المغاربة دوما يرددون: أنت فى المغرب ..فلا تستغرب
وقد كانت كافة رحلاتى وإقاماتى في المغرب الزوين دسمة جدا ..وأكثر دسامة من البصطيلة والرفيسة وطاجن الحوت ..وكفتة سمك الصير ( كفتة السردين)..
وصديقي النصري رجل يطلق أحكامه دوما فى الهواء الطلق ولديه اعتقاد ويقين راسخ بأن نساء المغرب يسحرن الرجال ..ويؤكد بإن جار له ذهب للمغرب ..فنسى زوجته وعياله! وتزوج مغربية عملت ليه عمل أى سحر ..!
ولمعرفتي بالمغرب من جوا على نمط معرفة صعايدة مصر من الصعيد الجواني ..
فلقد خالطت جميع طبقات وفئات المغاربة ..والمثقفين والفنانين منهم نساءا ورجالا ..إلى باعة المسمن والحوت والخضر والفاكهة فى الشوارع.
ودخلت عمق البيوت المغربية العامرة بالحنية ..
وأكلت الكسكسي يوم الجمعة وختمت باللبن..
وشربت اتاى منعنع طوله ” متر كامل” ..
وصليت فى الزوايا والخلاوي والمساجد ..
وسحرتني فاسية بابتسامتها النضرة ..
وكادت أن تلحقني ٱدريس جماع ..حسناء مراكشية دلوع غنوج ..سال من شعرها الذهب..
أما فى أغادير فإن السوسيات واعرات بزااف ..
وحتى الزوجة المغربية عندما يسافر زوجها إلى أغادير تفرش بيت بكاء عديل ..
لاعتقادهن أن السوسيات واعرات فى السحر والشعوذة وسرقة الرجال ..
والحقيقة المطلقة فإن للسوسية جاذبية قد تجعل إسحق نيوتن يعدل فى قوانينه ..وينسى حتى اسمه!
وقد استهوانى فى أغادير فراولتها،
وطواجن حوتها،
وزيت أرقانها المخلوط بعسل أغادير وزبدة لوزها ( الأملو) ..
وابتسامة صباياها ..
وأصبحت أغادير في حياتي محطة سنوية ..
احج إليها سرا ..
حتى كشف الفيسبوك يوما مكاني ..
وكان الحساب عسير ..
فقد انزلق قلمي كما هو حاله الآن ..
وأنا فى مطعم أغاديرى بصحبة زوينة..
وكنت جاهل بفنيات الفيسبوك الذى سجل مكاني!!
وكانت أحد أيامى السوداء ..
وأنا عاشق لكل شئ فى المغرب حتى لهجته الواعرة بزاااف ..
وصافي ..
وأحن إلى دفء الأسر المغربية ..
والأكل المغربي عندي لا يعلى عليه وخصوصا الطواجن ..
وأسماك المغرب ومأكولاته البحرية ما بين الأطلسى والمتوسط والتي يعود بها الكهل صبيا ..
وزيتونه وحنية أهله..
وتدينهم الصوفي المتسامح ..
والقبول بالآخر مهما كان مختلفا ..ومحبته كمان.
وبمناسبة قرب عيد الأضحى ..
تذكرت أول عيد أضحى قضيته بالمغرب وأنا فى دهشة واستغراب حقيقي من الملصقات والإعلانات المضيئة للبنوك التى تعلن عن سلفيات لشراء خروف العيد ( الحولي) ..
أي نعم والله سلفيات لشراء الخروف وبفوائد بنكية باهظة ..
والمغاربة بقدر كراهيتهم لأغلبية زوارهم من السعوديين الذين يبحثون عن المتعة الحرام بين أحضان أعناها الفقر والعوز ..
يحبون السودانيين والهلال والمريخ ..
ويمقتون زائرهم السعودي ويطلقون عليه ( الحولي)، أي الخروف !!.
أيامها كان لدي سائق مهذب جدا اسمه أسطى حميد يقاسم هو وأطفاله الثلاثة وزوجته وأمه غرفة صغيرة بحمام متر فى متر مع أسرة أخرى مكونة من زوجين وطفل ..
وكنت استغرب هذا الحال وخصوصا فى الصيف الذي لا يستطيع فيه حميد النوم ولكنه لا يتأخر أبدا عن موعد عمله ..
وقد اعتدت أن أراه قبل نصف ساعة أقلها من الموعد وهو يلمع وينظف السيارة فى انتظار خروجى للعمل ..
وكان يستغرب أننى أجلس إلى جانبه وأتعامل معه بأخوية، فأخبره أحد الجيران بان السودانيين بطبعهم شعب متواضع وطيب ..
وقد كنت انهمك فى السيارة بمطالعة الأوراق والمستندات وغيرها ..
وخلفية السيارة أصبحت عبارة عن مكتب متنقل ..
وحميد يعرف طباعي جيدا ويسوق باحترافية وهدوء ولا يتحدث أبدا ..
ولكني أقرأ كل شئ فى وجهه بسهولة ..
فان المغاربة رجال ونساء
شعب لا يستطيع التمثيل أو إخفاء مشاعره حتى
” السخونة “منها ..ويعبر عن نفسه كما يشاء له الهوى ..”وطلع لي الدم”.
وأيضا هم شعب يعشق ويبدع فى “المأكلة” أي الطعام حتى البسيط منه مثل طاجن البيض بالزيتون فى أى “محلبة” شعبية..
وكعادته فان حميد يبتسم فى وجهي صباحا وهو يساعدني على الجلوس فب السيارة ..
وأنا بطبعي لا أستطيع إطلاقا التعايش مع إنسان “كشر” ..وأهرب منه .. وكان اختيارى له يتضمن عوامل عديدة ومنها الهدوء والهمة والنشاط والاحترافية.. والإبتسامة.
ولكني لا حظت مع اقتراب عيد الأضحى أن وجه حميد قد اكتساه حزن عميق وشرود على غير عادته ..
وقبل العيد بيومين اصطدم حميد بسيارة أمامه وكاد أن يلحقنا الزينين كما تقول حبوبتي ..
وجات سليمة ..
وقد استغربت جدا وأنا أرى
حميد ينفجر باكيا باعلى صوته ..
فسالته: ما بك يارجل ..
وعندما أصريت أن أعرف السبب، أفادني أنه لا يملك مالا وقد رفض البنك طلبه سلفية لشراء الحولي وأن ذلك أمر سوف يحزن أطفاله جدا وأنهم يوميا يسألون عن الحولي ..
أصدقكم القول
أننى لم استطيع حينها
كتم ضحكتى
فإن حميد لا يصلى ولا يصوم ولا يعلم شئ عن الإسلام رغم محاولاتي وبمحبة ..
وكنت عندما أذهب للمسجد للصلاة ينتظرني خارجه رغم محاولاتي تحفيزه وتشجيعه للصلاة معي ..
فان الشعب المغربي كله ودون استثناء عندهم الضحية أهم شئ فى كل الإسلام ..
ويأكلها هو وأهل بيته ولا يترك رأس أو حتى كوارع!
ويخزن اللحم شهور طويلة ويسمونها ( القديد)..
بعد تجفيفه ويستعمله لشهور فى الطاجن ومع البيض وغيره ..
واللحم المجفف ( القديد) وجبة مفضلة لديهم وكثير من شعوب العالم ..
طلبت لحظتها من حميد أن يتجه إلى سوبرماركت كارفور ..
واتجهنا سويا إلى طابق كامل تم تخصيصه لبيع الخراف ..
وتوزيعها إلى حصائر حسب النوع ..
وأفضلها وأغلاها “الصردي” المغربي لذيذ الطعم ..
وطلبت من حميد أن يختار لي أفضل خروف ولا يهمه السعر وقد كان وتم الوزن وأخذه إلى السيارة ..
وسالني حميد إلى إين نتجه ..
فاجبته: إلى بيتك
رد : تقصد بيتك سيدى الدكتور
أجبته: بل أقصد بيتك أنت يا حميد
ولكن يا دكتور بيتي متواضع وفى السطوح ولا يوجد مصعد رد بانفعال
ضحكت وقلت له: إذن أنت بخيل يا حميد.. نريد أن نذهب بهذا الخروف إلى الدراري ( تعني عيالك )..
وبدأ حميد غير مصدقا …
وفتح البكاء مرة ثانية !!
وسالته وأنا أرى خيام فى الشوارع مكتوب عليها: فندق الخراف وأمامها يباع الفحم والمناقد والطواجن الفخارية…وفى بعضها مكتوب يوجد واى فاى WiFi
وعلمت منه، أنها أماكن تحفظ فيها الخروف حتى لحظة تأتى لتأخذه لذبحه ..
بمقابل مادى عن اليوم الواحد ..
لآن الشقق لا تتحمل ..
وحتى البيوت الواسعة تفضل إبقاؤه بعيدا خوفا من الأوساخ وهم أكله وشربه.
وبالفعل ذهبنا لفندق الخراف
وتمت كتابة رقم وطبعه على الخروف وتعليق آخر في القرون ..
وتسجيل العنوان والتفاصيل وتسديد مقدما عدد الأيام التي سوف يمكثها وهى full board أو بالأصح
fully inclusive
وتشمل المبيت والأكل والشرب
ويمكن أيضا أن تشمل الذبح والتقطيع بنظام ..
ويوم عيد الأضحى
يفطر المغاربة بيض وزيتون وزيته وعسل وفطير مسمن وحرشة وهى مثل القراصة او البان كيك وغيرها ويذهبون للصلاة ..
ومن ثم يذبحون خرافهم ويعلقونها فى الأبواب ويتركونها يوما كاملا ليقطر دمها وتجف تماما من الدم ومن ثم يأكلون منها مساءا أو ثاني يوم ..
وعن تجربة، فإن جعل اللحمة تجف من الدم تجعل طعمها لذيذا ..
وهم قوم يجتهدون فى نظافة الرأس والكوارع والبطنية لحفظها وقتا طويلا..
ويأكلون فى يوم العيد الكبدة فقط
بعد شويها بالفحم قليلا ..
ومن ثم تقطيعها ولفها داخل بطنية الخروف ( الشحم)..
وادخالها فى اسياخ واعادة الشواء بالفحم ومن ثم اكلها بالشمار/الكمون والخبز ..
وبالكاد كل فرد يحصل على قطع قليلة منها ..
ولكنى أصريت على أن يتم تقطيع نصيبي من الكبدة نيا وعملت مرارة مدنكلة بالدكوة والشطة والليمون والبصل ..
وسطة دهشة الجميع على السوداني الذي يأكل الكبد نيا !!
واخبرتهم ان والدتي تقسم الخروف إلى ثلاثة …
ومن ثم أصريت على تقسيم ضحيتي ..
وأخبروني أنه لايوجد فقراء ومساكين ..
ولكني لم اقتنع ..
وكنت قد لاحظت لافته فى شارع غير بعيد عني تفيد بأنه مكان خلوة لتعليم القران يأتى إليها الطلاب من أماكن بعيدة، ولكن ممنوع إدخال أى شئ لهم بدون ضوابط ونظم واستئذان ..وبالفعل قابلت إدارتهم ووافقت على أن أدخل لهم اللحم بشرط مطبوخا وبمعاينة أحد عمالهم وإشرافه.
واستغربت عندما وجدت فى الخلوة خليط من الطلاب بعضهم يأتى من أسر فقيرة فى داخل المغرب، وبعضهم من أسر غنية فى الخارج وخصوصا من فرنسا، يرسلوا أبناؤهم لتعلم القران ..
والغريب أن تلاميذ تلك الخلوة لا تربطهم أدنى علاقة بأهل الحي ولا حتي السلام ..
لذلك استغربوا الاختراق السودانى ..
وإنا من أسرة متعودة على ” الاختراق”
وقد سبق أن قضينا عيد الأضحى في دمشق ..
وقد كنت وقتها من المغضوب عليهم من نظام الترابي وتمت مصادرة جواز سفري ..
وقد كنت التقي بالوالدين وإخوتي في دمشق…
وقضينا مع بعضنا عيد أضحى لازال منحوتا في ذاكرتي ..
يومها وسط استغراب أهل العمارة التي كنا نستأجر طابقها الأرضي مع حديقته، ذبحنا خروفنا ..
والشية والمرارة ..دخاخينها فى السماء
وأخذت أمى الله يطراها بالخير أكوام من اللحم وطرقت أبواب الشقق تعيد عليهم وتوزع اللحم ..
وهى تسألنى بدهشه: أنت متأكد يا ولدي .. الناس ديل مسلمين ..
لأنها لم ترى أى مظاهر للعيد مطلقا!
لقد قضيت عيد الأضحى فى كثير من بلاد العالم ..
ولكنها سوف تكون المرة الأولى في أذربيجان فانتظروني لأحكي لكم الأحداث…
ولعدم وجود التمر أرجو مساعدتي فى كيفية عمل شربوت مدنكل من الفاكهة؟