تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، السبت، مقطع فيديو جديد عزز الاتهامات الواسعة بوجود مجموعات إرهابية تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، فما مدى صحة تلك الاتهامات وإلى ماذا تستند؟
عبر مراقبون عن قلقهم الشديد من استمرار الانتشار الواسع لعدد من مقاطع الفيديو والصور التي تؤكد ارتباط مقاتلين في الجيش السوداني وداعمين له ومسؤولين في الدولة بأفعال وتحريضات إرهابية من شأنها أن تعمق المأساة الكبيرة التي يعيشها السودانيون بسبب الحرب المستمرة منذ نحو عام بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال المراقبون إنه استنادا إلى القانون الدولي الجنائي، فإن مقاطع الفيديو المنتشرة التي تحتوي على عمليات قطع رؤوس وتمثيل بالجثث وأعمال تحريضية تعتبر أدلة واضحة لجرائم حرب، مشيرين إلى وجود رابط كبير بين إحدى المجموعات المقاتلة مع الجيش وجماعة داعش الإرهابية، وفقا لما يظهره أحد تلك المقاطع.
وفي حين تعمل معظم الكتائب والمجموعات المتطرفة تحت مظلة مجموعات المقاومة الشعبية، حذر شمس الدين كباشي نائب قائد الجيش يوم الخميس من الخطر الذي يمكن أن ينجم عن تلك المجموعات ورفض أن يكون الجيش مطية لأي مجموعة سياسية.
وكان ضابط كبير في الجيش السوداني قد كشف لموقع “سكاي نيوز عربية” أن عددا من ضباط الجيش ظلوا طوال الفترة الماضية يحذرون من خطورة ربط اسم الجيش بأي مليشيات قد تكون لها ارتباطات مع تنظيمات إرهابية منبوذة عالميا.
وأوضح الضابط “إشراك هذه العناصر في القتال إلى جانب الجيش يتم بتنسيق عالي المستوى مع قيادات سياسية إخوانية ذات نفوذ كبير داخل الجيش والأجهزة الأمنية مثل علي كرتي وأحمد هارون وغيرهم”.
دلائل عديدة
انتشرت خلال الفترة الأخيرة العديد من مقاطع الفيديو والصور التي تشير إلى ارتكاب أعمال إرهابية وبعضها يحتوي على رسائل تهديدية وتحريضية موجهة إلى دول ومجموعات سياسية بعينها.
وتداول ناشطون على وسائط التواصل الاجتماعي يوم السبت مقطع فيديو يظهر فيه أحد منسوبي تنظيم الإخوان من الذين يقاتلون مع الجيش، ويدعى “هيثم الخلا”، وهو يصرح بوجود كوادر نشطين بالحركة في الخارج، ويقول انه سيتم تدريبهم حتى ولو عن بعد للقيام بأعمال هناك.
وكان نفس المقاتل قد هدد في مقطع فيديو سابق باستهداف أعضاء قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة التي قادت الثورة التي اسقطت نظام الإخوان في أبريل 2019.
ويشير الخبير القانوني كمال عبد السلام من خطورة مثل هذه النزعات الإرهابية التي تجرمها القوانين المحلية والدولية بشكل واضح.
ويقول عبد السلام لموقع سكاي نيوز عربية إن القانون الجنائي الدولي وأنظمة محكمة الجنايات الدولية تنص على عقوبات رادعة في حق مرتكبي جرائم الإرهاب والتحريض.
ظاهرة مستمرة
في الواقع سبقت مقاطع “هيثم الخلا” العديد من المقاطع والوقائع التي تمضي في ذات الاتجاه، فقبل بضعة أسابيع نشر أحد دعاة الحرب الداعمين للجيش وهو صحفي يدعى عطاف عبد الوهاب، مقطع فيديو أعلن فيه إهدار دم عناصر قوى الحرية والتغيير وطالب المواطنين بقتل أي عضو في التحالف رميا بالرصاص.
وفي ديسمبر كشفت كتيبة البراء التي تقاتل إلى جانب الجيش منذ بداية الحرب؛ عن علاقة عضوية وثيقة بينها وتنظيم “داعش”. ووفقا لمقطع فيديو متداول، فإن اختيار قائد الكتيبة الحالي المصباح أبوزيد جاء بعد هجرة سلفه الذي يدعى “أبو مصعب الجعلي” إلى سوريا في العام 2012؛ وانخراطه في القتال مع تنظيم داعش في بلاد الشام مثله مثل العشرات من المنتمين إلى تنظيمات جهادية انشاها تنظيم الإخوان في السودان بعد سيطرته على الحكم في العام 1989 وذلك بهدف مساعدته في حرب الجنوب التي استمرت طوال فترة التسعينيات وانتهت بانفصال دولة الجنوب في العام 2011.
وفي عام 2013 أعلن مدونون تابعون لداعش على صدر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي نجاة أبو مصعب الجعلي من الموت بعد مقتل زميله السوداني “حسن مأمون” اللذان كانا ضمن مجموعة أسندت لها مهمة اقتحام أحد المعسكرات داخل الأراضي السورية.
وبعد أيام من إعلان داعش في 2014 بأن مجموعات جهادية سودانية ستعلن مبايعتها لأبو بكر البغدادي؛ أعلن محمد علي الجزولي؛ الذي ظهر قبل أيام من اندلاع الحرب في الخرطوم في مقطع فيديو مع عناصر ذات علاقة بكتيبة البراء؛ مبايعته أبو بكر لبغدادي.
وسربت وسائط للتواصل الاجتماعي مقربة من قوات الدعم السريع بعد أشهر من اندلاع الحرب مقاطع فيديو للجزولي المعتقل لديها وهو يقر بتورط عناصر الحركة الإسلامية في التنسيق مع قيادات في الجيش للتحشيد للحرب قبل اندلاعها بعدة أيام.
وبعد اندلاع الحرب برز اسم كتيبة البراء بقوة وسط جدل واسع حول دورها في إشعال الحرب التي ادت إلى دمار هائل ومقتل أكثر من 15 آلاف شخص وشردت نحو 10 ملايين حتى الآن.
وكتيبة البراء هي إحدى أكثر الكتائب الإخوانية إعدادا وتدريبا وتسليحا والتي نشأت خلال فترة حرب الجنوب وتتكون من مجموعات شبابية تتراوح اعمارها بين 20 و35 عام وينحدر معظم عناصرها من خلفيات تنظيمات طلابية كانت تعمل تحت مظلة الأمن الطلابي. وكبقية الكتائب الجهادية تمتعت كتيبة البراء طوال فترة حكم تنظيم الإخوان الذي استمر منذ يونيو 1989 وحتى اسقاطه في ابريل 2019؛ بامتيازات عالية منحتهم اليد الطولي على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.
وفقا للمفكر والأكاديمي عبد المنعم همت فإن المقاطع المتداولة تظهر وجود علاقة ترابطية واضحة بين الإرهاب والعديد من المجموعات التي تقاتل الى جانب الجيش. ويرى همت ان الخطر الحقيقي يكمن في ظهور علاقة تنظيمية واضحة بين الجيش والمجموعات المتطرفة، ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية “ظهر قبل ايام قليلة ضابط رفيع من القوات المسلحة في افطار نظمته كتائب الإخوان وهو يثني على تلك الكتائب ويدعو السودانيين للانضمام اليها”.
بصمة واضحة
مع تطاول أمد الحرب بدأت البصمة الإرهابية تظهر بشكل أكثر وضوحا، ففي يناير أثار مقطع فيديو يظهر مجموعة مقاتلين تابعين للجيش وهم يحتفلون بقطع رؤوس أشخاص ويحملونها على أياديهم غضبا محليا وعالميا كبيرا.
وقال بيان صادر عن الناطق الرسمي للجيش في حينها إنه سيجري تحقيقا في الواقعة، لكن حتى وقت كتابة هذا التقرير لم يصدر أي بيان من الجيش يؤكد إجراء التحقيق.
وظهر في المقطع عدد من الجنود وهم يحتفلون بطريقة “هيستيرية” ويحمل أحدهم واحدا من الرؤوس المقطوعة.
ونشر ناشطون أيضا صور ومقاطع يظهر في أحدهما مقاتل تابع للجيش ويعتقد أنه من إحدى الكتائب الجهادية وهو يجلس منتشيا واضعا رجله فوق جمجمة قتيل مجهول، كما ظهر آخر وهو يبدو وكأنه يأكل يدا مقطوعة لشخص قتل في إحدى المعارك بمدينة أم درمان.
وفي سياق متصل، نشرت مجموعة تسمي نفسها كتيبة أنصار الشريعة بيانا على فيسبوك تتبنى فيه عملية حرق ضريح أحد رجالات الطرق الصوفية في وسط ام درمان قبل نحو اسبوعين. وبررت الجماعة حرق الضريح بسعيها لإنهاء “مظاهر الكفر”.
ومع تزايد أعمال العنف تكشفت العديد من الانتهاكات في حق المدنيين، التي ترتكبها مجموعات تقاتل مع طرفي الحرب، وسط تقارير تربط بين بعض تلك الانتهاكات والأساليب التي تستخدمها جماعات إرهابية مثل “داعش” وغيرها.
وترى رحاب مبارك عضو مجموعة محامي الطوارئ ان التخويف والخطاب التحريضي يشكل جزءا أساسيا من الفكر الإرهابي وهو ما يظهر من خلال خطاب الكراهية الذي تبثه الأبواق الاعلامية، وتقول لموقع سكاي نيوز عربية “التخريب الذي طال أحد الأضرحة في أم درمان، إضافة إلى عمليات قطع الرؤوس وغيرها من الجرائم الوحشية جميعها اعمال تحمل بصمة تكفيرية داعشية واضحة يقصد بها التخويف والترعيب”.
ارتباطات موثقة
بعد استضافة نظام الإخوان لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في السودان في بداية تسعينيات القرن الماضي؛ انفتح الباب واسعا أمام زيادة ارتباط المليشيات الإخوانية السودانية بالتنظيمات العالمية المتطرفة.
أدرج السودان لسنوات طويلة في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب مشاركة عناصر إرهابية منحها نظام الإخوان جوازات سودانية في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي والتنزانية دار السلام في العام 1998، وتفجير البارجة الأميركية “يو إس إس كول” قرب شواطئ اليمن في العام 2000.
منذ العام 2011 بدأ التحاق عناصر التنظيمات الإخوانية السودانية بتنظيم داعش. وفي العام 2018؛ تداولت تقارير صحفية على نطاق واسع؛ عودة نجلة وزير الخارجية الحالي علي الصادق من سوريا بعد عدة أشهر من العمل مع تنظيم داعش.
في 2012، قدمت البعثة السورية في الأمم المتحدة لائحة إلى مجلس الأمن تضم كشفاً وقائمة بأسماء 142 جهادياً من بلدان عربية وإسلامية قتلوا في مواجهات عسكرية خلال الصراع هناك من بينهم عناصر من التنظيمات ذات العلاقة بكتيبة البراء من أمثال عبد الرحمن إبراهيم الذي لقي مصرعه في حلب في 11 سبتمبر 2012 و”أبو شرحبيل السوداني” وقتل في حلب ايضا بتاريخ 15 نوفمبر من العام 2012.
سكاي نيوز عربية