفي) بموجبه ينبغي للجهات الفاعلة الإقليمية أو دون الإقليمية sub-regional مثل الاتحاد الأفريقي أو الإيقاد أن تقود جهود حل النزاعات، ،وفي حالة السودان يوؤلُ الأمر إلى الإيقاد بحكم عضويته في المنظمة. ومع ذلك، فالاتحاد الأفريقي يملك مساحة يتحرك فيها ولو بعيدة عن الأضواء، وتركز على المدنيين السودانيين. فهكذا، لم ينقطع تواصل الاتحاد مع بعض القوى السياسية والمجتمعية، بل انخرط رئيس المفوضية في لقاءات مُكثفة مع كافة أطراف القوى السياسية والمدنية والاجتماعية والحركات المسلحة بالقاهرة في الفترة الممتدة بين يوليو وأكتوبر 2023، أثناء توقف محادثات جدة. لم يستثن الاتحاد الأفريقي من هذه المشاورات ممثلين عن الدعم السريع، إضافة إلى من وصفهم في بيانٍ ب “دعائم النظام المخلوع في 2019″، بالرغم من الاعتراضات المتقاطعة على إشراك الدعم السريع والإسلاميين. وللمفارقة، قدمت الإيقاد الدعوة لوفدٍ من تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” للإلتقاء مع رؤساء الدول والحكومات في قمة عنتبي مما يعكِسُ تضارباً ملحوظاً في منهج المؤسستين لمقاربة الحل التفاوضي السياسي، وقد يطعن في مصداقية حِياد الوساطة بِرمُتِها. ويقفُ شاهداً على هذا التضارب، أو ضعف التنسيق، إعلان رئيس مُفوضية الاتحاد الأفريقي (17 يناير) تعيين آلية رفيعة المستوى من ثلاث شخصيات أفريقية مرموقة للعمل على تسوية النزاع المسلح في السودان. المفارقة أنّ إعلان تعيين الآلية صدر بعد يومٍ واحدٍ فقط من قرار الحكومة ب “وقف الانخراط وتجميد التعامل مع إيقاد بشأن ملف الأزمة الراهنة في السودان، في 17 يناير 2024. وللمفارقة أيضاً أعلنت مفوضية الاتحاد الأفريقي آليتها الثلاثية بينما كانت كل الدول في انتظار تسمية الإيقاد لمبعوثها الخاص للسودان بحسب مقررات القمة الاستثنائية رقم 41 في جيبوتي، في 9 ديسمبر من العام الماضي.
لم يقتصر تباري المنابر على جدة والإيقاد والاتحاد الأفريقي، فهناك دول أخرى في الإقليم ليست بأعضاء في الإيقاد وبالتحديد مصر وتشاد المؤثرتين على والمتأثرتين بالحرب في السودان ويتحملان أضخم تداعيات الصراع العسكري بسبب التدفقات الكثيفة لللاجئين. هذا الاستبعاد من منبري التفاوض، والاحساس بالتغييب، وهو شعور مشروع، دفع البلدين للتعاون معاً والاتفاق على صيغةٍ أخرى أطلقا عليها “مبادرة دول الجوار”، واستضافت القاهرة أول قمة لهذه الدول في منتصف يوليو 2023 وحضرتها كل دول المنطقة، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا. لا شك أنّ مصر لاعبٌ إقليمي لا يمكن تجاهله في أمور تخص السودان، لذلك فإنّ إحدى الأولويات الرئيسية لمصر هي إعادة تأكيد وجودها في ملف تشعر أنها مستبعدة منه نتيجة جهود إقليمية أخرى. ومع ذلك، باستثناء اجتماع وزراء خارجية دول الجوار في انجمينا خلال الأسبوع الأول من أغسطس فشلت المبادرة في خلق آلية فعالة للمتابعة وبسبب الخلاف في المواقف بين مصر، من جِهةٍ، وإثيوبيا وتشاد، من جِهةٍ أخرى، ماتت في مهدها.
وفي سياق تباري منابر التفاوض، فإنّه بالرغم من قبول شريكي وساطة منبر جدة بنقل المحادثات إلى الإيقاذ، إلاّ أنّ المملكة العربية السعودية تبدو متحفزةً لاستعادة منبر جدة كما طالب بذلك نائب وزير خارجيتها في كلمته أمام قمة الإيقاد في عنتبي، في 18 يناير 2024. وعلى حدِ تعببره، فإنّ “تنفيذ إعلان جدة والالتزام بحماية المدنيين وفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان هو الطريق لحل الأزمة الراهنة في السودان الشقيق، وأن السعودية ترى أن منبر جدة وما وصل إليه من نتائج حظي بتأييد الشعب السوداني وتأييد دولي كبير، شجع على استئناف محادثات «جدة 2» بمشاركة ممثل عن الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد”.
وختامها مِسك، فعلى نفس طول الموجة، انتقل مستوى منابر المفاوضات من حيز المجتمع الإقليمي إلى الفضاء الدولي بدخول الأمم المتحدة على الخط رغماً عن إدراك المنظمة باستبعادها من قيادة أي تفاوضٍ بحكم مبدأ “التبعية” subsidiarity الذي توؤل بموجبه مهمة حل النزاعات إلى الإيقاذ والاتحاد الأفريقي. فإن لم تفلح مجهودات منبر جدة والايقاد والاتحاد الأفريقي، ولا مبادرة دول الجوار “المنسية”، في وقف الحرب كان لا بد للمبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، أن يطرح رؤية جديدة بشأن منبر التفاوض ولو أنه يحتاج وقتاً لاكمال مشاوراته مع كُلِ أصحاب المصلحة حتى تخرج مبادرته للعلن. فعلى حدِ قولِ المبعوث الشخصي في قمة عنتبي “أنا والأمين العام مقتنعان بأن هناك حاجة إلى عملية وساطة دولية موحدة ومتماسكة تُسخِرُ مواردَ ونهجَ مُنظماتِنا لمساعدة السودانيين على إنهاء هذه الحرب الشرسة. وآمل أن نتمكن من مناقشة كيفية الاستفادة من هذه العملية في البناء على الجهود الحالية”.
خاتمة: ما مصير الحل التفاوضي؟
الافتقار إلى نهجٍ إقليمي أو دوليٍ مُتماسكٍ لمقاربة التفاوض يجعل هذا التباري والتسابق على المنابر يقفُ عائقاً أمام أيِ حلٍ تفاوضي يفضي إلى وقف الحرب، ناهيك عن إنهائها وتحقيق السلام المستدام عبر عملية سياسية تأسيسية شاملة. إنّ موضوع هذا التسابق ليس على مكان التفاوض venue فحسب إنما على أجندة التفاوض وهدفه النهائي، طالما تحديد وتعريف أطراف المفاوضات: الجيش والدعم السريع. فقد حدد إعلان جدة موضوعات التفاوض لتكون حول التوصل لإطلاق نار قصير المدى لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية والإجراءات اللازمة المُفضية إلى وقفٍ دائمٍ للأعمال العدائية، دون أن يرتبط الإعلان بالانخراط في أي عملية سياسية. بينما قامت الإيقاد بتصميم عملية تفاوضية سياسية تأسست على لقاءِ وجهٍ لوجه بين القائد العام للجيش وقائد الدعم السريع، مع استدعاء قيادة تحالف تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، والتي وقعت على إعلانٍ للمباديء مع قائد الدعم السربع، على نفس خطى الاتفاق الإطاري الذي لم يصل إلى نهاياته المنطقية.
صحيحٌ أنّ الإيقاد حالفها التوفيق في رعاية وتسهيل الوصول إلى اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحربر السودان في نيفاشا في 2005، واتفاقية السلام لجنوب السودان في الخرطوم في 2018. ومع ذلك، لم تكُن المنظمة لتنجح في التجربتين لولا وجود دولة لها أسنان قوية وتمتلك نفوذاً وأوراق ضغط على طرفي النزاع توكل لها الإيقاد قيادة جهود الوساطة، كينيا في الحالة الأولى والسودان (بمباركة من يوغندا) في التجربة الثانية. أما في الوقت الراهن تفتقر دول المنطقة لوحدة الموقف، في ظل تشابكات إقليمية ودولية سافرة، وتغيب الدولة المؤهلة لقيادة الوساطة، فضلاً على المصالح المتضاربة لهذه الدول، والتي يتنافس رؤسائها بصورة شخصية على قيادة عملية السلام لتحقيقِ مكاسبٍ سياسيةٍ خاصةٍ.
إنّ عجز النخب السياسية السودانية عن اجتراح الحلول للنزاعات المسلحة والسياسية التي نشبت بعد الاستقلال جعلت الاستعانة بالوساطات الخارجية الإقليمية والدولية أمراً معهوداً. فإن كان لا مفر من هذه الاستعانة فإنّه يتعين على أي وساطة خارجية أن تدعم تطوير مشروعات الحلول الخاصة بالسودانيين، بدلاً من فرض الحلول الخاصة بمصالح دولها.
لن يُكتب النجاح لأي حلٍ تفاوضيٍ يُفضي إلى سلامٍ مٌستدامٍ بوساطةٍ إقليميةٍ أو دوليةٍ بدون تصميمِ عمليةٍ تفاوضيةٍ، لا تخلط الأوراق، وتتأسس على تحقيقِ هدفينِ مُتلازِمين هما: وقف وإنهاء الحرب. وقف الحرب يتم عبر التفاوض بين الجيش والدعم السريع حول الترتيبات العسكرية والأمنية لحسمِ قضية تشكيل الجيش الوطني الواحد ذو القيادة الموحدة، جيشٌ مِهنيٌ يستبعِد وجودَ أي تنظيمٍ سياسيٍ بداخلة، ويخضع للإصلاح والتطوير، سوياً مع بقيةِ أجهزة القطاع الأمني، ويستوعب التنوع والتعدد اللذين تذخر بهما البلاد قاطبةً. تشمل أجندة التفاوض لتحقيق هذا الهدف الإجراءات العسكرية التي تفصل بين القوات، ووقف العدائيات، وفتح المسارات لتوصيل المساعدات الإنسانية، وخارطة وآليات عملية تشكيل الجيش الواحد وإطارها الزمني. أما إنهاء الحرب، واستدامة السلام، فيتِمُ بمُخاطبةِ ومُعالجةِ مُسبباتها عبر ابتدارِ عملية سياسية تأسيسية تُشارك فيها كل القوى السياسية والمجتمعية والأهلية والشباببية والمجتمعية والأهلية وشباب المقاومة والتنظيمات النسائية وحركات الكفاح المسلح، ومن الشخصيات الوطنية وقيادات الرأي العا م بهدف مشاركة وإشراك الجميع (باستثناء من أجرم وأفسد) في تصميم هذه العملية حتى الوصولِ إلى عقد المؤتمر القومي الدستوري، الذي يخاطب قضايا التأسيس والدستور.
ودرءاً لتسابق الوساطات ومنابِر التفاوض، ما يزال منبر جدة هو الأكثر تأهيلاً لرعاية المفاوضات الخاصة بوقف الحرب والالتزام بإعلان المباديء الذي يحكم العملية التفاوضية، بتسهيلٍ من السعودية وأمريكا، وبالتنسيقِ بينهما والاتحاد الأفريقي ودول الجوار، خاصة مصر وجنوب السودان وأرتريا، في تنفيذ الإجراءت الفنية المتعلقة بالترتيبات الأمنية المُفضية لتكوين الجيش الوطني الواحد. أما رعاية العملية السياسية التأسيسية فتوؤل إلى الاتحاد الأفريقي وهو ما تم الاتفاق عليه اصلاً في القمة الاستثنائية لرؤساء دول وحكومات الإيقاد في جيبوتي، إضافةً إلى أنّ رئيس مفوضية الاتحاد قد شرع مُسبقاً في لقاءات مع قوى سياسية ومدنية ومجتمعية متعددة، بل قام بتعيين آلية ثلاثية رفيعة المستوى لتعمل مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين و جميع القوات المدنية والأطراف العسكرية المتحاربة والجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، بما في ذلك الإيقاد والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لضمان عملية شاملة لاستعادة السلام والاستقرار في السودان. في رأيي أنّ إحالةَ الملف السياسي إلى الاتحاد الأفريقي، التي تشمل عضويته أصحاب المصلحة من كل الدول الأعضاء في الإيقاد ودول الجوار، بما يُطمئن الجميع ويفسح المجال لتقدم المفاوضات. كما يُمكن للاتحاد الأفريقي أن يقوم بتفعيلِ وهيكلة “الآلية الموسعة لحل الازمة في السودان”، التي تم انشاؤها في الدورة الوزارية الخاصة بالسودان في 20 ابريل 2023، والتي تضم، بجانب مفوضية الإتحاد الأفريقي والايقاد، عدداً من الدول المعنية بالشأن السوداني، والمنظمات الاقليمية والدولية، ودول الجوار، إضافة إلى الدول الأفريقية الأعضاء في مجلس الأمن.