تفاجأت ككثيرين غيري من وجود فيديو منشور على صفحة القوات المسلحة السودانية، يصور جنودا من الجيش يؤدون التحية العسكرية لصورة على الحائط للسفاح جعفر نميري في منزله، مع وصفه في المنشور بالرمز التاريخي ذي الهيبة، واغنية (اليوم نرفع رأية استقلالنا) تدور في خلفية الفيديو!!
ألا تعلم المؤسسة العسكرية ان هذا السفاح نميري انقلب على حكم الشعب، خان الدستور، حنث بقسم الجيش الذي يأمره باحترام الدستور وحكم الشعب والتضحية من أجله بروحه؟!!
الا يعلمون انه سمي بالسفاح لانه سفح دماء الآلاف من ابناء الشعب السوداني الابرياء من اجل ان يظل رئيساً غصباً عن الشعب، وسجل اسمه في سجل أسوأ الطغاة، ونتيجة لذلك أسقطه الشعب السوداني بثورة شعبية خالدة في ابريل ١٩٨٥؟!
هذا الفيديو يمثل استفزازاً صريحاً لأرواح كل شهداء ثورة ابريل ١٩٨٥.
ويعبر عن استهتار فاضح بأروح كل المناضلين الأبطال الذين سطروا ملاحم خالدة في مواجهة السفاح نميري ودفعوا ارواحهم ذكية من أجل تحرير الشعب من أغلال الشمولية النميرية وإقامة سودان حر مدني ديمقراطي.
هذا الفيديو يوضح أن عساكر الجيش مازالت عسكريتهم عندهم أعلى من الوطن ومن الحرية والعدالة والشعب والدستور. وهو ما يجعل حديثهم عن انهم يقاتلون من اجل الشعب في هذه الحرب الحالية مجرد نفاق وسلم يعبرون به بالبرهان للحكم طاغية جديدا وسفاحا جديدا يقتل الابرياء ويدمر البلد ويكافأ بالتحية العسكرية!!
هذه العقلية المستعلية على الوطن والشعب عند المؤسسة العسكرية السودانية هي أكبر سبب لانحطاط السودان، لأن العسكر بدل ان يدافعوا عن الشعب، يدافعون عن الطغاة والسفاحين. بدل ان يحموا الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق للشعب والجيش معا العدالة والمساواة والحرية والتطور، يحمون الانظمة الدكتاتورية التي تشيع الظلم والقهر والتمييز وتنحدر بالبلاد الى اسفل سافلين.
حينما هتف ثوار ديسمبر (العسكر للثكنات) كانوا يستهدفون تغيير هذه العقلية لدى الجيش، كانوا يستهدفون إيصال رسالة للعسكر مفادها، ان الجيش مؤسسة داخل الدولة وليست فوق الدولة، خاضعة للدولة لا مهيمنة عليها، وأن سيطرتها على السلطة بالقوة تعني هيمنة لغة السلاح والقهر والتي تعني انعدام السلام وتفشي الحروب، وهو ما يعني تمزق وانحطاط السودان، وهو ما نعايشه الان.
اذا لم تختف هذه العقلية العسكرية المتعالية من سماء السياسة في السودان، فان اي امل في وجود سودان مستقر متوحد متطور وخالي من الحروب، هو كالامل في وجود الغول والعنقاء والخل الوفي.
يوسف السندي