من الواضح أن الجيش السوداني يتعامل مع الحرب الدائرة في السودان بـ(تيكتيكات مختلفة) ، ولكن صناعتها في الغالب الأعم هي أمنية أكثر من كونها سياسية ولذلك تغيير (التكتيك) بين كل مرحلة وأخرى تواجهه تحديات وتصطدم بالتحالفات التي نسجها الجيش في الفترة التي سبقتها.
الظهور الطاغي للحركات المسلحة في المشهد الأيام الفائتة لم يأت من فراغ ، وإنما هي اللحظة المناسبة التي رأى فيها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بأن يدفع بها بمناوي وجبريل ومالك عقار وطمبور في أتون المعركة ، وفي ذات اللحظة ظهر جعفر الميرغني في شندي وهو يتوسط حشد من الوقت المسلحة وربما هي المرة الأولى التي يقف فيها جعفر وسط جنود مدججين بالسلاح بل ويعلنها دواية بأن أي قوى سياسية تقف في الحياد هي ليست على الطريق الصحيح.
يقرن ذلك مع التصريحات المزلزلة التي أدلى بها نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول شمس الدين كباشي بشأن وضعية المقاومة الشعبية ورفضه استغلالها سياسياً ، بل اصداره الاوامر لقيادة الحاميات بعدم التسليح العشوائي ، وهذا يخالف لحد كبير تصريحات سابقة للقائد العام للجيش البرهان الذي طلب من المواطنين التسلح بأي كيفية لحماية أعراضهم وممتلكاتهم.
من المؤكد أن البرهان استدرك الآن أن تصريحاته تلك ستذكر المجتمع الدولي بعلاقته بتجييش القبائل في الحرب الأهلية في دارفور ، ولذلك سارع بإلغاء مسمى لجنة الاستنفار ، وترك الخطاب المباشر لنائبه كباشي الذي واجه حملة انتقادات واسعة من قبل أنصار المقاومة الشعبية وغالبهم من نشاط الإسلاميين ، فيما صب الاعلاميين الموالين لهم جام غضبهم على جعفر الميرغني ساخرين من ظهوره وسط القوات المسلحة.
من الواضح أن الإسلاميين المتحالفين مع الجيش أدركوا أن قيادته لن تسمح لهم بالسيطرة الكاملة وأنها استجابت لضغوط خارجية تستدعي عدم سيطرتهم وبالتالي (حصادهم الشوك في آخر مطاف) الحرب العبثية ، فقاهرة المعز تغيرت مواقفها وتريد أن تدعم الجيش حسب الأمر الواقع ولذلك دفعت بحلفائها (جعفر الميرغني – مناوي – جبريل) ليتولى الناظر ترك رئاسة المقاومة الشعبية بالبحر الأحمر وهذا هو التحالف الجديد الذي سيدخل به الجيش التسوية القادمة وقد تقبل بعض القوى السياسية الأخرى وربما الدعم السريع.
إن شعرة معاوية المتبقية بين الجيش والحركة الاسلامية أوهن من خيط العنكبوت ، وأحس بذلك حتى غلاة المتشددين الحركيين بالحركة الاسلامية وتجاوز رد فعلهم الانتقاد وعادوا لمهاجمة قيادة الجيش ، ولم يتبق من قوة للإسلاميين سوى قدرتهم على معرفة كل ما يدور داخل الجيش ونواياه المستقبلية ، في السابق كانوا يستطيعون عرقلة كل الخطوات التي من شأنها ان تدفع بحل لا يتوافق مع رؤيتهم لكن هذه المرة إنفرط العقد والخيار الوحيد هو انحناءهم للعاصفة.
الجريدة