قدر الشعب السوداني الكريم الذي عاش مجدا وعزا ورخاء وكرما وطيبة وسماحة وبساطة ان يحكم عليه بالتشريد والتهجير والموت بالدانه والترويع والتجويع . والتهجير واخراج الناس من الديار وهو يعادل الموت وخروج الروح من الجسد كما بينه الله تعالى في سورة النساء “ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا أنفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم “. ويدرك من نظر لذلك ان للأمر تبعات لا تتوقف عند اللحظة التي يعيشها المرء باحثا فيها عن مأوى آمن دافئ، بل تتعداها الي البحث عن الهوية الضائعة ، والنفس التائهة المبعثرة في جنبات الحياة، تطلعا وتشوقا نحو انتماء يلم شعث المرء ويسكن فؤاده. فالروح دوما تواقة للسكون والسكينة والاستقرار.
قال اشهر شعراء بلاط سيف الدوله الحمداني أبو الطيب المتنبئ
عيد بإية حال عدت ياعيد بما مضى ام بأمر فيك تجديد
رغم استهلاك بيت الشعر هذا واستخدامه على مر القرون، إلا أن قوته ومقدرته على تصوير حال البوساء تتجلى في الأعياد .
فرحة عيد الفطر بإتمام فريضة الصيام. وتبدا بتكبيرات الصلاة في الصباح الباكر وزيارة الأقارب عند الكبار والاستمتاع بلقاء من فرقتهم السنون، وباعدت بينهم دروب الحياة. وعند الأطفال فإن الفرحة تتجلى باللعب في الشوارع والأزقة وبتعليق ثياب العيد منذ المساء لارتدائها في ساعات الصباح ، وانتظار العيديه وجمع النقود والحلويات وغيرها . من طقوس العيد التي ترسم على وجوههم الفرحة والسعادة.
أما بالنسبة للاجئين السودانين في الشتات فالأمر مختلف عما كان عليه في السابق بعد أن سلبت الغربة والشتات فرحة العيد واستباحت آلام اللجوء وحدتها فرحة لم يعد لها وجود. وان معظم الأسر تبعثرت فتجد الأسرة الواحدة بعضها لاجئ، وبضعها الآخر نازح ..فكيف تكون فرحة العيد؟
لم يعد لأطفال السودان طعم للعيد كما كان في السابق، بعد أن حملت أكتافهم هموم الرحيل ، وأعباء الحياة، ولاتزال مشاهد القتل والدمار ماثلة أمام عيونهم تعيش في ذاكرتهم ليل نهار.
فبالنسبة للكبار العيد حسرة، ومع دخول صباح يومه الأول ، تبدأ أشجان الذكريات تداعب خيالهم ،وتعود بهم الذاكرة إلى سنيين خلت، لاستذكار أيام العيد في ربوع السودان . ولقاء الأحبة والأقارب والأصدقاء ممن طالتهم يد القتل الآثمة ، أو رحلوا عبر رمال صحراء الحارقة، او أمواج المتوسط، هرباً من بطش الحرب ولم يسمع عنهم أحد بعد ذلك.
لم تعد للعيد نكهته كما كان في السابق. أصبح العيد موسم للأحزان والذكريات المؤلمة إذ لا تزال الحرب تدور رحاها في الجزيرة وكردفان ودار فور…صارت الحياة nightmare
وأضحى العيد مجرد يوم صعب وشاق، ضمن حياة لم تمهل الكثير من الأطفال لينضجوا في عمر الزهور، ويكبروا في عز الطفولة ، ويصبحوا في لحظة مثقلين بهموم الحياة مكبلين بأعبائها.
وسرقت تلك الهموم من الصغار فرحة العيد.. طالما ارتبطت كلمة العيد باللجوء والنزوح هذه وحدها كفيلة بإستدعاء آلاف الصور الى مخيلاتنا وتتداعى الى رؤوسنا صور البؤس الفقر والعوز والحاجة والسودان كان سلة غذاء العالم. ولا زال يغذي خزائن اعتى الدول بالذهب والمعادن النفيسه.
ومع دخول الأزمة عامها الثاني، دون وجود أي حل يلوح بالأفق ومع إمعان البرهان وحلفائه الكيزان بالقتل والعمل بشكل ممنهج على تشريد المزيد من السودانيين ، وتفريغ الأرض من سكانها، سيبقى الكثير من اللاجئين يفتقدون طعم العيد الذي تذوقوه حين كانوا في بلادهم قبل الحرب . لكن رغم المآسي يحدونا الأمل.
نسال الله
ان تضع الحرب اوزارها ، تستقر البلاد على يد ابناء السودان الشرفاء الذين يقولون لا للحرب. لا للحرب التي اذاقتنا علقم الحياة. مرارة الأعياد في مواطن النزوح واللجوء.. وكل عام وانتم بخير وصحه وعافيه.
آسيا المدني
مسقط
سلطنة عمان
٩ أبريل ٢٠٢٤