يترقب كثير من السودانيين استئناف المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” خلال هذا الشهر لإنهاء القتال المستمر بينهما منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، من خلال منبر جدة الذي ترعاه الوساطة السعودية- الأميركية، بحسب ما أفاد المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو في وقت سابق.
فإلى أي مدى تكون هذه الجولة الجديدة من المفاوضات مختلفة عن سابقاتها؟ وما فرص نجاحها وصولاً إلى الهدف المنشود بإنهاء هذه الحرب التي تسببت في مقتل أكثر من 16 ألف شخص ونزوح نحو 10.7 مليون آخرين داخل البلاد وخارجها؟
اتساع الرقعة
متخصص الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور رأى أنه “حتى الآن لا توجد ضغوط جدية من المجتمع الدولي على الأطراف المتحاربة، لذا من الصعب أن يتحقق الهدف الأساسي من المفاوضات المتمثل في وقف طويل لإطلاق النار وفتح مسارات لتوصيل الإغاثة لملايين الأشخاص الذين تهددهم المجاعة”.
وتابع أن “هذه الفرضية بنيت على ما تم أخيراً من مداولات حول السودان في مجلس الأمن الدولي، إذ لم تتمخض تلك المداولات عن أي إجراءات ملموسة تجاه أطراف الصراع يمكن أن تجبرها على إيقاف الحرب، إضافة إلى مؤتمر باريس الذي عقد منتصف أبريل الماضي لدعم حاجات السودان الإنسانية، لكنه لم يتجاوز الكلام والوعود”.
وقال “كما نجد أن رقعة الحرب بدأت تتوسع وتتشعب في مناطق عدة، وكذلك بالنسبة إلى أطرافها فإلى جانب الجيش و’الدعم السريع‘ تم تفريخ عدد من الميليشيات منها تشكيلات إسلاموية متطرفة، إضافة إلى حركات دارفور المتحالفة مع الطرفين، وهناك أيضاً اتساع لخطاب الكراهية شمل الأجهزة الإعلامية الرسمية منها التلفزيون الرسمي والإذاعة السودانية”.
وأردف محمد نور أنه “إذا نظرنا إلى تناقضات الجيش السوداني من جنرالات وفلول النظام السابق وقادة الميليشيات وبعض قادة فصائل حركات دارفور سنجد عدم توافق على موقف محدد من جهة وعلو صوت المؤيدين لاستمرار الحرب من جهة أخرى، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن هناك جهات مستفيدة من استمرار الحرب على رغم ويلاتها، خصوصاً مع وضوح تدخل جهات أجنبية كما هي الحال مع التحركات الروسية الأخيرة في بورتسودان ووجود إيران ودول إقليمية في المشهد”.
وختم متخصص الاقتصاد السياسي بقوله “مع ذلك فإن التعامل الاقتصادي أصبح ضاغطاً بصورة مؤثرة على حكومة الأمر الواقع التي يقودها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بحكم مسؤوليتها الأكبر وتأثرها على نحو خطر بالتدهور الاقتصادي ونضوب الموارد المحلية الممولة للحرب وتراجع قيمة الجنيه السوداني بشكل خطر، مما أثر في حياة 90 في المئة من الأشخاص ودخولهم في دائرة الفقر المطلق، إضافة إلى خطر المجاعة الداهم، لذلك فإن خيوط المشهد تتشابك وهي في حاجة لفعل دراماتيكي يحدث اختراقاً تجاه الحرب وتداعياتها الكارثية المتصاعدة”.
رهان الوقت
في السياق، أفاد المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ بأن “مفاوضات جدة تعتمد بصورة أساسية على توافر إرادة ورغبة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، مما يعني عدم توظيف المفاوضات للاستعداد للحرب”.
وأضاف أنه “بعد عام من الحرب اتضح أن الرهان على الوقت هو أمر ضار لطرفي القتال بدلالة تمدد مساحتها وأخطارها، فالأسابيع الماضية تابعنا تزايد أخطار المسيّرات لمناطق حسبها بعضهم في مأمن من أخطار وشرور الحرب، وتابعنا تزايد الانتهاكات المرتكبة على الأرض، خصوصاً من قوات ’الدعم السريع‘، لذا فإن الأفضل للطرفين وقف الحرب بأسرع وقت ممكن”.
اقرأ المزيد
مسيرات “الدعم السريع” تقلق الولايات الآمنة في السودان
صراع الشلك والدينكا ينعش حمى الانفصال في جنوب السودان
المساعدات الأممية لجنوب السودان عالقة بسبب خلاف ضريبي
وقال أبو الجوخ “هذه هي المعطيات على أرض الواقع، لكن ما يريده الطرفان أمر مختلف، ولعل هذا يفسر التريث وعدم دعوتهما إلى اللقاء مجدداً إلا في حال التأكد الكامل لالتزام إكمال مسار المفاوضات، ومن الواضح أن هناك تياراً أعلى صوتاً وميلاً لوقف الحرب داخل الجيش السوداني مقابل تيار مساندي الحرب، لكن تبقى العبرة بالخواتيم أكثر من المؤشرات، فمن دون الوصول إلى وقف عدائيات ملتزم به من دون خرق أو خداع، كل المؤشرات ستكون بمثابة حمل كاذب لا وجود له على أرض الواقع”.
وأكد أن “هناك عوامل ضغط إضافية على الأطراف المتحاربة تتمثل في بلورة مواقف إقليمية تقوم على تفاهمات أنهت حال الاستقطاب غير المعلن عبر عملية محادثات المنامة وهو ما تترتب عليه زيادة الضغوط على طرفي الصراع وتقليل هامش مناورتهما ودخولهما في المفاوضات بصورة أكثر جدية، مع عدم إغفال تبعات ونتائج التحركات الدولية، خصوصاً في مؤتمر باريس والتي تهدف إلى معالجة الوضع الإنساني والعمل على تقليل التباينات وسط المكونات المدنية بوصفها الخطوة الأهم بعد اتفاق طرفي الحرب لأن ذلك يمهد الطريق للاتفاق على ملامح حكم مدني ديمقراطي مستدام”.
وتابع أبو الجوخ أن “الخاسر الأكبر في هذا المشهد هو النظام المباد لأنه سيجد نفسه أكثر عزلة مما مضى ويحمل على عاتقه إلى جانب أخطاء وخطايا حكمه لثلاثة عقود كل كوارث وتداعيات وآثار هذه الحرب، مما سيترتب عليه تعميق وتعزيز عزلته السياسية والاجتماعية والإقليمية والدولية”.
انفتاح واشنطن
من جهته، أوضح متخصص العلوم السياسية الزمزمي بشير أن “منبر جدة سبقته بعض المشاورات هنا وهناك، وللمرة الأولى تصل مجموعات إلى القاهرة، كما أن انفتاح الإدارة الأميركية على عدد كبير من القوى السياسية وتغيير الصورة التي بدأت منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019 من خلال توسيع قاعدة المشاركة في المحادثات وعدم استثناء أي طرف سياسي منها كفيلة بنجاح المفاوضات المقبلة، إضافة إلى ما تقوم به مصر بفتح الباب للقوى السياسية السودانية بمختلف أطيافها للتباحث والتفاكر والجلوس مع المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو، وكذلك مع الأطراف الدولية والإقليمية”.
وأردف أن “منبر جدة هو الأهم منذ بداية الحرب التي أكملت عامها الأول وإن كان لم يستطِع أن يحقق نجاحاً سريعاً، إذ كانت هناك محاولات لوقف الحرب والعودة لما قبل الـ15 من أبريل 2023، لكن الآن أصبحت هناك متغيرات على الواقع السياسي والاقتصادي السوداني، فضلاً عما لحق بالبلاد من دمار جعل طرفي الصراع في محك صعب، مما أحدث تعقيدات في هذا الملف”.
وأشار بشير إلى أن “هناك مطالب شعبية بعدم قيام قوات ’الدعم السريع‘ بدور سياسي في المرحلة المقبلة والمستقبلية، كما هناك إدانات من المجتمع الدولي ومنظمات دولية لجرائم ارتكبتها تلك القوات بحق المواطن سواء عمليات النهب أو الاغتصاب أو القتل وغيرها، كذلك نجد أن في الجانب الميداني حدثت تغييرات لها تأثير في العملية التفاوضية منها تقدم الجيش في محور أم درمان وسيطرته على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون وانتشاره في مناطق شمال بحري، خصوصاً منطقة الجيلي حيث مصفاة البترول”.
ونوه بأن هذه التطورات ربما تسهم في نجاح المفاوضات وسط شعور قوات “الدعم السريع” بفقدها كثيراً من أرضيتها، لذا فهي “تريد أن تحافظ على كيانها بأي اتفاق يحفظ لها فرصة البقاء”.
وأضاف أن “هناك تغييرات كبيرة شهدتها الساحة السياسية السودانية، فضلاً عما يجده الجيش من دعم كبير من كل أبناء السودان الذين تضافروا وحملوا السلاح للدفاع عن بلادهم، مما رجح الكفة لمصلحة الجيش، إضافة إلى اعتراف المجتمع الدولي برئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان واستقباله في الأمم المتحدة والمحافل الدولية”.
ولفت بشير إلى العزلة الأفريقية بسبب تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي منذ إعلان البرهان إجراءات الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 التي اعتبرها الاتحاد انقلاباً عسكرياً، لكن بصورة عامة “نجد أن الاتحاد نفسه أصبح مشلولاً، فإثيوبيا التي تحتضن مقره تغرق الآن في صراعات شارفت على تخوم العاصمة أديس أبابا، فضلاً عما يحدث من تحولات في المحيط الأفريقي مما يسهم بصورة أو بأخرى في الأزمة السودانية وإمكان نجاح المفاوضات”.
وقال إن “ما يدور من معارك بولاية شمال دارفور من أجل السيطرة على عاصمتها الفاشر من قبل قوات ’الدعم السريع‘، فضلاً عن محاولات الأخيرة لإطلاق مسيّرات وإصابة أهداف داخل العمق لن تغير في المعادلة شيئاً، فهي وسيلة ضغط على الجيش للجلوس إلى المفاوضات، لكن من المؤكد أن هذه الحرب لا يمكن أن تحسم عسكرياً بنسبة 100 في المئة، وبما أن وضع الجيش الميداني بات أفضل، فأتوقع ان تنجح المفاوضات المقبلة.