أن جلسة مجلس الأمن التي كانت تتعلق بالسودان يوم الجمعة 8 مارس 2024م بهدف وقف العدائيات في رمضان. و التي صدر فيها القرار رقم “2724” و قد تبين من خلال الجلسة أن هناك تنافسا إستراتيجيا على السودان لن يقف في حدود صدور البيان فقط، بل الإشار إلي إمكانية استخدام الفيتو إذا اقتضت الضرورة ذلك، و إذا حاولت بعض الدول أن تذهب أبعد لكي تتجاوز المادة السادس من ميثاق الأمم المتحدة. و الدعوة لوقف العدائيات في رمضان مقترح كانت قد صاغته بريطانيا وامتنعت روسيا عن التصويت عليه، و يهدف إلي “وقف فوري للأعمال العدائية قبل رمضان” ويطلب من “جميع أطراف النزاع البحث عن حل دائم عبر الحوار، كما يدعوالأطراف بوصول المساعدات الإنسانية في شكل كامل وسريع وآمن عبر الحدود و خطوط المواجهة.. لكن البيان ليس ملزم للحكومة السودانية و لا تترتب عليه عقوبات.. و يعتقد بعض المهتمين بالأمم المتحدة أن القرار يشجع المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة، على استخدام مساعيه الحميدة مع الأطراف والدول المجاورة، لاستكمال وتنسيق جهود السلام الإقليمية. و تصبح التقديرات للسلطة الحاكمة في السودان.
في هذه الجلسة امتنعت روسيا عن التصويت.. و قالت نائبة السفير الروسي آنا إيفستينييفا في كلمتها ( أننا قررنا السماح بتمرير القرار لأنه يتعلق بحياة السودانيين، لأننا نرفض أن يفرض المجلس قواعده و مبادئه على دولة ذات سيادة) أن حديث المندوبة الروسية إيفستينيا يشير إلي أن روسيا مررت القرار باعتبار أن تنفيذه اختياري، و لا يقلل من سيادة البلاد.. و إذا كان غير ذلك؛ كانت استخدمت روسيا حق ” الفيتو” و هذا يعتبر تذكير للذين في مخيلتهم صدور قرار تحت البند ” 7″ الذي يتيح استخدام القوة العسكرية.. و أضافت قائلة (نحن نعرف النية الحقيقية للغربيين. إن المعايير المزدوجة صارخة خصوصا عندما تتلكأ الدول نفسها في تبني وثيقة بشأن وقف لإطلاق النار في غزة حيث تحدث مذبحة حقيقية( أن روسيا أرادت من كلمة مندوبتها في مجلس الأمن أن تذكر الغربيين أن مناطق الصراع الإستراتيجي ليس هم بغافلين عنها.
في جانب أخر من المشهد الذي يتعلق بالسودان.. كانت الولايات المتحدة قد عينت مبعوثا جديدا لها إلى السودان “توم بيرييلو” من خلال هذا التعيين يتبين أن الملف سحب من الخارجية الأمريكية و ذهب للرئاسة.. و ظهر ذلك جليا عندما تم إنهاء فترة السفير جون غوديفري، و لم يعين بدلا عنه سفير انما عين مكانه قائم بالأعمال هو ” دانييل روبنشتاين”.. مما يؤكد أن السياسية سوف يديرها المبعوث الرئاسي، الذي قال إنه ذاهب للسودان و سيلتقي مع لجان الشباب والمرأة في إطار الجهود لإحلال السلام بالسودان.. و في مقابلة أجراها مع قناة “الحرة” قال بيرييلو ( يجب على جميع الأطراف السودانية الالتزام بمحادثات السلام، أي رجوع أطراف النزاع لمبادرة منبر جدة). السؤال هل بيرييلو لديه خطة عمل واضحة يريد طرحها على القوى السياسية لكي يتجاوز بها التحديات التي واجهت السفير الأمريكي جون غوديفري، أم أنه سوف يبدأ حيث انتهي سلفه؟
إذأ كان المبعوث الأمريكي بيرييلو يملك مبادرة أو مشروع بهدف إنهاء الحرب في السودان، و من ثم البدء في عملية سياسية؛ الأفضل عليه أن يقدم رؤيته للقوى السياسية من أجل دراستها ثم طرحها للحوار، أما إذا كان على قناعة؛ أن تعينه لكي يعمل مع مجموعة بعينها، يكون قد حكم على مبادرته بالفشل.. أن أسباب فشل ” فريق وزارة الخارجية الأمريكي” في حل المشكلة السودانية هو إصرارهم الرهان على مجموعة بعينها و يريدون فرضها فرضا..
الكل يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى، و ذات نفوذ كبير في المجتمع الدولي، و هي القوة العسكرية الأولى في العالم، و لكنها لا تستطيع أن تفرض على الشعوب رؤيتها و تتحكم في خياراتها، و قد تكأد لها ذلك من تجارب عديدة في فيتنام و افغانستان و شيلي و فينزويلا و غيرها.. يتطلع الشعب السوداني لصداقة الولايات المتحدة و دعمها لمسيرة نضاله من أجل عملية التحول الديمقراطية و نهضة البلاد الاقتصادية و لكن ليس بفرض الأوامر أو بفرض عناصر بعينها على المشهد السياسي، أنما من خلال الحوار السوداني الجامع الذي يسمح للكل للمشاركة في عملية استقرار البلاد الاجتماعي و السياسي و نهضتها الاقتصادية، و أن تصريحات المبعوث الأمريكي لقناة ” الحرة” قبل زيارته المنطقة تؤكد أنه يحتاج إلي حوارات مع كل القوى السياسية لكي يخرج برؤية يمكن أن تحدث أختراق في جدار الأزمة، أما الرهان على مجموعة بعينها يكون ذهب في الاتجاه المعاكس لطريق النجاح و الحل.
إن محاولة البعض أن يلمح أن بريطانيا أو أمريكا قادرتان على طرح مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف الحرب تحت البند ” 7″ لميثاق الأمم المتحدة، أن هؤلاء ليس ملمين بالصراع الإستراتيجي الذي ينتظم العالم الآن، و قد أثارته بشكل كبير حرب “روسيا مع أوكرانيا” و المندوبة الروسية في مجلس الأمن أرادت أن تذكر الغرب في كلمتها أنهم قادرين على استخدام “الفيتو” إذا كانت المسألة متعلقة بعدم أحترام سيادة البلاد هذا من جانب.. و في الجانب الأخر أن سباق انتخابات الرئاسة في أمريكا لا يجعل الإدارة متابعة للمشكلة السودانية بصورة كبيرة، و لكن فقط إثبات وجود، و لا تحكمها أي مواقف تحدث شرخا بينها و المجتمع السوداني.. أما قضية الميليشيا كوجود في الساحتين العسكرية و السياسية أصبح غير مرغوب فيها، و أن هناك قناعة عند أغلبية الشعب الذي يخرج يوميا لاستقبال متحركات الجيش، أنهم ضد وجود الميليشيا في الساحتين، و الإدارة الأمريكية يجب عليها أحترام رغبة الشعب. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com