ترى ما الذي يمكن أن يُلجم عِشق الإسلامويين للسلطة المُطلقة؟ ولماذا هم مغرمون بها حد الهوس المرضي؟ وعلام يتظاهرون بالزهد وعيونهم مُصوبة نحو الجاه والثروة؟ هل لأنهم يظنون إثماً أن السُلطة هي الدين أم لأنهم يعتقدون خطلاً أن الدين هو السُلطة؟ ولماذا يتوسلونها بُغية إحكام قبضتهم على الخلق ويروجون كذباً وافتراءً بأنهم لهثوا خلفها من أجل التقرب للخالق؟ وهل هذا الشبق ليزعوا به السُلطان أم لغض الطرف عن وعيد القرآن؟ إذن لماذا يحتالون على السُلطة بالدين ويتحايلون على الدين بالدنيا؟ ولما كانت السُلطة هي العلاقة ين الحاكم والمحكوم ولها تقديراتها الدنيوية، وما دام الدين هو الرابط بين العبد وربه وله قدسيته الأُخروية.. فلماذا إذن يخشون الحرية ولا يطيقون لها ذِكراً؟ ألهذا يرتعبون من فصل الدين عن السياسة ولا يكترثون لفصل الدين عن الدُنيا؟ فأنظر – يا رعاك الله – كم أضاعوا عمراً للكرى، وتأمل – يا هداك الله – كم أجهضوا حلماً للوطن؟
(2)
يظن الإخوان الإسلامويون أو (إخوان الشياطين) كما – سماهم الرئيس المخلوع – أنهم مبعوثو العناية الإلهية، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وطبقاً لهذا الزعم الفاجر قدموا أسوأ نموذج للحكم، كان امتداداً لدولتي الخلافة الأموية والعباسية، بل أضل سبيلاً. فالتجربة التي ملأوا بها الدنيا ضجيجاً وعجيجاً قبرها عرابها الذي مضى لقضاء ربه بعد أن شيعوه باللعنات، وكم كانوا يتمنون أن يقبض الله روحه قبل أن ينطق عن هواه وما جاش به صدره من فتن. فلماذا إذن صمتوا صمت القبور ولم يكفروه كما كفروا قوماً آخرين. أما أنا فقد بحثت ونقبت في هذه الدنيا، فما وجدت قوماً مُفسدين مثلهم.. يكذبون كما يتنفسون.. ينكرون حيناً ويكابرون أحياناً أُخر، ينسجون الأقاويل مرةً، وينشرون الأباطيل مرات، وإذا رأيتهم تحسبهم أطهاراً، ولكنهم خُشب مُسندة!
(3)
السُلطة وما أدراك ما السُلطة، أليست هي التي من أجلها أهدروا دماءً غالية. كنا نظن أن ما سفكوه من الدم الحرام.. على مدى ثلاثين عاما في كل بقاع السودان هو آخر مسيرة الآلام، لكن حبهم للقتل وظمأهم للموت وعشقهم للسُلطة، حال دون أن تمضي (الثورة السلمية) لنهاياتها المنطقية، فاستحلوا دماء الشباب الزكية وزهقوا أرواحاً بريئة في (ميدان الاعتصام) ولمَّا لم يشفِ ذلك غليلهم واصلوا (المسيرة القاصدة) بعد انقلابهم على السُلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م فبينما كانت نفوسهم المريضة تردد أهازيج (فلترق كل الدماء) كانت النفوس البريئة تغني (الزهور صاحية وأنت نائم) فأشعلوها في منتصف أبريل 2023م حرباً لا تبقي ولا تذر، دمرت العاصمة ابتداءً، ثمَّ صبَّوا على كل أنحاء البلاد سوط عذاب!
(4)
تعد فترة تسلط الإسلامويين ومسكهم زمام السلطة، من أطول فترات الطغيان في السودان بعد استقلاله في العام 1956م بل تُعد من أكثر الفترات مأساوية في تاريخه الحديث، ولا عجب أن جبَّت مُختلف حِقب الاستعمارات. والمُدهش بعد كل هذا السجل العامر بالمرارات لم يجد سدنة الفساد والاستبداد في أنفسهم حرجاً أن يتحوروا في محاولات لإعادة إنتاج المشهد المأساوي، ظناً منهم أن للناس ذاكرة (غربالية) تمسح جرائمهم، على الرغم من أن الدماء التي أهدروها ما تزال طازجة، ورائحة الموت الذي أدمنوه تملأ أرجاء الأمكنة، وسيرتهم بطغواها طافت على كل الأزمنة. يشدُّ من أزرهم (سواس الأحصنة) الذين صمتوا دهراً ونطقوا كفراً.. فانبرى رائدهم (البروفسير) الذي تأذى من كشف عورات الإسلامويين فوصم الشرفاء بما سمَّاه ظاهرة (الكيزان فوبيا) بظنه وهماً أن تلك تهمة نُنكر وشرف يُدَّعى.
(5)
نعم نقولها آناء الليل وأطراف النهار، إن أي دماء انهمرت منذ العام 1989م على أرض السودان الطاهرة وحتى الحرب الكارثية الراهنة، هي من صنع هؤلاء (البراغيث) وهي جرائم لا تنكرها العين إلا من رمدٍ ولا تسقط بالتقادم إلا من غرضٍ، بل يمكن المُضي أكثر بالتأكيد على أن حال هذا الوطن لن يستقيم طالما هم يسرحون ويمرحون ويتمتعون بالذي حرموا منه الناس سنين عدداً. ولعل أكثر ما يستفز المرء سؤال الغباء الذي يروج له التعساء في المفاضلة بين الجنرالين، أي الجيش أم الدعم السريع؟ وهو يحاولون تغبيش الوعي لأن الجنرالين في الجرم سواء، بينما المجرم الأكبر من صنعهما معاً واستبقى نفسه في الكواليس يدير خيوط اللعبة بذات المكر والدهاء الذي تمرس عليه.
(6)
صفوة القول، سوف تتوقف هذا الحرب العبثية، طال الزمن أو قصر. وسوف يتوقف هدير المدافع، ولكن لن يتوقف الجهر بالحق. فبعد كل هذا الذي حدث لن يكون هناك مكان حتى للذين وقفوا على الحياد في أزمنة المعارك الأخلاقية الكبرى كما قال مارتن لوثر كينج، فهؤلاء أيضاً قد حجزوا لأنفسهم مقاعد في أسوأ مكان للجحيم. فقد أجرموا جميعاً في حق هذا الوطن، الذي كان واعداً بالحرية والسلام والعدالة، وموعوداً بالخير والنماء، والتقدم. لقد صنع الشعب الصابر ثورة تعد في مصاف الثورات العالمية الكبرى، لكن خفافيش الظلام تآمرت عليه ولم يتركوه يجني ثمارها. فيا أيها الوالغون في الدماء، المتعطشون للموت، الكارهون للحياة، أحملوا أوزاركم وأرحلوا.
إذ إن لكم تحوركم ولنا ثباتنا.. لكم دينكم ولنا دين!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
faldaw@hotmail.com