هكذا أكملت الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م بين الجيش والدعم السريع، العام وما زال القتال محتدما بين الطرفين، ولعل هذه الحرب قد خلفت الكثير من الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فكيف عايش السودانيون هذه التحولات.
خسائر في الأرواح والاقتصاد
لئن كانت البداية في أبريل من العام الماضي إلا أن الشهور اللاحقة شهدت الكثير من الأحداث حيث تمددت الحرب لتعم كل أحزاء ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث وضواحيها ومن ثم تمددها إلى العديد من ولايات السودان مما تسبب في دمار هائل للبنية التحتية وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والاقتصاد جراء المعارك الشرسة التي دارت بين الجيش والدعم السريع وما تبع ذلك من موجات نزوح إلى الولايات الأخرى داخل البلاد وكذلك اللجوء إلى دول الجوار وغيرها من الدول الأخرى
حيث تقدر المنظمات الدولية عدد النازحين واللاجئين ب ٨ملايين وعدد القتلى ما يفوق ال١٥ مليون شخص.
الجوع الشديد
وبالنسبة لنقص الغذاء يعاني بالفعل حوالي ١٨ مليون شخص من “الجوع الشديد” الآن في السودان، وهو رقم مرشح للزيادة بأعداد كبيرة.
وفي حديث (لبي بي سي عربي)، حذّر مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة من أن السودان الآن على الطريق إلى أسوأ أزمة جوع في العالم.
وقال مايكل دانفورد، منسق برنامج الأغذية العالمي للطوارئ في السودان: “نحن أمام كارثة، وأكثر ما أخشاه أنها تتجه إلى الأسوأ”.
وفي مارس الماضي حذرت الأمم المتحدة في وثيقة أطلعت عليها وكالتا “فرانس برس” و”رويترز”، من أن 5 ملايين سوداني قد يواجهون في غضون بضعة أشهر “انعدام أمن غذائي كارثيا” بسبب الحرب الدائرة في بلادهم منذ قرابة عام.
وكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي، أنه “من دون مساعدات إنسانية عاجلة ووصول للمنتجات الأساسية، فإن ما يقرب من 5 ملايين سوداني، يعانون بالفعل من حالة طوارئ غذائية، يمكن أن ينزلقوا إلى انعدام أمن غذائي كارثي في بعض أنحاء البلاد في الأشهر المقبلة”.
حرب بلا أدنى سقف أخلاقي
من جهته يقول شهاب إبراهيم القيادي بقوى الحرية والتغيير في إفادته لـ(التحرير) إن الحرب التي تدور في السودان ليس لها أدنى سقف إنساني وأخلاقي لذلك آثارها كبيرة جدا خصوصا علي الأطفال وكبار السن، ومتوقع أن تزداد المعاناة مع توسع الحرب لمناطق خارج خارطة المعارك الحالية.
ويؤكد إبراهيم أن هناك أكثر من ١٥ مليون طفل خارج نظام التعليم ومع البنية التحتية المتهالكة ستتقطع الخدمات الصحية.
وبالرغم من الصورة القاتمة يرى القيادي بقوى الحرية والتغيير أن فرص التوصل لسلام تظل قائمة عبر حل تفاوضي إذا تم ممارسة الضغوط الكافية وعزل تأثير الحركة الإسلامية وقطع الطريق أمام خطتها في العودة للحكم عبر الحرب.
عبء هائل على الاقتصاد
فيما يلي الأثر الاقتصادي يرى د. هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي في حديثه لـ(التحرير) أن
عدد النازحين وصل إلى 10 ملايين و700 ألف شخص مما تعتبر أكبر أزمة نزوح فى العالم. ويتابع بالقول: بشكل عام، تمثل الحرب السودانية عبئًا هائلًا على الاقتصاد السودانى، حيث تسببت فى تدهور البنية التحتية الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الأمن الغذائى، ويتطلب استعادة النمو الاقتصادى واستقرار السودان جهودًا كبيرة لإعادة إعمار البنية التحتية، وتعزيز الاستثمارات، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية.
ويشير فتحي إلى أنه بعد مرور عام على الحرب تراجعت الصادرات السودانية بنحو 60% مع إغلاق المطار الأهم وهو مطار الخرطوم، وتوقف العمل بمعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، مع اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب مما أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة،
حيث تراجع إنتاج السودان من الذهب من 18 طنًا إلى 2 طن ، مما أفقد عائدات صادرات الذهب التى تعادل 50 % من الصادرات بقيمة 2،مليار دولار.
انكماش الاقتصاد
كان صندوق النقد الدولي قد حذّر من انكماش كارثي للاقتصاد السوداني بنسبة 18.3% في عام 2024، وذلك جراء النزاع المتطاول الذي دخل شهره الـ 11 دون أي بوادر لحلّ سلميّ في الأفق.
ويأتي التوقع بعد انكماش الاقتصاد بنسبة 12% في عام 2023، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، حيث أدت الحرب إلى توقف الإنتاج وتدمير رأس المال البشري وقدرات الدولة.
نهب المصارف
يقول هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي إن القطاع المصرفى يعتبر من أكبر خسائر الحرب الاقتصادية ، حيث تعرض 100 فرع من المصارف العامله في السودان للنهب والسرقة والتدمير ، وبلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38% فى مصارف الخرطوم العاصمة فقط. ولم يسلم البنك المركزى السودانى من هذه العمليات التخريبية، وهو ما جعله يُعانى من نقص شديد فى السيولة، مشيرا إلى أن الكثير من البنوك بدأت تُعانى من مشكلة إدارة ديونها، بعدما تعرضت الشركات الكبرى التى اقترضت منها مبالغ كبيرة للتدمير والنهب، وهو ما جعل البنوك السودانية تواجه مشكلة فى تحصيل هذه الديون، مما يؤثر سلبا علي القطاع المصرفى.وأوضح فتحي أنه بعد مرور عام من الحرب قدرت بعض الدراسات التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة فى الاقتصاد السودانى بأكثر من 100 مليار دولار، مع توقف 70% من النشاط الاقتصادى فى السودان. وأشار الخبير الاقتصادي إلى انخفاص قيمة الجنية السوداني مقابل العملات الأجنبية منذ اندلاع الحرب وأوضح أن الحرب أدت إلى توقف 70 بالمئة من فروع المصارف، وتم نهب ممتلكات وأصول وموجودات البنوك لافتا إلى أن الحرب زادت من وضع القطاع المصرفي الذي يعاني بالفعل من مشكلات، مبينا أن الحرب أثرت على اقتصاد ومصالح السودان ودولة الجنوب، والتي ضاعفت من التداعيات النزاعات داخلها، ما أدى إلى تراجع صادرات جوبا من النفط إلى 150 ألف برميل يوميا من 350 ألفا قبل ذلك، كما تأثرت عائدات السودان البالغة نحو 300 مليون دولار سنويا. وأكد أن خط تصدير النفط المتضرر هو الأطول في أفريقيا، حيث بلغت تكلفة إنشائه نحو 1.8 مليار دولار، ويعاني هذا الخط من مخاطر تعرضه للتلف، ما يعيق اتفاق نقل النفط الخام من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير، والذي تحكمه اتفاقيات دولية. وأوضح فتحي أن الاقتصاد تعرض بسبب الحرب لاستهداف وتدمير طال البنى التحتية، بما في ذلك مصفاة الجيلي الرئيسية التي كانت تنتج نحو 100 ألف برميل يوميا. وقال إن الحرب أدت إلى انهيار المستوى المعيشي للمواطن وارتفاع معدل الفقر، بجانب نهب ممتلكات المواطنين وأموالهم من قبل قوات الدعم السريع.ونوه بأن هجرة رجال أعمال وتجار عاملين في القطاعات الصناعية والحرفية من مشغلي الأيدي العاملة إلى دول مجاورة أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 55%. فضلا عن أن ضعف آلية تشغيل البنى التحتية والقطاعات الخدمية أفضى إلى تعطيل الدورة الاقتصادية وتهالك سوق الإنتاج، مترافقا مع ضعف القدرة الشرائية لشريحة واسعة من السودانيين مما زاد معدلات الفقر. فالسودان دولةً ومواطنين يحتاجون إلى دعم مادي طارئ يلبي جزءا قليلا من احتياجاتهم الأساسية المتزايدة والاهتمام بالإنتاج المحلي وتطوير القطاع الزراعي لتوفير الغذاء.