برز الأستاذ المرحوم الرشيد مهدي بأنه رائد السينما السودانية حيث أنتج أول فلم سينمائي سوداني هو( آمال وأحلام) ، ولكن الحقيقة التاريخية أيضاً أن الرشيد مهدي هو أول مصور صحفي سوداني استعانت به الصحف البريطانية قبل الصحف السودانية ففي العام 1946م كان هنالك حدث مهم في مدينة عطبرة حيث حضر إليها وفد الصحافة البريطانية ممـــــــــــــثلاً في صحيفة ( التايمز) ذائعة الصيت وذلك برئاسة الصحفية المسز( باركر) التي استعانت بالرشيد مهدى في التغطية الصحفية حيث شاهد الوفد الصحفي التشكيلات الرائعة المصنوعة من عربات السكة الحديد المخصصة للركاب والبضائع وعربات الحيوانات والصوالين وكلها من إنتاج خالص لعمال السكة الحديد. لقد كانت كل العربات مدهونة بلون “البيج” عليها ماركة( S.R) اختصار السكة الحديد المشهور وكلها تلمع كما الذهب، وقد اندهش الوفد الصحفي لرؤية هذه الصناعة (العطبراوية) وهذا الإبداع الذى لم يكن في مخيلة الصحفيين بأن هذه صناعة محلية بيد العامل السوداني، لقد قام الرشيد مهدى بمساعدة الصحفية مسز (باركر) بجمع عمال ورشة النجاريين والعربات وتصويرهم في عدة مشاهد وتصوير طواف الصحفيين على أقسام الورش المتعددة.
إن هذا الموقف يمثل نقلة كبيرة في حياة (الرشيد مهدي) الفنية حيث ظهرت الصور التي التقطها في صحيفة التايمز اللندنية ضمن مقالات كتبتها مسز (باركر) بعنوان (السودان أمة رفيعة في طور التكوين) وفي ذات الوقت سجل اسمه في دفتر التاريخ أته أول مصور صحفي سوداني، وقد اهتمت الصحف السودانية بتلكم المقالات خاصة أبو الصحف الأستاذ أحمد يوسف هاشم حيث علق عليها في صحيفة (النيل) التي كان يرأس تحريرها وبعد ذلك وجد الصحفيون السودانيون أنفسهم مدفوعين لزيارة مدينة عطبرة لتقصى الحقائق ورؤية الأوضاع على طبيعتها.
لقد جاءت زيارات الصحفيين السودانيين إلى عطبرة ومنها زيارة (أبو الصحف) بنتائج عكسية للاحتلال الإنجليزي حيث كان الهدف الوقوف على مهارة العامل السوداني إلا أنها كانت فرصة لمقارنة الأوضاع الاقتصادية بين حياة الإنجليز والمصريين والعمال السودانيين في عطبرة، وقد كان الفارق الكبير في العيش وفي حياة الناس هو موضوع تعليق الصحافة السودانية ونقدها خاصة مسألة الأجور والسكن، واستنكر الصحفيون خاصة صحف الرأي العام والصراحة والشباب والرائد معاملة الانجليز لهذه الفئة المنتجة التي تعمل في مرفق السكة الحديد وبمرور وفد الصحافة السودانية في شوارع عطبرة قرأ الأستاذ أحمد يوسف هاشم لافتة بجوار الجامع الكبير مكتوب عليها” مكان التسول” فصاح يا للعجب ، على عمال السكة الحديد أن يقفوا جميعاً بجوار هذه اللافتة ، وقد انعكس هذا الإحساس في كتابات الصحفيين حيث قال الأستاذ أحمد يوسف هاشم “عطبرة هذه مقبرة ” انظروا إلى الفارق الكبير في حياة الناس بين سكان حي السكة الحديد في صحتهم وعافيتهم ومعظمهم من الانجليز والمصريين وسكان الأحياء الأخرى ، هؤلاء صحة معتلة وأجسام نحيلة ضعيفة وأولئك غذاءهم رغيف القمح واللحوم البيضاء والضأن والفاكهة أما الآخرين فليس لهم غير كسرة الذرة و الملاح البايت ” ، أصبحت هذه القضية واحدة من اهتمامات أبو الصحف وعندما أصدر صحيفة السودان الجديد بدأ يكتب مقالاته الشهيرة في عموده المقروء ” حديث اليوم ” وكان المقال الذى كتبه بعنوان ( ألا يا أيها النوّام هبّوا .. هكذا يعامل السوداني في بلاده) كان ذلك أكثر المقالات الصحفية إثارة لإشعال جذوة الحماس في نفوس الناس.
لقد كانت معظم الصحف السودانية في تلكم الفترة التي شهدت مناهضة للمحتل تلجأ للرشيد مهدى لتوفير الصور الفوتوغرافية الملحقة بالمواد الصحفية في تغطيتها لهذه الأحداث وقد أثّر ذلك في التكوين الوطني للأستاذ الرشيد فأهتم بتوثيق المواقف الوطنية والشخصيات التي ناهضت المحتل ، كما أن هذا التعاون مع الصحف القومية شكل البدايات الاولى لمهنة التصوير الصحفي في السودان و جعل منه شخصية قومية معروفة وسط الصحفيين والإعلاميين على مستوى السودان والعالم العربي وبريطانيا
رحم الله أستاذنا الفاضل الرشيد مهدي وغفر له وأسكنه فسيج الجنات.