يصادف اليوم الجمعة الثالث من مايو ٢٠٢٤م اليوم العالمي لحرية الصحافة، وبالنظر لحال الصحافة والصحفيين في السودان، نجد أن الأوضاع المأساوبة التي يعيشونها أصلا قد تفاقمت الآن بسبب الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م ومازالت مستمرة حتى الآن، ولذلك كان لابد من الغوص في أعماق التجربة التي يقاسيها الصحفيون وتصوير معاناتهم.
وبحسب ما أورده موقع (مدنية نيوز) الإلكتروني، فقد طالب منتدى الإعلام السوداني في بيان ، بتوفير الحماية للصحفيين والصحفيات في السودان، ليتمكنوا من أداء واجبهم عبر الضغط على طرفي الحرب للالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقانون الإنساني الدولي، وشدد على أهمية تمكين الصحفيين والصحفيات من التنقل بحرية واستقلالية بمعداتهم وأدواتهم الصحفية للتغطية الصحفية المستقلة، وتمكينهم من الوصول – إلى أيّ منطقة أو موقع دون مُضايقات أو فرض قيود أو رقابة أو شروط.
وفي قراءته لواقع الصحافة والصحفيين السودانيين يقول الصحفي ياسر جبارة في إفادته لـ(التحرير): قبل النظر في وضعية مبدأ حرية الصحافة في السودان يلزمنا النظر في المعادل الموضوعي الذي يستجيب لمعيار التقييم، وهو في جذره الأساسي متكون من عنصرين أولاها المؤسسات الصحافية المستوفية ولو نسيبا لشروط الاستقلالية والتعددية.وهو معطى يكاد يكون غاءبا بالكامل لصالح الأحادية والتبعية وآليات مصادرة حرية واستقلالية وتعدديةالمؤسسات الصحفية جبلة الأنظمة الشمولية ولها في هذا الجانب إرث متين ومتطور ومتنوع الأدوات والأساليب، الأمر الذي ساهم بقدر واسع في تدمير المؤسسات الصحافية لصالح المؤسسات أحادية الملكية والتوجهات. العنصر الثاني الصحفيون الملتزمون بالقواعد المهنية والأخلاقية. وواقع المؤسسات أحال هذه المباديء لدى الكثيرين منا نحن الصحفيون إلى أعباء شاقة، إذ أن التمسك بها أضحى شبه مستحيل في ظل الضغوط الإقتصادية شديدة الوطأة. الامرالذي اضطر بعض ليس قليل إلى مقايضتها بسبل كسب المعاش، وربما يحتاج هذا التنازل المخزي إلى حظوة لدى المستثمرين في غياب حرية الصحافة، سواء كانوا يمثلون سلطة الدولة أو أصحاب نفوذ سياسي أو اقتصادي. هذا الواقع فرض سيطرته على المدى القريب في حدود العقد الأخير من الألفية الثانية. بما في ذلك المرحلة التي شهدت وباء كورونا، ومحاولات المرحلة الانتقالية ما بين 2019م و2021م حيث افتقدت محاولات التأسيس لأطر تنظيمية لحرية الصحافة بالأجندة السياسية الانتهازية.
بدخول البلاد في مرحلة انقلاب 25 أكتوبر 2021م ومن ثم الحرب الدائرة الآن يظل الحديث عن حرية الصحافة ترفيات.
ويمضي جبارة في سرد وتشريح الواقع المرير الذي يعيشه الصحفيون، متناول في ذلك القضية من جذورها الأساسية، مرورا بوضع الصحفيين في ظل الحرب الدائرة حاليا بين الجيش والدعم السريع، بالتركيز على العلل التي أقعدت الصحافة والصحفيين، من الانطلاق إلى آفاق أرحب من التطور وتقديم كل ما هو مفيد.
ويفول جبارة: يمكن اختزال وضعية حرية الصحافة في ظل الحرب بواقع أن الهوية الصحفية دليل كاف للاتهام للصحفيين المتنقلين في مناطق سيطرة الجيش أو الدعم السريع، كما أن أدوات عملهم عرضة للمصادرة في غالب الأحيان وغير ذلك من التعرض للحجز والتحقيق من جنود صغار حول مدار عمل الصحفيين واتهامهم بالانحياز إلى الطرف الآخر. لكن تظل الأوضاع الاقتصادية للصحفيين هى قاصمة ظهر حرية الصحافة، فضلا عن الغرف المظلمة التي تدير أموال المنظمات التي تعنى بأوضاع الصحفيين في ظل الحرب.وممارستها للتمييز في إدارة هذا الجانب.ظلمات القهر ومحاولات إخضاع الصحافة لأكثر من خمسة وثلاثين عاما بالرقابة المشددة والمصادرات للمحتوى والاعتقالات والإفقار، والتي تخللتها محاولات مقاومة جسورة من قطاع واسع من الصحفيين، انتهت بهم أما إلى الاعتزال أو العمل في منصات رقمية شحيحة المردود المالي أو معدومة المردود أو الارتماء في احضان التمويل المشبوه، سواء كان ذاك لصالح الدعاية الحربية أو تمويل من منظمات أجنبية.
وكان الصحفي محمد الأقرع، قد تطرق إلى حال الصحافة والصحفيين في السودان، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وفي ظل الحرب الحالية، فدون على حسابه بمنصة(فيس بوك) الكلمات الآتية : منذ منتصف أبريل العام الماضي توقفت كل الصحف المطبوعة وإذاعات الموجة القصيرة – ما عدا بعض الإذاعات الحكومية – كذلك بعض مباني الصحف ومكاتب المراسلين والقنوات الفضائية تحولت إلى ثكنات عسكرية.
وتابع بالقول: ما يتم إنتاجه الآن يذهب أغلبه إلى بعض مؤسسات الإعلام الأجنبية – ذات التوجهات الانتقائية والمعالجات العمومية الفوقية للمحتوى – في ظل غياب المنابر الصحفية الوطنية الحقيقية المستقلة.
وأضاف ما حدث في قطاع عمل الصحافة، أحال أعداد كبيرة من الصحفيين إلى أوضاع معيشية متردية بسبب فقد وظائفهم.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة أعتقد أن المطلوب تركيز الجهد في كيفية إعادة المؤسسات الوطنية القادرة على عكس وتوثيق الوقائع، دون تزييف وتقديم خطاب يوازي المرحلة.
ومن جهته يقول الصحفي مروان الريح في حديثه لـ(التحرير) إن الحرب أفرزت وافع مؤلم يعيشه الصحافيون السودانيون، بعد أن فقد المئات منهم وظائفهم بسبب توقف الصحف التي كانت تصدر من العاصمة الخرطوم، والتي تم استباحتها ، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من الصحفيين أصبحوا يعملون في مهن هامشية في الأسواق ، وبعضهم يعاني من أمراض، منوها بأن هذه الأوضاع تمثل أسواء كارثة تمر على الصحفيين السودانيين.
وبالنسبة للصحفية أميرة صالح فقد أوضحت في إفادتها لـ(التحرير) أن حرية الصحافة حق أساسي لايمكن التنازل عنه، وأضافت قائلة: افتخر بكل صحفيين بلادي وهم يقومون بدور عظيم في ظل هذه الظروف الاستثنائية وفي ظل تهاون الدولة عن حماية الصحفيين والتضييق عليهم، مؤكدة في الوقت ذاته بأن الصحافة السودانية قادرة على نزع حقها من أي طاغية.