وصلني عن طريق الصديق العزيز صلاح الحسن، المقيم بلندن كتاب (مؤانسات في أدب الرسائل)، ورواية (نور- تداعي الكهرمان) للكاتب والروائي السفير جمال محمد إبراهيم. ألف شكر للسفير الأديب والمثقف جمال محمد إبراهيم على السفرين القيمين.
قرأت، وعلى نفس واحد العمل الأدبي والروائي المتميز (نور تداعي الكهرمان). دفعني إلى ذلك أني كنت، وظللت مهتما منذ أيام الدراسة الجامعية بالبحث في سيرة معاوية محمد نور ( ١٩٠٩- ١٩٤١)، وخاصة في نطاق الأسرة بالموردة بأمدرمان. فقد سعيت للمقابلة والجلوس لأخيه شرحبيل عن طريق أسرة السفير عبد الوهاب الصاوى الذي جمعتني وتجمعني به وبأسرته صداقة عميقة ونادرة وزمالة ممتعة وشيقة وفرها صديقنا التشكيلي الراحل علاء الدين الجزولي وزوجته شلبية الصاوي ولكن لم تتوفر السانحة لأسباب وظروف شتى، حتى إذا بشرحبيل محمد نور يرحل هو كذلك. سيرة معاوية محمد نور سيرة دواية الادانة، فصيحة المحتوى لمثقف استثنائي تاريخي، عالى الكعب، ليس ضد التخلف الاجتماعي فقط، بل ضد الصفوة السياسية التي قادت، وحكمت البلاد بعد الاستقلال والتي مثلها خاله ( ….) الذي يرمز له جمال بعثمان مرة، ومرة بخليفة. تلك صفوة وفي سبيل بحثها عن خلافة سياسية بعدم تعكير الأجواء بينها وبين الإنجليز ضحت بعقليات فذة كمعاوية وحرمتها بشيء من التواطؤ من أن تقود حركة التنوير التعليمي والثقافي بالسودان. أيام معاوية بالقاهرة، ورغم الغطاء الروحي الذي وفره العقاد لمعاوية في وسط حاد الصراعات والتجاذبات بالحركة الأدبية المصرية آنذاك، إلا أنها شكلت دليلا دامغا على نظرة الاستعلاء الثقافي لزمرة من المثقفين والأدباء المصريين لمثقفي، وأدباء (جنوب الوادي) ممن يبحثون عن ندية قدر لها أن تكون مفقودة حتى اللحظة، ولا مجال يبدو لاحقاقها أو تعديلها طالما ظل ارتباط الصورة الذهنية للأديب وللمثقف السوداني عند غالبية المثقفين المصريين حالة لا يجوز فك شفرتها إلا ضمن عملية إعراب لعلاقة من التبعية الثقافية المعقدة، والتخلف السياسي المستحكم ببلده. فلم يتقبل أو يتحمل إبراهيم المازني، ولا أعضاء اتجاه ( وليس مدرسة) (أبولو) النتائج النقدية لمعاوية وكشفه عن اقتباسات صريحة قاموا بها ، إن لم نقل نقلا للعديد من الأعمال الأدبية الكلاسيكية، والتجديدية الغربية بسبب استغلال أولئك لضعف القراءة الاطلاع للآداب المكتوبة باللغة الإنجليزية، المجال الذي برع فيه معاوية. نور- تداعي الكهرمان حكاية، وسيرة استطاع جمال محمد إبراهيم وضعها في إطار درامي مأساوي متعدد المستويات في عملية السرد التي تراوحت وتعددت بين الراوي ومعاوية وإدوارد عطية (قلم المخابرات البريطاني). جمال، وفي تقديري، قد نجح في إعطائنا عملا أدبيا، وربما سينمائيا مكتوبا عن سيرة أحد عظماء السودان في مجال الثقافة والأدب والفكر رغم الرحيل المبكر.