في عصر تبدو فيه التوترات العالمية غالبًا لا يمكن التغلب عليها، مع ذلك يأتي قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الداعي إلى وقف إطلاق النار في السودان كخطوة أولى ومهمة لحقن الدماء ووقف معاناة المدنيين. مع تصويت 14 دولة لصالح القرار وامتناع روسيا عن التصويت، يبرز القرار أهمية الإجماع الدولي حول ضرورة السلام والاستقرار في بلاد طالما عانت من ويلات النزاع، والحروب الممنهجة و المتناسلة، و المتكاثرة بطريقة انشطارية.
“إن مجلس الأمن، إذ يؤكد من جديد جميع قراراته… ويكرر التزامه القوي بسيادة السودان ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، يعرب عن بالغ القلق إزاء انتشار العنف والحالة الإنسانية الكارثية.”
السودان، بتاريخه الغني وثقافته المتنوعة، غرق في سلسلة من النزاعات التي لم تزعزع استقرار الأمة فحسب، بل أوجدت أيضًا تحديات إنسانية كبيرة، ادخلت اكثر من 5 مليون مرحلة الجوع، كما خلفت أكثر من 9 مليون نازح، و1.7 مليون لاجئ، ووضعت أكثر من 24 مليون مواطن في حالة حرجة عاجلة للمساعدات الإنسانية، وبينما يعاني حوالي اك3ر من 3 مليون طفل من حالات نقص الحاد للغذاء المباشر، وفقدان أكثر من 15 مليون فرص الالتحاق بالمدارس. يمثل قرار مجلس الأمن لحظة محورية في نهج المجتمع الدولي تجاه السودان، معلنًا نداءً موحدًا من أجل السلام ودفعه جماعية نحو إنهاء العنف الذي طال أمده في البلاد.
“وإذ يرحب كخطوة إيجابية بإعلان السلطات السودانية عن قرارها بتيسير وصول المساعدات الإنسانية… تحث على مواصلة وتعزيز تنسيق الجهود الإقليمية والدولية.”
فإذا أمعنا النظر في التصويت، نجد هناك تفضيل شبه إجماع وامتناع واحد فقط وهي روسيا، توكد لحظة نادرة من الوحدة بين قوى العالم بخصوص مسار السلام في السودان. هذا الدعم الكاسح يرسم صورة مليئة بالأمل لما هو ممكن عندما تتحد الأمم من أجل قضية مشتركة. ومما يتطلب المزيد من العمل لضمان نجاح هذا القرار.
بالنسبة للسودان، يفتح هذا القرار أبوابًا جديدة للحوار والمصالحة وفي النهاية، الشفاء. الدعم الدولي يوفر أساسًا متينًا للأطراف المتحاربة داخل البلاد للتوقف، والتفكير، والنظر في التأثير الأوسع لأفعالهم على السكان المدنيين.
الطريق إلى الأمام
بينما يمثل القرار خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، فإن الرحلة نحو سلام دائم في السودان لم تنته بعد. تنفيذ وقف إطلاق النار سيتطلب اليقظة، الالتزام، ودعم دولي مستمر. يجب وضع آليات للرصد لضمان الامتثال، ويجب تحريك المساعدات الإنسانية لمعالجة الاحتياجات الفورية للمتأثرين بالنزاع.
“يدعو جميع الأطراف إلى ضمان إزالة أي عوائق وتمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط التماس.”
يجب استغلال هذه اللحظة من الإجماع الدولي لبدء حوارات سياسية شاملة تتناول أسباب النزاع الجذرية. السلام المستدام في السودان سيعتمد على بناء منظور سياسي يحترم حقوق الإنسان، يشجع على مشاركة جميع قطاعات المجتمع، ويعزز فرص اقتصادية تعود بالنفع على السكان بأسرهم.
قرار مجلس الأمن هو اعتراف بمسؤولية المجتمع الدولي تجاه حفظ السلام ودعم السودان والسودانيين. وحجم الكارثة التي أحدثتها الحرب في السودان، و خسائرها الفادحة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. على المراقبين والداعمين والمدافعين وعلينا تقع مسؤولية الحفاظ على هذا الزخم، الذى وضع قضية السودان في قائمة الأولويات الدولية والاهتمام الدولي والاقليمي. بل نحن مؤكدين على ضرورة بقاء الاهتمام الدولي مسلطًا على السودان وهو يتجه نحو الخروج من حطام النزاع.
دروب السلام في السودان مليء بالتحديات والاشواك والمتاريس والالغام، لكن بإيمان السودانيين ونضالاتهم المستمرة من أجل غد أفضل للجميع، و بدعم دولي مستمر ودفعه متواصلة نحو المصالحة الوطنية الشاملة والمتكاملة التي تستوعب التعدد والتنوع، مع إيجاد منابر تعبر على الأصوات التي ظلت مغيبة منذ الاستقلال ومشاركتها في عمليات الانتقال وفق أسس عادلة، وإعادة البناء، يمكن تحقيق مستقبل سلمي. قرار مجلس الأمن ليس مجرد توجيه لوقف إطلاق النار؛ إنه نداء للوحدة، الدعم، والسعي المستمر نحو السلام. دعونا جميعًا نكون جزءًا من هذه الرحلة النبيلة نحو سودان مستقر ومزدهر.