زارني نبأ وفادة الحبيب الوفي الصدوق الغضنفر تاج السر حسن عيسى إلى القاهرة استشفاء فاستبشرت .سعيت للحديث معه عجز وانتابتني خشية وتلبسني رجاء ،وبت متقلبا بين الخوف والأمل ولم يتوقف الدعاء،وقلبي نواس مضطرب.
وجاء النعي باكرا وهو يتلبث وقلبي يخفق والعين تدمع والدمع يتسلس مثل طفل لا يعي أن كل شئ هالك إلا وجه الله الأوحد أو مكلف نسي أن النفوس إلى آجالها تفد أو عالم انتابته غفلة وغاب وعيه وظن أنه يريد، ونسي أن الله يريد ولا يكون إلا ما يريد.
ولو علمت دخيلة نفسي لعذرتني لأن التاج رمز لشبيبة عقدوا العزم على تطهير نفوسهم قبل كيانهم الصغير إصلاحا لسودانهم الكبير، وتراهم بالمؤسسية تعلقوا وبالدمقراطية استعصموا وبتكريم الإنسان دأبوا، وهم بالعشرة المبشرين اقتدوا.
ولكن الدهر غدار ولياليه جوائر ولأهله أهواء وللطريق وعثات وللمسير عقبات وصمدوا وصبروا لأنهم شم العرانين خزر، وأقمار زهرة لو أن النجوم الزهر يجمعها أب .فهم واحد وإن اختلفت أحيانا الوسائل، وتاج السر يزين الهامات وطريقه مثال أمثل.
يعمل التاج فى سر وكتمان ويستحي أن يشتهر . ناظره فى الشرقية، فى الهفوف، فى الرياض، فى الكلاكلة ،فى السودان تلقاه صافي الأديم أبلج لا يتغير أو تأمله فى دوائر الحزب، فى دروب الهيئة، فى منعرجات العمل العام،فى الجالية، فى الملتقى فى الرابطة الرياضية، وفى أنواع الجمعيات ،بربك حدثني فى أي فضاء لم يسبح !؟ ولولا خلقه الرفيع لما ترك في هذه الفانية الذكر المحمود وهذا الأثر المخلد.
فهو بالمبادئ كلف وبالقيم مستمسك وفى غيرها يسامح ويغفر ويظل يغفر .قوي شجاع مكين، حازم يتدثر العزم ويخشاه الخور واللين، ويقتحم الأهوال وهو يبتسم. سمح السجايا ذكي فطن زانته النهى وشمائله الحكم، يبشر ولا ينفر، باسط كفيه سرا وتستحي منه السحب ولا تدري شماله ما يمينه تخرج ،ولا يعرف المين ولا الكذب ، كيف وهو بالإمام عبدالرحمن يقتدي وفى سجاياه يتقلب. وهل نظر إليه أمير الشعراء بظاهر الغيب وينشد :
إن الشجاعة فى الرجال غلاظة
ما لم تزنها رأفة وسخاء
إلهي إن نوع التاج فينا نادر وفريد، وهو يعمل ويثابر غير مبتغ لشكر ولا لسمعة ولا لحسن ثناء ولا مكانة عند الناس، لهفي عليه إنه فى هذه الدنا متفرد ، أليس هو من جند السماء، وملاك السماء يعمل ولا يظهر ، إن فعله يدرك وجسمه لا يبين ولا يظهر،.حنانيك أيها الحبيب الأطهر الأنضر لم تسرع الرحيل ونحن لمثلك أحوج!! ودنيانا تتلظى وتلهب تتفجر. وانكسر مرق سقفنا برحيلك وانفتق جرح لا يرتق. وأنت الآن تناجي ربك وعلينا يعتب ومنا يستغرب .
إلهي ها هو عبدك تاج السر ناديته ولبى النداء مسرعا لأنه يحبك ويحب رسولك ( ص) ويحب من يحبكما، وبكم يهيم وهو مغرم، واجعله يا ربي مع من أحب. إلهي ها هو عبدك خيار الخيار وفد إليك فامطر عليه شآبيب رحمتك وعظائم مغفرتك، ويسر عليه أسئلة ملائكتك، واجعل قبره لينا ومنه يشع القرآن نورا، ر وفى عبور صراتك مرشدا، وفى أعلى جناتك مؤنسنا، ولوجهك الكريم من الناظرين ولجوار سيد الخلق (ص) من الآمنين، اللهم أغفر لنا وله وأجرنا فى مصيبتنا واعطنا عوضا عنه، والسودان لمثله أحوج. وبارك اللهم فى ذريته وأهله و كلنا له أهل، والناس كلهم له أهل، لا اله إلا أنت سبحانك ولا حول ولا قول إلا بالله
وانا لله وانا اليه راجعون.
بروف عز الدين عمر موسى
إنديانا، أمريكا، ٢٦ مايو ٢٠٢٤م