إذا ذهبنا خلف الغضب وقلة حياء الاسلاميين والجماعة وقوة عينهم على طريقة على عينك يا تاجر، فان حديث السفيرة أم حمد هو أهم حديث منذ قيام الحرب بالصوت والصورة في تأكيد اختطاف مؤسسات الدولة وتسيسها وعلى رأسها القوات المسلحة.
ينطوي حديث السفيرة أم حمد على مأساة عميقة ومعقدة تتلخص في ان الإنقاذ دولة وليس حكومة عابرة والسفيرة أم حمد تحت ظلال النظارات لا تحت ظلال القرآن، تتطاول على الشعب وثورته وعلى الجيش، وبدت في حديثها وحركتها الاسلامية كساعة الحائط المعطوبة تصيب مرتين كل اربعة وعشرين ساعة وان توقفت عن العمل فهي في المرة الأولى اصابت الهدف بدقة، فقد ارادت أن تقول بزهو وطاؤوسية وانتفاش أوداج انها هبرت وعبرت، وهي اليوم ذات سطوة ونفوذ، حققت مع كبار ضباط القوات المسلحة في الخدمة والمعاش بما فيهم الأعمام والاخوال كما ذكرت! وبإمارة من الحركة الاسلامية، كما حاولت الانتصار لنفسها (النفس أمارة بالسوء) وقدمت نفسها (بقشرة جديدة) وتقمصت شخصية قيادي من الطراز الأول فات الكبار والقدرو، والعجيب لجنة تحقيق الشخص الواحد مثل مسرح الرجل أو المرأة الواحدة، وقد تفوقت على علي عثمان والجاز ونافع وربما تخيلت انها حسن الترابي لهذا الزمان وانها أصبحت من المراجع العليا وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام.
في المرة الثانية أصابت السفيرة ام حمد وأقرت دون مواربة ان الجيش مسيس وتحت قبضة الجماعة الاسلامية من ناحية ومن الناحية الأخرى أقرت ان الحركة الإسلامية تنظيم معسكر وليس مدنياً، بل له جناح عسكري بعرض وطول القوات المسلحة.
الإصابة الدقيقة التي أحرزتها السفيرة ام حمد في المرة الثانية أوضحت أيضاً بجلاء ان الحركة الإسلامية داخلة (بصرفتين) مرة بنافذة الجيش وأخرى بنافذة (غندور المعتدل!!) مع ادعاء عرضه السموات والأرض بان المؤتمر الوطني تنظيم مدني والقوات المسلحة جناحه العسكري، والحقيقة انهم سيدخلون بثلاث (صرفات) أو اربع او خمس، فهنالك الدرديري محمد أحمد للحركة الاسلامية وأميرة الفاضل لجماعة تِرك وجمال عنقرة للحراك الوطني وواجهات تناهز المية غير المنسية والحمد لله رب العالمين.
حينما استمعت لحديثها في المرة الأولى غضبت وتذكرت محاربي الجيش الأشداء في الأراضي الساخنة مثل العقيد عبدالرحمن بلاع والعميد فرح ادم فرح والعميد عثمان عبد الرسول الضوء والمقدم سالم سعيد، وسرحت قليلاً ماذا لو شاهد السفيرة ام حمد وهي تتحدث كل من الفريق أحمد محمد أول قائد للجيش وأحمد عبدالوهاب وحسن بشير نصر وابو كدوك والمقبول وعوض خلف الله وعبد الماجد حامد خليل وغيرهم، كيف سيكون رد فعلهم؟
التقيت للمرة الأولى بالسفيرة أم حمد خلال مفاوضات السلام في ٢٠٠٤، كانت مسؤولة عن مجلة الاتجاه الإسلامي للطلاب في الجامعات واجرت معي مقابلة وقدمت نفسها على انها من جيل جديد يسعى للحوار والديمقراطية وهاهي الآن تحقق مع كبار ضباط الجيش! فكل شيء محتمل وحتى العودة إلى سنار، فهي مجذوبة للسلطة ومنسية من الفكرة.
دعنا نكون إيجابيين ونقول ان السفيرة ام حمد “أول أمراة سودانية” تحقق مع كبار ضباط الجيش الذين لا يسلمون السلطة إلا لحكومة منتخبة! ولا يعترفون بثورة غير منتخبة! ويقبلون بتحقيق السفيرة أم حمد غير المنتخبة!! بل يوقعون على إفاداتهم بإذعان!!
أخيراً السفيرة أم حمد تدرك مأزق الحركة الإسلامية ومأزق الجيش، فالجماعة لا جيش قومي ومهني أبقت ولا لمشروع اسلامي اتجهت، فهي أفسدت الجيش وخربت الجماعة وأساءت للإسلام، فالجماعة اليوم مجرد عصابة أمنية مستندة على بندقية الاستبداد وبقاعدة اجتماعية ضيقة وتوجهات إثنية ترفع الرؤوس بداعشية على أسنة الرماح وتنبش القبور ولا تجلب سوى الحروب والقمع وسيقاومها الشعب على طريق الثورة، ومشروعها غير قابل للاستدامة سيما بعد ثورة ديسمبر الجيل الجديد الذي يرنو نحو غدِ أكثر إشراقاً.