ملخص
“ليس هناك قانون لتسليح المواطنين على الإطلاق، فالدولة هي التي تحتكر حق الدفاع وصد الهجمات والجيش منوط به حماية البلاد وقانون القوات المسلحة ينظم ذلك”
أثار انتشار السلاح في السودان من خلال تسليح المستنفرين الذين يقاتلون بصفوف القوات المسلحة السودانية في حربها ضد قوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 جدلاً واسعاً، من ناحية أخطاره في إحداث توترات وانفلاتات أمنية إذا ما توقفت الحرب.
وتشهد ولايات السودان الآمنة ممثلة في نهر النيل والشمالية وسنار والقضارف وكسلا وبورتسودان والنيل الأبيض التي تقع في شمال وشرق ووسط البلاد، حشد مواطنين وتدريبهم على حمل السلاح للمشاركة إلى جانب الجيش في المعارك الدائرة في كل من ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان.
وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار قال إن المستنفرين أو ما يسمى بـ”المقاومة الشعبية” سلاح ذو حدين، مما دفع الحكومة إلى سن قانون من شأنه أن يضع المستنفرين تحت قيادة مركزية موحدة تتولى إدارتهم وتتحكم في الأيدي التي تتداول السلاح وتجمعه عندما تستقر أحوال البلاد.
فما جدوى هذا القانون الجديد؟ وهل من شأنه أن يحد من أخطار انتشار السلاح وضبطه وجمعه بعد انتهاء الحرب المستعرة بين الطرفين؟
ثقافة متداولة
الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء أمين اسماعيل مجذوب قال إن “تسليح المستنفرين أو المقاومة الشعبية هو إجراء إداري قانوني في المقام الأول، إضافة إلى أنه إجراء عسكري بحت، لكن بشكل عام لم تتم حتى الآن عمليات التسليح التي ستكون تحت قيادة وإشراف الفرق العسكرية التابعة للجيش لمنع وجود أية واجهات أخرى غير القوات المسلحة”.
وأضاف “السلاح المنتشر الآن في البلاد غير قانوني بمعنى أنه سلاح موجود لدى الأفراد والمجموعات سواء كان مرخصاً قبل الحرب أو تم الحصول عليه أثناء الحرب لحماية النفس، لكن في الحالتين هو انتشار غير مقنن مما يستدعي تقنينه بواسطة القانون الجديد بخاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات ’الدعم السريع‘”.
وتابع مجذوب “يعلم الجميع أن امتلاك السلاح في مناطق سودانية عدة يرجع لكونه ثقافة متداولة في المجتمع منذ القدم، بالتالي فهو أمر يختلف عن أسباب تملكه في كثير من الدول المتعارف عليها بانتشار السلاح في أيدي مواطنيها في حالتي السلم والحرب، لكن مع ذلك لا بد من ضبط هذا السلاح إما بترخيصه أو تقنينه بواسطة الإجراءات القانونية المتبعة من الجهات المعنية”.
وواصل “الآن هناك مقاومة شعبية غير مسيطر عليها، وبالتالي قد تستمر ما دامت قوات ’الدعم السريع‘ موجودة في تلك المناطق، لكن بعد خروج تلك القوات وتنظيم المقاومة الشعبية في المناطق الآمنة يمكن ضبط كميات السلاح النتشرة والحد من أخطاره مستقبلاً”.
وبين أن القانون الجديد المتعلق بالمستنفرين مقصود به لوائح تقنن صرف السلاح، وبالتالي فهو مجرد إجراء إداري يضمن عودة هذا السلاح بعد انتهاء التهديد على كل قرية أو منطقة، لأن الاستنفار جاء نتيجة لما حدث من تهديد للمواطنين من قوات “الدعم السريع”، لافتاً إلى أن القانون الموجود سابقاً هو قانون لترخيص السلاح وبموجبه يمنح للشخص وفق إجراءات وشروط محكمة ومتعارف عليها، لكن لا يوجد قانون يقنن السلاح في حالات الأزمات المسلحة مثل الحرب.
وختم الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية “من المؤكد أنه بعد انتهاء الحرب سيتم جمع هذا السلاح وفق إجراءات إدارية منضبطة خصوصاً أن هناك مستندات عن كل سلاح تم توزيعه، أما السلاح الذي دخل من دون إجراءات قانونية فلا بد أن يقنن أو يصادر وفقاً للقانون، لكن الخطورة حالياً تتمثل في أن هناك سلاحاً تركته قوات ’الدعم السريع‘ بعد انسحابها أو هزيمتها في بعض المواقع، وللأسف توزع هذا السلاح بين المواطنين، وهذه إشكالية كبيرة لا بد من حسمها”.
تخبط وخروقات
في سياق متصل أوضح رئيس مجلس أمناء “هيئة محامي دارفور” الصادق علي حسن أن “ما يجري الآن من تسليح للمواطنين تحت ما يسمى بالمقاومة الشعبية هو التخبط بعينه، فنظام الخرطوم الحالي بقيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان لم يستفد من تجاربه المتكررة منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير من خلال تأسيس القوات الصديقة والحليفة والمتعاونة بخلاف القوات الذاتية المسلحة مثل الدفاع الشعبي وكتائب المجاهدين التي جميعها تمثل حركة الإسلام السياسي، فعملية الاستنفار للقتال إلى جانب الجيش هي جزء من نتائج أعمال فوضوية وانهيار أجهزة الدولة لأنها تتم خارج نظم القوات المسلحة، بواسطة قيادتها التي تبحث عن مصالحها في تأمين تربعها على السلطة”.
وزاد “أساساً لا توجد مؤسسات قائمة مخولة بموجب أحكام الوثيقة الدستورية سارية المفعول لإصدار قوانين هكذا، ويصدر البرهان هذه القوانين التي يكشف صدورها عن حال تخبط قيادة الدولة والجيش، وكان يمكن إيجاد غطاء للاستنفار بموجب إعلان حالة الطوارئ، وتعليق العمل بالوثيقة الدستورية، والعمل بالأحكام العرفية في ظل الأوضاع الاستثنائية، أما الحديث عن قوانين وفي ظل أحكام وثيقة لا تخول بذلك فهو إجراء غير قانوني ويمثل أحد الخروقات المتكررة للوثيقة الدستورية”
وأردف حسن “ليس هناك قانون لتسليح المواطنين على الإطلاق، فالدولة هي التي تحتكر العنف والجيش منوط به حماية البلاد وقانون القوات المسلحة ينظم ذلك، ومعلوم أن الشرطة تتسلح بالأسلحة الخفيفة لكفالة الأمن والحماية الداخلية، لكن توجه قيادة الجيش لخلق تحالفات مع حركات مسلحة ومجموعات أهلية وعقائدية، تعد مرحلة غياب أجهزة الدولة الرسمية وإنهاء حالة احتكار الدولة للتصدي بحيث شاعت ثقافة التسلح وحمل السلاح، فضلاً عن إشاعة ظاهرة الفوضى”.
وتابع “في تقديري أن الحرب لن تتوقف بصورة نهائية، فقد تكون هناك هدن لفترات قد تطول أو تقصر، كما أن الوجود الواسع للسلاح قد ينتقل من ظاهرة لمجموعات مسلحة لحالة عامة وسط المواطنين، لذلك من الصعوبة الحديث عن وقف الحرب أو حتى الحديث عن انتقال ديمقراطي، فالسلاح بات هو المعبر والاحتكام إليه في حالات التنازع والتنافس، بالتالي إذا أجريت أية عملية انتخابية في ظل هذه الأجواء سيكون التنافس بين القبائل والقبائل المتحالفة وليس على أساس برنامج انتخابي، وستكون الانتخابات والديمقراطية الممارسة من أسباب التمزق والشتات، لأن العملية الانتخابية لن تكون تعبيراً للسلوك الديمقراطي وإنما تنازعاً وبيعاً وشراء وتنافساً على استحواذ على أصوات الناخبين بين القبائل والمجموعات الأخرى”.
ونوه رئيس مجلس أمناء “هيئة محامي دارفور” إلى أن أي حديث عن ضبط المستنفرين وتجميع سلاحهم بعد انتهاء الحرب سيكون بمثابة تغطية وتمويه، فهؤلاء المستنفرون هم الذين يمثلون النظام ويعبرون عنه ويوجهونه بمن فيهم قيادته.
“حكم فرعوني”
من جانبه أفاد المحامي السوداني المعز حضرة بقوله “في الحقيقة لا توجد حكومة تملك حق سن قانون، فمثل هذه القوانين تسنها المجالس التشريعية التي لا وجود لها في ظل هذه الحرب، وبالتالي يبدو أننا نعيش في ظل حكم فرعوني، إذ يملك قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الآن كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما يجعله يصدر ما يشاء من قرارات أياً كانت طبيعتها وأخطارها على البلاد وشعبها”.
وأضاف حضرة “أما في ما يخص مجموعات المستنفرين فهي عبارة عن ميليشيات تتبع الإسلاميين، ولا يمكن تقنين وضعها بهذه الطريقة حتى نكرر الأخطاء السابقة وندخل البلاد في دوامة الحروب ومآلاتها الصعبة. فعلى سبيل المثال عندما وضع قانون قوات ’الدعم السريع‘ في ظل النظام السابق عام 2017، كان هناك مجلس تشريعي تتفق أو تختلف معه، لكن طالما هناك قوات نظامية لديها قانون ينظم عمل كل ما يختص بالشؤون العسكرية، فيجب ألا يكون هناك وضع مخالف لما هو متبع”.
ومضى المحامي السوداني قائلاً “في تقديري لا يوجد مبرر لطرح مثل هذا القانون نظراً إلى أن القوانين الموجودة تكفي ويجب الاستفادة من أية تجربة سلبية، فالآن تذهب البلاد نحو الفوضى بسبب انتشار السلاح في أيدي المواطنين، مما أجج نيران الحرب التي باتت حرباً جهوية وعنصرية، فضلاً عن مشاركة مجموعات إرهابية عدة مثل الدواعش والجماعات المتطرفة من كتائب الإسلاميين في المعارك الدائرة في مناطق الصراع المختلفة”.