حين يستبد الشوق بمجامع الوجد، يرفع (وردي)، ذراعيه في الفضاء عالياً، بإشارة البدء للموسيقى قبل أن يبدأ بالشدو، يأذن للموسيقى، أن ترش جسد اللغة النازفة، عرقاً، بالعبير والدهشة.
كان لا يفعل ذلك، إلا نادراً، و ما كان قبل ذلك يقول شيئا سوى..
شكرن…( نسمعها شقرن)
كل سنة ونتو طيبين، حتى ولو لم يكن الميقات عيداً.
وكنا طيبين دائماً، وكان العيد طيب.
كان العيد يطيب بصوت ( محاسن سيف الدين)، يبدأ (ما يطلبه المستمعون)، بقطعة موسيقية يباغتنا فيها نفخ النحاس
..ويك..
ونغني نحن من كلمات بنات أفكارنا
(سيد اللبن جا ، جيبو حلة..
مرقت لى زهرا بالقنلة)
وكان سيد اللبن، لاعب اكروبات بالفطرة، تمنة على اليمين، و( تمنة) على اليسار، ومجموعهم ثمانية!
كان معظم اسمه ( عبد القادر)، والتمن معلقة على عصا، والعصا تمتد افقياً على ظهر الحمار المطهم، وعلى نقطة إرتكاز بالغة الحساسية، يجلس (عبد القادر) سيد اللبن، وقد يتفلسف فيخلف ساقه اليمنى، تحت فخذه الأيسر، ويلولح ما تبقى من اليسرى، في بلهنية، ويتبع ذلك بالنم، ذاك قبيل ظهور ( الهيد فونز)، و(الآيفون).
تتضارب ( التمن)، يسكب صوت اصطفاقها الندى، فى جدار الصباح، وشاى ( الصباح)، والفتاة ترفع كفيها بالدعاء، فى دائرة داخل ظرف أحمر!
ما كان أجمل من (غموس) الرغيف، فى كباية ( الشوب) الممتلئة، ثم التلمظ ( بالحُترُب)، قبيل الشروع إلى السعى، إلا صوت رنين (قروش حق الفطور)، حمراء، نحاسية،مفسطنة بزقزاق منتظم متعرج، فى أنصاف دوائر، عليها صورة بدوى ( الدمغة)، بارزٌ يُحس، بلمس رفيق، على ظهر بعير واسع الخطو متسارع، وبعضها لامعٌ، مشعٌ، فكأنما ضرب لتوه، أو حين يدعك بقشر الليمون، أو الرماد، وذاك يحفظ، ولا يُصرف ( بالساهل)، أو يُدّخر للنجدة، فى حر الهاجرة، فيدخل علبة صفيح كشك الليمون ( ابو ماركة)، ويستبدل بالبارد، الذى يشدّ المدّاغات شدّا، او يخلى سبيله، بخسران، فى منافسات الطرة والكتابة!
وكان لنا (معرفة) صاحب كشك لليمون، كنا نتظاهر بأن الدرب ( جابنا)، حتى يهتف بنا، وكلنا شوق لهذا الهتاف:
(إتفضلو يا شباب خلونا نكرم مستواكم)
كنا نضحك فى سرنا، مخافة أن نجرح ( شعورو)، كما تقول أمنا، فنحن أولاد مدارس، وهو (زول على قدر حاله.)
كل عام كنا بخير
برغم العام يأتى (بالسحاوى )، والملاريا، و(التيفوت) كما تصر جدتى ( نسعل الله السلامة)، على نطقه، وتقول ( المراريا) .
ظهر المسجل الكاسيت، واختفى المسجل ( أبو طارة)، وكان يسمى ( الريكوردر)، و اختفى معه المايك اب صابونة، و عامت معه ( انتي كلك زينه)، و(السمحة نوارة فريقنا)، و(السايق البوباى)، وحدثت التايوتا، ولمع (زيدان)، وما عاد ( ابو سريع) سريعاً!!
إشتعل (عمر الشاعر)، وأشعل معه ( زيدان)، و قال النميرى (شكرن شعبي)، سمعناها (شقرن)، فضحك الناس، حتى ابتلت لحاهم.
إزدهر الشمع فى ( منصفون )، فأفرخ أقراصاً، خضراً، أعظمها مبيعاًأ واستلافا (زهرة نادية)، و غزل فج تعلمناه، (توعدنا و تبخل بالصورة)!
واتسع القرص، ليحوى فى مجامعه، ( الساقية)، و( قلت ارحل)، وكان (صلاح مصطفى ) حينها يقيس إيقاع (الفالس)، فى فضاء ( شارع الضباب) ..
كل عام وكنا بخير
وتناقص الخير، فتناقصت العيدية، أو قبضناها، وأعدناها، غداة التالى إلى مانحيها، ( سلفة) ترد.
كان قريبى ينده بأعلى صوته، يا ولد تعال شيل عيديتك، ملتهماً بعينيه، كل تقريظ ومدح، يهب ناحيته، وفى الليل متسربل بالظلمة، يأتيك يسعى ألى عنقريبك، وأنت قابض على الريال، بعزم الأنبياء جميعا، هامساً، بادق من الهمس وحيحا..
تاج السر…يا تاج يا زفت، سلفنى الطراده القبيل… بديك ليها بكرة…ما تعمل لى فيها نايم..انعل ………………………………..
وتعود محاسن، بصوتها العذب:
(حنان و منال بالسجانة…و يهدونها للخال ابوعبيدة بسنجة، والأهل بطيبة الحسناب ..العريف التجانى بسلاح الأشارة.، إلى الخطيبة بقوز كبرو…)
ويك
سيد اللبن جا…
تاج السر الملك