ص ب: ٣٩ – عنابر ديم التيحاني – وأدب استعادة ألق الأمكنة
استلمت عبر البريد العادي، وفي اقل من شهرين كتابين من الصديق الشاعر والمترجم سيد احمد بلال. كان المؤلف الاول عبارة عن مجموعة شعرية متميزة في تجريبها، ومغايرتها عبر صور قصائدها وتراكيبها الجديدة وجاءت بعنوان: والماء اذا تنفس.
اما المؤلف الثاني الذي وصلني قبل ايام فكان بعنوان: ص ب: ٣٠ عنابر ديم التيجاني. هذا العمل الذي يصعب تعريفه في اطار الاعمال الروائية اجده وبما جاد به من توثيق ادبي رصين مكتوب ومؤسس على محبة وذاكرة لا تكاد تنسى شيئا يعتبر وفي تقديري احد العلامات التوثيقية النادرة لحياة مكان ربما كان من الممكن ان يندثر من الذاكرة العامة لولا الخدمة الرصينة التي قدمها لنا سيد احمد بتطرقه لكل صغيرة وكبيرة به في مرحلة زمانية وتاريخية هامة تلت الاستقلال ونهضة ميناء بورتسودان. انه بالتالي ليس مؤلفا توثيقيا موضوعيا فقط، بل خليطا مع الذاتي وحركة التطور الفردي وملاحظات صاحبها لكل شاردة وواردة بمحيط وتقاطعات حياة العمال الكادحين القاطنين القادمين من انحاء عديدة من البلاد غلبت عليه المصادر الشمالية لهم. كتب المؤلف بحب واحترام عن اولئك الرجال والذين كان من بينهم والده واعداد مقدرة من اقربائه المنحدرين من ذات القرية بالشمال. سيد احمد حكي طبيعة الم العنابر واصفا هندسيتها والمهن والاعمال ذات الارتباط بها وذكر لنا الاسماء اجمعها للعاملين والساكنين وذكرياته معهم، كما سيرته الدراسية ذات الارتباط بالمكان وكذلك قرية حزيمة التي بقت بها والدته فكان يقضي ثلثي السنة بديم التيجاني والثلث الآخر بالقرية. لم ينس بلال ورغم عمق وكثافة الارتباط بالديم ان يحدثنا عن القرية واعماله الشاقة الممتعة بها من رعي وغيره، وكذلك توصيف الحياة بها في تلك الاوقات. ديم التيجاني صفحة ناصعة من كفاح الطبقة العاملة السودانية تحت ظروف اقل ما يمكن وصفها انها وثقت لانتقال هؤلاء العمال من بيئة زراعية ورعوية الى اخرى صناعية حديثة (ذات ثقافة وتقاليد مميزة ونظام عمل صارم يفرضثدرا كبيرا من الانضباط) كما وصف الامر البروفيسور احمد العوض سيكنجة استاذ التاريخ الافريقي بجامعة اوهايو في تقديمه للكتاب الهام والذي يعلن عن نفسه كأهم الاصدارات السودانية لهذا العام والصادر من دار المصورات للطباعة والنشر بتصميم من التشكيلي المعروف احمد سيد احمد للغلاف.
wagdik@yahoo.com