اعتدنا انتقاد المسؤولين مهما علا شأنهم أم صغر، ونضع أغلبهم في خانة التقصير، وإذا نال أحدهم إشادة من شخص ما، يكون التعليل الجاهز أن هذا الشخص تحققت له مصلحة خاصة على يد المسؤول الممدوح.
وهذه القاعدة التي اعتدناها جعلتني في حيرة وأنا أقرأ مقالاً لزميلي ياسر فضل المولى وهو يشيد بالسيد مهند عجبنا القائمام بالأعمال في السفارة السودانية بالرياض لموقف لمس فيها تفاني الرجل وإخلاصه. وقلت في نفسي هذه بيضة الديك ولا شك، إلى أن جمعتني الظروف بالرجل في مناسبات عدة، فلمست أنَّه قمة في التواضع، مع رقي في التعامل. وفي زيارات ثلاث للسفارة السودانية لم أجده في مكتبه، بل وجدته بين المواطنين المراجعين، حتى لا يمكنك أن تميّزه منهم، وفي أولاها لم أستبن أنَّه المسؤول الأول في السفارة، حتى غادرتها.
واليوم ذهبت إلى المستشار عبدالرحمن الحاج وألمحت إليه أن القائم بالأعمال ليس في مكتبه، فقال إنَّ هذا هو الوضع الطبيعي، وهذا ما قاله كل موظف في السفارة قابلناه متسائلين عنه، وعن المكان الذي يمكن أن يكون فيه، وكل واحد يدلنا على آخر موقع لمحه فيه، حتى مسحنا كل المكاتب والصالات مسحًا، لنجده في آخر المطاف محاطًا بالمراجعين، الذين يتلقى استفساراتهم ومطالبهم ببشاشة، ويتبادل معهم أطراف الحديث بلطف يخفف عنهم التلهف والتوتر اللذين قد يكون عليهما صاحب الحاجة إلى خدمة ما، حتى يدخل في خلد بعضهم أنًّه موظف من الموظفين، لا المسؤول الأول في السفارة.
وهذا الديناميكية يبدو أنها سرت في كل موظفي السفارة، فالسيد رحمة الله الفارس مدير الجوازات تراه أيضًا يلاحق المعاملات، ويطمئن على سير العمل رغم الاكتظاظ والزحام، ويقدم أقصى ما يمكن من تسهيلات، متفهمًا الظرف الاستثنائي الذي يمر بنا.
ويُوجَّه الموظفون في السفارة حالياً حيث يكون ضغط العمل، فقد وجدت سكرتيرة القائم بالأعمال منهمكة في تقديم خدمات ليست من اختصاصها، بل إن المستشار عبدالرحمن -كذلك- يشارك في تخفيف الأعباء، فتراه في الصالة أو الحوش، ويسهم مع زملائه في إيجاد الحلول بأريحية واضحة.
وأثر هذا الاهتمام بتوفير الراحة للمراجعين والإجابة عن استفساراتهم في الجو العام، فأصبح الهدوء يسود جنبات القنصلية على الرغم من كثرة الأعداد التي تستقبلها يوميًا، ولعل الجميع يلحظ أن قنصليتنا تتميز بأنها صاحبة أقصر الإجازات الرسمية بين رصيفاتها، أقول ذلك وإجازة عيد الفطر المبارك على الأبواب، لعل هناك من يختبر صدق قولي.
أعتقد أن وجود هذا الفريق المتفاني في هذا الظرف الصعب يخفف كثيرًا على المواطنين الذين جارت عليهم الحرب، وما أوجدته من واقع مزعج ومؤلم، فندعو الله في هذا الشهر الفضيل أن يزيل البلاء عن شعبنا وبلدنا، وأن يكون من نتائج هذه الحرب تغيّر سلوكيات الموظفين العموميين في كل المرافق الخدمية العامة باعتماد قاعدة أنهم في خدمة الشعب، وأن هذا الشعار لا يخص الشرطة وحدها.
كل عام وأنتم بخير.