لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادو
البيت لا يبتني إلا على عمد
ولا عماد إذا لم ترسي أوتاد
فان تجمع أوتاد وأعمدة يوما
فقد بلغوا الأمر الذي كادوا
الأفوه الأودي (شاعر جاهلي)
السيارة تتأوه وترتج وتهز جسدك كله وإطاراتها تخرج من حفرة وتسقط في أخرى على شارع الأسفلت الذي شيدته شركة ستراباج الألمانية ولم تطاله يد الصيانة منذ افتتاحه عام 1979 وأنت تسير في طريق وسط جبال رمادية متناثرة وأشجار شوك عجفاء تقاوم مدفوعة بغريزة حب البقاء حية من أنياب المسكيت الملعون ..مشهد قميء تحاول الهرب من قسوته بإرخاء الاذن لعثمان الشفيع يترنم بكلمات ود القرشي يأتيك من شريط استعنت به لكسر حاجز الرتابة والكآبة
الزهور والورد شتلوه جوة قلبي
عشان حبيبي تذكارو ديمة عندي
كم اجتمعنا في تهني وفي تمني
ثم افترقنا وكأني ما كأني
الجور تفشى والهجران تبدا
الحب تولى والإخلاص تعدا
أغنيات من العذوبة والجمال من زمان مضى .. زمان لن يعود فكل شيء زفت إلا الطريق الذي تمشي عليه.
الناس تتجمع وتستقبل وتودع زرافات ووحدانا وفي حماس تام فإذا كانت لديهم هذه الطاقة والحماس والهمة فلماذا لا تظهر في العمل الجاد حتى أصبحت كل أيامنا استقبالات ووداع ومهرجانات تكريم فهل تحولنا إلى مخلوقات نعيش بسطح وجودها وبقشرة جسمها ..إن الشعب الذي ينفق أحشائه وهمته وحماسه في الاستقبالات ومهرجانات التكريم الوهمية التي ينفض سامرها قبل أن يجف حبرها ويعود إلى بيته جثة خاوية جوفاء ليس فيها همة لشيء هو شعب يحتاج إلى تحليل نفسي فهل هو خطأ في التربية والتعليم ؟ هل هو خطأ سياسي تنظيمي؟
إن سبعون في المائة من مساحة الوطن لا زالت محتلة من قبل ميلشيات همجية مجنونة تعيث في الأرض فسادا وتستبيح بالدمار مقدرات اقتصادية وصحية وتعليمية وتراثية تم تشييدها منذ مئات السنين من جيب محمد أحمد (دافع الضرائب) في بلد الآن تعيش حالة عزلة دولية غير مسبوقة لا يحرك أنين ضحاياه من قتلى الرصاص والجوع والاغتصابات الجماعية شعرة في جفن المجتمع الدولي الذي اكتفى بالتفرج . الأسعار تكوي الأجساد وهي تتصاعد في عنان السماء sky rocketing والتلوث البيئي يتمدد وقتلى قرية ود النورة يقفز الى 200 وجثث الهاربون الى مصر بالتهريب تفوق قدرة مستشفيات أسوان ومع ذلك لازالت المنصات عامرة ببشر يضعون ابتسامات عريضة ويحملون شهادات تكريم يلتقطون صورا تذكارية أمام أضواء الكاميرات ..تتساءل ماذا حدث من جديد يبرر شلالات الفرح فيرتد اليك البصر خاسئا وهو حسير. فهل أصبح الانسان السوداني ظاهرة احتفاءيه؟
ان العمر قصير والانسان لم يولد ليعيش عبثا ويموت عبثا كما يقول الدكتور مصطفى محمود فما يعانيه يدعو لأن نعمل شيئا أكثر إيجابية في حياتنا من مهرجانات الاستقبالات العبثية واحتفالات التكريم العدمية التافهة ..شيئا لإعادة ترميم الذوق العام ..فيد الادراك والفهم والوعي ينبغي أن تتدخل لإحداث التغيير والتصويب المطلوب.
oabuzinap@gmail.com