يتساءل الكثيرون مع اتساع دائرة المعارك وإكمال الحرب عامها الأول، عن مدى إمكانية نجاح تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” برئاسة د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق في إيقاف الحرب وعودة الحكم المدني في البلاد.
وكان المكتب التنفيذي التنسيقي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بقيادة رئيس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك، قد أجاز في خواتيم نوفمبر (٢٠٢٣م) مشروع خارطة طريق إنهاء الحرب وتحقيق السلام وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام، بعد مناقشات مستفيضة، هدفت للخروج بتصورات عملية تعجل بإنهاء القتال في السودان ووضع حد للكارثة الانسانية التي وقعت على الملايين من السودانيين.
وإذا كان وقف الحرب هو الغاية التي يتطلع إليها غالبية السودانيين فإن (التحرير) طرحت السؤال الآتي : هل ستتمكَّن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” برئاسة د.عبدالله حمدوك من إيقاف الحرب، وإكمال العملية السياسية، وإعادة الدولة المدنية؟
وقد أتت الإجابات متباينة من مجموعة من السياسين والصحفيين وأساتذة العلوم السياسية والمعلمين.
ويؤكد بروفيسور صلاح الدومة المحلل السياسي، في حديثه لـ(التحرير) أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” برئاسة د. عبد الله حمدوك، تستطيع أن توقف الحرب، وأوضح أن هناك مؤشرات تقول ذلك، وأضاف لابد من المساندة الخارجية فالثورة السودانية طبيعتها مثل حروب التحرير ، وأي جهة تعمل في السودان لا تستطيع تحقيق أهدافها النبيلة إلا بمساعدة من الدول الخارجية، لأن هناك في المقابل دول في الخارج تعمل على تأجيج الحرب خاصة الدول المعروفة بنهب ثروات السودان والتي تريد التوسع جغرافيا وديمغرافيا في البلاد، واشترت هذه الدول القيادات خاصة العسكرية بثمن بخس، مشيرا إلى أن “تقدم” عملت خلال الفترة الماضية بجد ووجدت مساندة من الدول الغربية، وعلى رأس هذه المساندات مؤتمر باريس الذي عقد خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى تحركات الإيقاد تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأفريقي تحت مظلة الأمم المتحدة، فضلا عن التقارير التي رفعت لمجلس الأمن، وربما يقود هذا الأمر إلى التدخل بقوات أممية، وتنشيط البند السابع وهو الحل الوحيد لهذه الأزمة ولإيقاف القوى الخارجية التي تسعى لاستمرار الحرب ولاذنابهم بالداخل، وقال الدومة: هناك مؤشرات داخلية كثيرة تقف إلى جانب “تقدم” في مهمتها الصعبة هذه، وعلى المستوى الإقليمي هنالك مؤشرات أخرى تساعد على وقف الحرب، كما أن الطرف المصر على استمرار الحرب هناك مؤشرات كثيرة تقف ضده وتعيق حركته في إشعال الحرب، من ضمنها الخلافات “الكيزانية الكيزانية” سواء كان العسكريين مع العسكريين، أو المدنيين مع المدنيين، أو العسكريين مع المدنيين، وبالتالي النتيجة ستصب في صالح الذين يسعون لإيقاف الحرب.
أما عروة الصادق القيادي بحزب الأمة القومي و” تقدم” فقد أوضح في قراءته
لـ(التحرير) أن ما من جهة تستطيع احتكار الأفضلية السياسية ولن تتمكن أي جهة منفردة من إيقاف الحرب، ما لم تتضافر الجهود وتتكامل في الضغط على الطرفين المتحاربين وحثهما على الجلوس لطاولة التفاوض، وفي ذلك تبذل “تقدم” الجهد السياسي والدبلوماسي والإنساني وتخطط لمراحل إنهاء الحرب ومعالجة وإبراء جراحاتها وخطوات ما بعد الحرب من بناء وجبر ضرر وعدالة،
وأضاف في ذلك لم يغمض لنا جفن ونسعى لتجميع كل القوى السياسية والمجتمعية السودانية الرافضة للحرب لإحكام حلقات الضغط على طرفيها، ونمضي سويا في حث الأسرة الدولية والإقليمية لتقديم كل ما يمكن تقديمه خلال وبعد الحرب، وأولويتنا هي وقف الحرب التي سيسهل من بعدها استعادة الحكم المدني ومكتسبات الثورة السودانية سياسيا واقتصاديا وإعادة السودان لمنصة الانطلاق الديمقراطي، ونوه بأن كل هذا سيظل حرث في البحر ما لم يستفق المتحاربون وينهوا مأساة أمهاتهم وآبائهم وإخوانهم.
وبدوره يرى الصحفي عبد الباقي جبارة في إفادته لـ(التحرير) أن
” تقدم” وحدها لا تستطيع إيقاف هذه الحرب بالرغم من أنها الأعلى صوتا والأكثر فعالية وصاحبة القدح المعلى في الدعوة لإيقافها، وهي التي تملك برنامج حقيقي وأعمال مشهودة في مساعيها لإيقاف الحرب، بالإضافة إلى أنها تمثل صوت المدنيين وإن اختلف معها الكثير من القوى السياسية، لكن هي الأكثر تنظيما في مناهضة هذه الحرب ولها أعمال مشهودة، والاجتماعات التي عقدت في أديس أبابا ونيروبي وجنوب السودان ودعوتها الصريحة لطرفي النزاع بغرض وقف الحرب وجلوسها مع حميدتي من أجل ذلك ، و” تقدم” تحظى بقبول كبير وسط الديسمبريين وقوى الثورة تتفق معها في تحقيق أهدف ثورة ديسمبر ومناهضة الحرب، وقد يكون الاختلاف في بعض الجزئيات، وهنالك أيضا دعم من كل الإعلام الحر والمستقل لدعوة ” تقدم” لإيقاف الحرب وبالتالي هي صاحبة الحظ الأوفر لقيادة مرحلة ما بعد الحرب وأن تكون جزء أساسي من ترتيبات إيقاف الحرب، لأن إيقاف الحرب لا تستطيع أن تقوم به جهة واحدة بل جهات عدة، حزبية، مجتمع مدني، تنظيمات شبابية، وغيرها، بجانب السند الإقليمي والدولي لتهيئة الأجواء للأطراف المتصارعة لإدارة حوار جاد بينهم.
وكان د.عبدالله حمدوك رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” تقدم” قد جدد خلال الأيام القليلة الماضية الدعوة لقيادتي القوات المسلحة والدعم السريع للقاء عاجل بهما، والتشاور لإيقاف الحرب والتفاكر حول الطرق التي يمكن بها الخروج من هذه الإزمة المدمرة والتي تنذر بفناء الشعب وتمزيق البلاد ، راجيا من قيادة الطرفين التحلي بالمسؤولية الوطنية والشجاعة والتقدم و للانخراط في مفاوضات جادة وقوية للوصول إلى حلول حقيقية وعملية ومرضية لإنهاء مأساة الشعب ومعاناته، للانتقال إلى رحاب وطن ينعم بسلام مستدام وحكم مدني ديمقراطي راشد.
ومن جهته يقول القانوني، المعز حضرة في حديثه لـ(التحرير) إن أي حرب في العالم لا تتوقف إلا بتوقيع اتفاق، و” تقدم” لا تملك سلاح ولا آليات سوى الموقف الوطني والدعوة للدولة المدنية وهذا هو الشئ الطبيعي، وتقدم ستستمر وهي تجد الدعم من كل العالم للعودة إلى الحياة الديمقراطية المدنية وفي النهاية ومهما طالت ستتوقف حرب داحس والغبراء وسيكون لـ”تقدم” وجود ولعل تحركات “تقدم” الآن لإيقاف الحرب هي التي جعلت فلول النظام السابق يتحركون لفتح البلاغات الكيدية واتهام ” تقدم” بأشياء غير حقيقية، لكن حتما في النهاية سوف ينتصر الحق وستنتصر الدولة المدنية وتعود بـ “تقدم” أو من دون ” تقدم”.
وفي رأي مخالف يرى المعلم بالمرحلة الثانوية الطيب الشيخ أن ” تقدم” لن تفلح في إيقاف الحرب ويقول في إفادته لـ(التحرير) أن “تقدم” كقوة سياسية ليس لديها الخبرة العملية الكافية لإدارة الأزمات بالإضافة إلى مواقفها الضعيفة في مواجهة العسكر والضغط عليهم عندما كانت قوية بسند الثورة، ورأى الشيخ أن ” تقدم” تفتقد -بإستثناء حمدوك- لشخصيات لها(كاريزما) وعلاقات دولية وقاعدة محلية.
ومن جهته يقول المحلل السياسي النعيم عبد الغني في حديثه لـ(التحرير)
وفقا للتحركات التي أحدثتها “تقدم” من مؤتمرات خارج السودان ومناقشة بعض القضايا التي تهم السودان وآخرها مؤتمر باريس بشأن وضع السودان الإنساني- أي كيفية إرسال المساعدات لمتضرري الحرب-
يمكننا القول إن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية نجحت سياسيا ودبلوماسيا، وتمثل ذلك في التفاف المجتمع الدولي حولها، على الرغم من شيطنتها داخليا من قبل مؤيدى الحرب،
مؤكدا أن مئات الأسباب تجعل التفاوض هو أس إيقاف الحرب، وعليه فإن تنسيقية القوى الديمقراطيه المدنية هي التي تملك الأسباب من أجل إيقافها.
وبالنسبة لـ د. نجم الدين السنوسي أستاذ العلوم السياسية، فقد أوضح في القراءة التي قدمها لـ(التحرير) أن تقدم من الممكن أن تساهم في إيقاف الحرب لأنها طرف محايد وغير داعم لطرفي الصراع، رغم التشويش السياسي الموجه نحو دعواتها لإيقافها .
وأكد أن هم ما يميز “تقدم” هو تواصلها مع العالم الخارجي سواء الإقليمي أو الدولي… وهي على اتصال مع قائد الجيش وقائد الدعم السريع.
وأضاف أما إعادة الدوله المدنيه هو أمر يتطلب توافق مع جهات أخرى فاعلة و”تقدم ” جزء منه وهي الأكثر صوتا وحراكا في المطالبة بالحكم المدني، وتابع بالقول أما إعادة الحكم المدني فهو يحتاج إلى ترتيبات سياسية واسعة لكنها سوف تكون الجسم الأكثر تأثيرا لما اكتسبته من حراك و خلافات ورغم التحديات لم تتراجع ” تقدم” عن المطالبة بالحكم المدني.
وفي رأي آخر يقول الصحفي عمار حسن في إفادته لـ (التحرير) إن “تقدم” لا تملك الأدوات التي تمكنها من إيقاف الحرب وهي قبل ثلاثة أشهر التقت بمحمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع بأديس أبابا ووقعت معه على اتفاق شمل عدد من البنود من ضمنها حماية المدنيين، ولكنها فشلت في الجلوس مع الجيش أو على الأقل أن تحدث تفاهمات بينها وبين الجيش، حتى مفاوضات جدة و محادثات المنامة التي جاءت لاحقا فإن تنسيقية ” تقدم” لم تكن جزء منها، واستدرك لكن ” تقدم” الآن تبذل في جهود حثيثة مع المجتمع الدولي والأطراف الدولية التي يمكن أن تؤثر على طرفي الصراع لإيقاف الحرب، لكن ما لم تحدث تفاهمات مباشرة بين الجيش والدعم السريع في أن يصلا لنقطة التقاء لوقف الحرب الدائرة، فأنا لا أعتقد أن “تقدم” سيكون لها دور في إيقاف الحرب الدائرة، لأن الطرفين المتصارعين الآن من الواضح أنه ليس لديهما نية لإيقاف الحرب، والدليل على ذلك وقعت العديد من الهدن لكن كلها فشلت، والحرب بدأت في الخرطوم ثم تمددت إلى دارفور وكردفان والجزيرة ومع بداية العام الجديد انتقلت إلى سنار والقضارف، ووصول المسيرات إلى ولاية نهر النيل والشمالية، وبالتالي إذا لم يقتنع طرفي الصراع بإيقاف الحرب فإن تقدم لا تملك الأدوات ولا القوة اللازمة للضغط عليهما لإيقافها، وهناك تيارات داخل الجيش ترفض “تقدم” وهذا الأمر يصعب من مهمتها، والدليل على ذلك أن النيابة العامة وهي موالية للجيش وجهت اتهامات وفتحت بلاغات في مواجهة أعضاء من ” تقدم” من ضمنهم رئيس ” تقدم” نفسه د. عبد الله حمدوك، وأضاف أنا أعتقد أن هذا الأمر يعقد من وضعية تقدم في أن تتحرك من أجل إيقاف الحرب، و ” تقدم” أمامها فرصها لإيقاف الحرب وإكمال العملية السياسية وإعادة الدولة المدنية لكن هذه الفرصة معقدة للغاية وحساباتها مربكة ما لم تطرأ تغيرات على الأرض في الميدان مثلا أن يتم كبح المجموعات المتشددة داخل الجيش وإيقاف تمددها بحيث أن الجيش يردخ لعملية التفاوض، ففي هذه الحالة أنا أعتقد أن “تقدم ” سيكون لها دور، ولكن من غير ذلك فإن فرصها في إنهاء الحرب وإكمال العملية السياسية ستكون ضئيلة جدا.