يغمرني الفرح والسعادة بالشروع عمليا وبصورة مؤسسية في بناء جبهة مدنية مناهضة للحرب وساعية للسلام، تربط السلام المستدام عضويا باستعادة مسار ثورة ديسمبر المجيدة أي مسار التحول الديمقراطي تجسيدا لقيم الحرية والسلام والعدالة.
الاحتفاء والأمل والدعم الكبير الذي وجده المؤتمر وسط ملايين من الشعب السوداني يدل على تعطش الساحة السياسية لفكرة تقدم وأهدافها، وهذا يطوق “المؤتمر التأسيسي” بتحديات تاريخية نتمنى أن يجتازها بنجاح.
ولكني حزينة جدا من حالة الانهيارات العصبية والنفسية في صفوف عتاة البلابسة والأبواق الكيزانية الحربية والمتواطئين معها بوعي أو بدونه بعد مؤشرات النجاح النوعي لمؤتمر تقدم! وقد انعكست هذه الانهيارات في الهجوم الغوغائي على المؤتمر فكرة وشخوصا ومحاولات تبخيسه بالكذب والتضليل.
لماذا أنا حزينة ولست شامتة؟
لأنني أنظر إلى الدم المسفوك وعذاب الشعب السوداني بالحرب ووحدتنا الوطنية المهددة جديا بالتقسيم والكراهية وأنقاض البيوت والمصانع والكباري والشوارع المسكونة برائحة الجثث والحريق والبارود! لا مجال للشماتة حتى في الأعداء أثناء غرق سفينة الوطن!
في ظل هذه الكارثة محزن جدا أن يوجد بيننا من يشحذ سكاكينه وسهامه ويصوبها تجاه رجال ونساء أرادوا أن يصنعوا للسلام والحرية والعدالة والديمقراطية حاملا مؤسسيا يعلي صوتها ويعبر عن إرادة أنصارها وهم بالملايين وسط الشعب السوداني!
أرادوا أن يكون لقوى السلام والديمقراطية حضورا أصيلا في المشهد السياسي حتى لا ينفرد به دعاة الحرب والدمار وتقسيم الوطن! دعاة الاستبداد والفساد ولاعقي البوت العسكري!
محزن جدا أن ما زال بيننا من يقرع طبول الحرب ويجعل عدوه الاستراتيجي دعاة السلام وسعاة الديمقراطية ويرغب في إقناع الشعب السوداني بأن عدوه هو القوى المدنية الديمقراطية وصديقه هو من يصوبون الدانات وقذائف الطيران والمدفعية الثقيلة نحوه في حرب عنوانها صراع السلطة بين الأطراف المسلحة من أجل أن يظفر المنتصر باستبداد يقمع تحت وطأته من يتبقى من الشعب المنكوب!
بعد مرور عام على الحرب اللعينة أدرك كثير من ضحايا التضليل والدعاية الحربية أن كل مزاعم ساعة الحسم والنصر العسكري مجرد أكاذيب، وباتت ساعة الحسم الوحيدة و الحقيقية التي ينتظرها الشعب السوداني المنكوب هي ساعة إعلان وقف إطلاق النار ولجم نيران هذه الحرب لأنه ببساطة يحترق بها!
لماذا هذه الغضبة المضرية من “تقدم”؟
نساء ورجال تقدم في كلماتهم الرائعة أمام الجلسة الافتتاحية أمام المؤتمر لم يحتكروا تمثيل الشعب السوداني، وقالوا بوضوح وبعبارات مبينة: نحن لا نمثل كل الشعب السوداني ولا نمثل كل القوى المدنية السودانية ومشروعنا مفتوح على التطور وتوسعة قاعدته باستمرار، قالوا ذلك رغم أن المؤتمر أمه 600 شخص يمثلون أحزابا سياسية حقيقية ومنظمات مجتمع مدني مؤثرة وأجسام نقابية ومهنية وكيانات دينية وأهلية ومبدعين ومثقفين من العيار الثقيل ، وقد عكس الحضور تنوعا سودانيا حقيقيا شمل كل ولايات السودان.
إن الحملات الإعلامية المنظمة ضد تقدم والمتخفية تحت لافتات جدل “التفويض والتمثيل” تسقط تماما لأن تقدم قبل وبعد المؤتمر لم تدعي أنها ذات تفويض كامل وممثلة حصرية للشعب السوداني، ولكن الحقيقة الموضوعية أنها مفوضة من مكوناتها وتمثل تيارا سياسيا معتبرا وسط قوى السلام والديمقراطية والحكم المدني وأنصار الثورة التي تعالت هتافاتها بقوة خلال المؤتمر فلماذا الغضب والاحتجاج والابتزاز؟
ولماذا من يتهمون تقدم بالإقصاء من بعض القوى المدنية يتطابق خطابهم تجاه تقدم مع الخطاب الإقصائي الكيزاني البلبوسي الذي يستميت في إثبات أن تقدم لا تمثل أحد مطلقا وهي مجرد صنيعة من الخارج قوامها عملاء ومرتزقة!! أليس هذا هو عين الإقصاء والتجني على الحقائق!
تقدم من الشعب السوداني وتمثل جزء كبيرا منه وترفع رايات عزيزة ومطلوبة بإلحاح في هذا الظرف التاريخي، نجاح مؤتمرها بلا شك سيكون إضافة نوعية إلى تجربتنا الوطنية.